كيف نتوب - (2) الوعظ والتذكير
السبيل الأول للتوبة هو الوقوف مع النفس .. وقفة حقيقية .. مع الوعظ والتذكير .. وحضور مجالس العلم ..
أولا:
ألزم قلبك العزم على تأديب نفسك .. والمواظبة على توفيقها .. والإلحاح على معاتبتها .. والدوام على موعظتها وتذكيرها .. كرر على نفسك الخطر الذي هي عليه .. وانها لا بد من المصير الى مولاها .. وأنها ستموت حتما .. وقد يكون الآن ..
تعود لمخاطبة نفسك ما بينك وبينها .. ذكرها .. ناد عليها .. خاطبها .. ناجها .. ازجرها .. انهها ..
قل لها: يا نفس توبي قبل أن تموتي .. فإن الموت ياتي فجأة .. ذكرها بالأصحاب مات فلان وفلان .. مات رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وهو من هو بأبي هو وأمي ونفسي .. فهل لك بعد ذلك من نجاة .. ؟!
يا نفس سترين كل أعمالك يوم القيامة حاضرة: {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تودّ لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا، ويحذّركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد} [آل عمران:30] {إنّا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر ياليتني كنت ترابا} [النبأ: 40] {ووجدوا ما عملوا حاضرا} [الكهف:49]
يا نفس صبر ساعة .. ولا عذاب الأبد .. يا نفس هبّي الى الجد .. فإن قالت لك: في آخر العمر أتوب ـ وكثير من الشباب يقول: دعنا نستمتع بالشباب حتى إذا بلغنا المشيب تبنا كما تبتم ـ ولكن ـ اخي ـ ما يدريك أنك ستعيش .. من يعلم متى تموت .. ألديك صك بان تبلغ سن المشيب .. ألديك وعد بانك ستعيش وتبلغ من العمر ما بلغ أبوك وجدك ..
وإني ساءلك فمشدد عليك .. هب أن الجد في آخر العمر نافع .. وأنه موصل الى الدرجات العلى من الجنة ... أليس قد يكون اليوم آخر عمرك .. فماذا أنت فاعل إذا مت الآن .. وماذا أنت فاعل بين يدي الله غدا ...
وإذا هداك الله من الآن وعمّرت كما عمّروا ألست تكون أفضل الجميع منزلة وقربا من النبي المصطفى .. ألا بد أن تصحب الشيطان حينا .. وما يدريك أنك ستستطيع التخلص من حبائله إذا بلغت من العمر أرذله ..
ناج نفسك وقل لها: لم لا تشتغلين أيتها النفس بالإصلاح .. من ذا الذي أغراك بالإهمال إلا عدوك وعدوي .. يبغي ان كبنا على وجوهنا في النار .. وما يمنعك من الكبادة يا نفس .. ما باعثك على التسويف وحجتك في التأجيل .. أو ليس هذا إلا بسبب عجزك عن مخالفة شهواتك .. لما تظنين في المخالفة من التعب والمشقة ..
خوّف نفسك فقل لها .. يا نفس .. هل تنتظرين يوما يأتيك تستطيعين فيه مخالفة الشهوات .. ؟! أومعقول هذا .. ؟! أن يأتي يوم فيجدك وقد عفت الشهوات .. يجدك قادرة على مخالفة الشهوات .. يا نفس ما تخدعين إلا نفسك ..
إنّ هذا يوم لا يخلقه الله قط ..
لا تكون الجنة قط إلا محفوفة بالمكاره .. ولا تكون النار إلا محفوفة بالشهوات .. ولن تكون المكاره قط سهلة ميسورة عليك .. ولن تزهدي أبدا في الملذات والشهوات .. وهذه أحوال نعرفها بعقولنا ونراها بأعيننا ونحكم على أصحابها.
قل لنفسك: يا أنفس أما تتأملين منذ كم يوم تعدين .. ؟! منذ كم تقولين غدا .. غدا .... وقد جاء الغد وصار يوما .. فكيف وجدته .. ؟!
كثير من الناس يدخن .. فإذا قلت له: تب .. قال: إن شاء الله .. في رمضان أصوم عن السجاير طوال النهار .. فيصبح الأمر سهلا .. وجاء رمضان ثم مضى .. ولك يكف ..
تجد الشاب ينظر الى الفتيات في الجامعة .. فإذ قلت له تب قال: إن شاء الله في الإجازة .. فتأتي الاجازات وتمر .. وهو لا يستطيع كف بصره عن النظر ..
نعم .. نجد الكثير من الناس يعيش منشغلا بجمع الحطام الفاني من الدنيا .. فإذا قلت له: تب .. قال: بعد أن أعمل لبناء مستقبلي .. فإذا انتهى من العمل لمستقبله قلت له: تب .. قال: وماذا عن مستقبل أولادي .. ؟! وبعدها يقول: انتظر قليلا .. ثم قليلا .. حتى يدخل القبر وبعده لم يتوب ..
إن الطغيان يورث طغيانا .. ومتابعة النفس تورث غضب الرحمن ..
ناج نفسك .. قل لها: يا نفس .. اما علمت .. أن الغد الذي جاء وصار يوما كان له حكم الأمس .. ألا فاعلمي أيتها النفس أن ما عجزت عنه اليوم .. فأنت عنه غدا أشد عجزا .. ومثاله يا نفس ـ لو أن رجلا أمر باقتلاع شجرة من أصولها وهو شاب راح يقتلعها فوجد العمل شاقا .. فقال لنفسه: لنسترح اليوم ثم نقطعها من الغد .. ثم الى الغد .. ثم الى العام القادم ..
فماذا يعمل العام القادم في الشجرة .. ؟! وماذا يعمل الزمن بقوته .. فبمرور الوقت تضعف قوته هو .. أما الشجرة .. فتزداد رسوخا وتشعبا في الأرض .. كذلك الشهوات .. فما لا تقدر عليه في الشباب لا تقدر عليه قط في المشيب .. فمن العناء رياضة الهرم .. ومن التعذيب تهذيب الذيب .. والقضيب الرطب يقبل الانحناء .. فإذا جفّ وطال عليه الزمان صعب عليه فعل ذلك ..
إذاً فالسبيل الأول للتوبة هو الوقوف مع النفس .. وقفة حقيقية .. مع الوعظ والتذكير .. وحضور مجالس العلم ..
محمد حسين يعقوب
داعية إسلامي مصري، حاصل على إجازتين في الكتب الستة وله العديد من المؤلفات
- التصنيف:
- المصدر: