أبو بكر الصديق - أولاً: اسمه ونسبه وكنيته وألقابه

منذ 2019-07-23

هو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو،يلتقي مع النبي  في النسب في الجد السادس مرة بن كعب ويكنى بأبي بكر، وهي من البكر وهو الفَتِيُّ من الإبل، والجمع بكارة وأبكر، وقد سمت العرب بكرًا، وهو أبو قبيلة عظيمة. ولقب أبو بكر  بألقاب عديدة، كلها تدل على سمو المكانة، وعلو المنزلة وشرف الحسب

هو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي, ويلتقي مع النبي  في النسب في الجد السادس مرة بن كعب ويكنى بأبي بكر، وهي من البكر وهو الفَتِيُّ من الإبل، والجمع بكارة وأبكر، وقد سمت العرب بكرًا، وهو أبو قبيلة عظيمة. ولقب أبو بكر  بألقاب عديدة، كلها تدل على سمو المكانة، وعلو المنزلة وشرف الحسب، منها:

1- العتيق:

لقبه به النبي، فقد قال له: « «أنت عتيق الله من النار» »، فسمي عتيقا. وفي رواية عائشة قالت: دخل أبو بكر الصديق على رسول الله، فقال له رسول الله: «أبشر، فأنت عتيق الله من النار». فمن يومئذ سُمي عتيقاً. وقد ذكر المؤرخون أسباب كثيرة لهذا اللقب، فقد قيل: إنما سمي عتيقاً لجمال وجهه. وقيل: لأنه كان قديماً في الخير. وقيل: سمي عتيقاً لعتاقة وجهه.

وقيل: إن أمَّ أبي بكر كان لا يعيش لها ولد، فلما ولدته استقبلت به الكعبة وقالت: اللهم إن هذا عتيقك من الموت فهبه لي. ولا مانع للجمع بين بعض هذه الأقوال؛ فأبو بكر جميل الوجه، حسن النسب، صاحب يد سابقة إلى الخير، وهو عتيق الله من النار بفضل بشارة النبي  له.

2- الصدِّيق:

لقبه به النبي، ففي حديث أنس  أنه قال: إن النبي  صعد أحدا، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، فرجف بهم فقال: «اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان».

وقد لقب بالصديق لكثرة تصديقه للنبي، وفي هذا تروي أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- فتقول: لما أسري بالنبي  إلى المسجد الأقصى، أصبح يتحدث الناس بذلك، فارتد ناس كانوا آمنوا به وصدقوه، وسعى رجال إلى أبي بكر، فقالوا: هل لك إلى صاحبك؟ يزعم أن أسري به الليلة إلى بيت المقدس! قال: وقد قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: لئن قال ذلك فقد صدق. قالوا: أو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس، وجاء قبل أن يصبح؟!!

قال: نعم، إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة، فلذلك سمي أبو بكر: الصديق.

وقد أجمعت الأمة على تسميته بالصديق لأنه بادر إلى تصديق الرسول، ولازمه الصدق فلم تقع منه هناة أبدًا. فقد اتصف بهذا اللقب ومدحه الشعراء، قال أبو محجن الثقفي:

وسُـميـت صـديقـا وكـل مهاجر    ***    سواك يسمى باسمه غير منكر
سبقت إلى الإسلام والله شاهد    ***    وكنت جليسًا في العريش المشهر
 

وأنشد الأصمعي فقال:

ولكـنـي أحــب بـكل قلبي    ***    وأعلم أن ذاك من الصواب
رسولَ الله والصديقَ حبًّا    ***    به أرجو غدًا حسن الثواب

 

3- الصاحب:

لقبه به الله -عز وجل- في القرآن الكريم: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:40].

وقد أجمع العلماء على أن الصاحب المقصود هنا هو أبو بكر فعن أنس أن أبا بكر حدثه فقال: قلت للنبي  وهو في الغار: لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه!! فقال النبي: «يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما».

قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} [التوبة: 40] فإن المراد بصاحبه هنا أبو بكر بلا منازع، والأحاديث في كونه كان معه في الغار كثيرة شهيرة، ولم يشركه في المنقبة غيره.

4- الأتقى:

لقبه به الله -عز وجل- في القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأتْقَى} [الليل: 17]، وسيأتي بيان ذلك في حديثنا عن المعذبين في الله الذين أعتقهم أبو بكر .

5- الأواه:

لقب أبو بكر بالأواه، وهو لقب يدل على الخوف والوجل والخشية من الله تعالى، فعن إبراهيم النخعي قال: كان أبو بكر يسمى بالأواه لرأفته ورحمته.

ثانيًا: مولده وصفته الْخَلْقِيَّة.

لم يختلف العلماء في أنه ولد بعد عام الفيل، وإنما اختلفوا في المدة التي كانت بعد عام الفيل، فبعضهم قال بثلاث سنين، وبعضهم ذكر بأنه ولد بعد عام الفيل بسنتين وستة أشهر، وآخرون قالوا بسنتين وأشهر، ولم يحددوا عدد الأشهر.

وقد نشأ نشأة كريمة طيبة في حضن أبوين لهما الكرامة والعز في قومهما، مما جعل أبا بكر ينشأ كريم النفس، عزيز المكانة في قومه.

وأما صفته الخَلْقية، فقد كان يوصف بالبياض في اللون، والنحافة في البدن،

وفي هذا يقول قيس بن أبي حازم: دخلت على أبي بكر، وكان رجلا نحيفًا، خفيف اللحم أبيض. وقد وصفه أصحاب السير من أفواه الرواة فقالوا: إن أبا بكر  اتصف بأنه كان أبيض تخالطه صفرة، حسن القامة، نحيفًا خفيف العارضين، أجنأ، لا يستمسك إزاره يسترخي عن حقويه رقيقا معروق الوجه، غائر العينين، أقنى، حمش الساقين، ممحوص الفخذين، كان ناتئ الجبهة، عاري الأشاجع، ويخضب لحيته وشيبه بالحناء والكتم.

ثالثًا: أسرته.

أما والده فهو عثمان بن عامر بن عمرو، يكنى بأبي قحافة، أسلم يوم الفتح، وأقبل به الصديق على رسول الله  فقال: «يا أبا بكر، هلا تركته حتى نأتيه»، فقال أبو بكر: هو أولى أن يأتيك يا رسول الله.

فأسلم أبو قحافة وبايع رسول الله، ويروى أن رسول الله  هنأ أبا بكر بإسلام أبيه، وقال لأبي بكر: «غيروا هذا من شعره»  فقد كان رأس أبي قحافة مثل الثغام وفي هذا الخبر منهج نبوي كريم سنه النبي في توقير كبار السن واحترامهم، ويؤكد ذلك قوله: «ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا».

وأما والدة الصديق: فهي سلمى بنت صخر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم، وكنيتها أم الخير، أسلمت مبكرًا، وسيأتي تفصيل ذلك في واقعة إلحاح أبي بكر على النبي  على الظهور بمكه

وأما زوجاته: فقد تزوج  من أربع نسوة، أنجبن له ثلاثة ذكور وثلاث إناث، وهن على التوالي:

1- قتيلة بنت عبد العزى بن أسعد بن جابر بن مالك:

اختلف في إسلامها، وهي والدة عبد الله وأسماء، وكان أبو بكر طلقها في الجاهلية وقد جاءت بهدايا فيها أقط وسمن إلى ابنتها أسماء بنت أبي بكر بالمدينة، فأبت أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها، فأرسلت إلى عائشة تسأل النبي فقال النبي: «لتدخلها، ولتقبل هديتها»، وأنزل الله -عز وجل-: {لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8]، أي: لا يمنعكم الله من البر والإحسان وفعل الخير إلى الكفار الذين سالموكم ولم يقاتلوكم في الدين كالنساء الضعيفة منهم؛ كصلة الرحم، ونفع الجار، والضيافة، ولم يخرجوكم من دياركم، ولا يمنعكم أيضا من أن تعدلوا فيما بينكم وبينهم؛ بأداء ما لهم من الحق؛ كالوفاء لهم بالوعود، وأداء الأمانة، وإيفاء أثمان المشتريات كاملة غير منقوصة. إن الله يحب العادلين ويرضى عنهم، ويمقت الظالمين ويعاقبهم.

2- أم رومان بنت عامر بن عويمر:

من بني كنانة بن خزيمة، مات عنها زوجها الحارث بن سخبرة بمكة، فتزوجها أبو بكر، وأسلمت قديمًا، وبايعت، وهاجرت إلى المدينة، وهي والدة عبد الرحمن وعائشة رضي الله عنهم، وتوفيت في عهد النبي  بالمدينة سنة ست من الهجرة.

3- أسماء بنت عُمَيـس بن معبد بن الحارث:
أم عبد الله، من المهاجرات الأوائل، أسلمت قديماً قبل دخول دار الأرقم، وبايعت الرسول ، وهاجر بها زوجها جعفر بن أبي طالب إلىالحبشة، ثم هاجرت معه إلى المدينة فاستشهد يوم مؤتة، وتزوجها الصديق فولدت له محمدا. روى عنها من الصحابة: عمر، وأبو موسى، وعبد الله بن عباس، وهو ابن اختها أم الفضل امرأة العباس. وأمها هند بنت عوف ابن زهير وكانت أكرم الناس أصهارًا؛ فمن أصهارها: رسول الله وحمزة والعباس وغيرهم.

4- حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير:

الأنصارية، الخزرجية وهي التي ولدت لأبي بكر أم كلثوم بعد وفاته، وقد أقام عندها الصديق بالسنح.

وأما أولاد أبي بكر  فهم:

1- عبد الرحمن بن أبي بكر:

أسن ولد أبي بكر، أسلم يوم الحديبية، وحسن إسلامه، وصحب رسول الله وقد اشتهر بالشجاعة، وله مواقف محمودة ومشهودة بعد إسلامه.

2- عبد الله بن أبي بكر:

صاحب الدور العظيم في الهجرة، فقد كان يبقى في النهار بين أهل مكة يسمع أخبارهم ثم يتسلل في الليل إلى الغار لينقل هذه الأخبار لرسول الله وأبيه، فإذا جاء الصبح عاد إلى مكة. وقد أصيب بسهم يوم الطائف، فماطله حتى مات شهيدا بالمدينة في خلافة الصديق.

3- محمد بن أبي بكر:

أمه أسماء بنت عميس، ولد عام حجة الوداع وكان من فتيان قريش، عاش في حجر علي بن أبي طالب، وولاه مصر وبها قتل.

4- أسماء بنت أبي بكر:

ذات النطاقين، أسن من عائشة، سماها رسول الله  ذات النطاقين لأنها صنعت لرسول الله  ولأبيها سفرة لما هاجرا فلم تجد ما تشدها به، فشقت نطاقها وشدت به السفرة، فسماها النبي  بذلك. وهي زوجة الزبير بن العوام وهاجرت إلى المدينة وهي حامل بعبد الله بن الزبير فولدته بعد الهجرة، فكان أول مولود في الإسلام بعد الهجرة، بلغت مائة سنة ولم ينكر من عقلها شيء، ولم يسقط لها سِنٌّ. رُوي لها عن الرسول  ستة وخمسون حديثا، روى عنها عبد الله بن عباس، وأبناؤها عبد الله وعروة، وعبد الله بن أبي مُليكة وغيرهم، وكانت جوادة منفقة، توفيت بمكة سنة 73 هـ .

5- عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها:

الصديقة بنت الصديق، تزوجها رسول الله  وهي بنت ست سنين، ودخل بها وهي بنت تسع سنين، وأعرس بها في شوال، وهي أعلم النساء، كناها رسول الله  أم عبد الله، وكان حبه لها مثالاً للزوجية الصالحة.

كان الشعبي يحدث عن مسروق أنه إذا تحدث عن أم المؤمنين عائشة يقول: حدثتني الصديقة بنت الصديق المبرأة حبيبة رسول الله، ومسندها يبلغ ألفين ومائتين وعشرة أحاديث (2210)، اتفق البخاري ومسلم على مائة وأربعة وسبعين حديثا، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين، وانفرد مسلم بتسعة وستين، وعاشت ثلاثاً وستين سنة وأشهرًا، وتوفيت سنة 57 هـ، ولا ذرية لها.

6- أم كلثوم بنت أبي بكر:

أمها حبيبة بنت خارجة، قال أبو بكر لأم المؤمنين عائشة حين حضرته الوفاة: إنما هما أخواك وأختاك، فقالت: هذه أسماء قد عرفتها، فمن الأخرى؟ قال: ذو بطن بنت خارجة، قد ألقى في خلدي أنها جارية، فكانت كما قال: وولدت بعد موته.

تزوجها طلحة بن عبيد الله وقتل عنها يوم الجمل، وحجت بها عائشة في عدتها فأخرجتها إلى مكة.

هذه هي أسرة الصديق المباركة التي أكرمها الله بالإسلام، وقد اختص بهذا الفضل أبو بكر  من بين الصحابة،

وقد قال العلماء: لا يعرف أربعة متناسلون بعضهم من بعض صحبوا رسول الله  إلا آل أبي بكر الصديق، وهم: عبد الله بن الزبير، أمه أسماء بنت أبي بكر بن أبي قحافة، فهؤلاء الأربعة صحابة متناسلون، وأيضا محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة رضي الله عنهم.

وليس من الصحابة من أسلم أبوه وأمه وأولاده، وأدركوا النبي  وأدركه أيضا بنو أولاده إلا أبو بكر من جهة الرجال والنساء -وقد بينت ذلك- فكلهم آمنوا بالنبي وصحبوه، فهذا بيت الصديق، فأهله أهل إيمان، ليس فيهم منافق ولا يعرف في الصحابة مثل هذه لغير بيت أبي بكر رضي الله عنهم.

وكان يقال: للإيمان بيوت وللنفاق بيوت، فبيت أبي بكر من بيوت الإيمان من المهاجرين، وبيت بني النجار من بيوت الإيمان من الأنصار.

 
المقال التالي
(2) الرصيد الخلقي للصديق في المجتمع الجاهلي