وقفات من آيات الحج في سورة البقرة.. المجموعة الثانية( ٢ )
• الأولى: قوله تعالى:( { وأتموا الحج والعمرة لله} ): فيه دليل على وجوب الحج والعمرة، لا سيما بعد الشروع فيهما ، فلا يجوز الخروج منهما بعد الدخول، وفِي ذلك تعظيم لشأنهما ، وخطورة التلاعب بالعبادات .
• الحج ركن عجيب، وعبادة مدهشة، بما تحويه من دروس وغايات ، وحتى وإن قلت آيات الحج ووصفه ودقته، إلا أنها حوت مقاصد الحج الكبرى، وأشارت إلى بعض أسسه وسننه، وتأملها باب للتفقه والتدبر، ( {ليدبروا آياته } ) سورة ص. فهلموا نقطف من أفنانها، ونصيب من فنونها: فهلموا للروض الجميل وطيبهِ**في الحج والأعمال والأنساكِ...!
• الأولى: قوله تعالى:( { وأتموا الحج والعمرة لله} ): فيه دليل على وجوب الحج والعمرة، لا سيما بعد الشروع فيهما ، فلا يجوز الخروج منهما بعد الدخول، وفِي ذلك تعظيم لشأنهما ، وخطورة التلاعب بالعبادات .
• الثانية :( {فإن أُحصرتم فما استيسر من الهدي} ): أفاد الإمام ابن كثير وغيره: أن الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي سَنَةِ سِتٍّ(٦)هـ، أيْ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، حِينَ حَالَ الْمُشْرِكُونَ بَيْنَ رسُول اللَّهِ ﷺ وَبَيْنَ الْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ سورةَ الْفَتْحِ بِكَمَالِهَا، وَأَنْزَلَ لَهُمْ رُخْصَةً: أَنْ يَذْبَحُوا مَا مَعَهُمْ مِنَ الْهَدْيِ وَكَانَ سَبْعِينَ بَدَنَةً، وَأَنْ يَتَحَللوا من إِحْرَامِهِمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَهُمْ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَنْ يَحْلِقُوا رُؤُوسَهُمْ وَيَتَحَلَّلُوا. فَلَمْ يَفْعَلُوا انْتِظَارًا لِلنَّسْخِ حَتَّى خَرَجَ فَحَلَقَ رَأْسَهُ، فَفَعَلَ النَّاسُ وَكَانَ منهم مَنْ قَصّر رَأْسَهُ وَلَمْ يَحْلِقْهُ، فَلِذَلِكَ قَالَ ﷺ: "رَحِم اللَّهُ المُحَلِّقين". قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ: "وَالْمُقَصِّرِينَ" وَقَدْ كَانُوا اشْتَرَكُوا فِي هَدْيِهِمْ ذَلِكَ، كُلُّ سَبْعَةٍ فِي بَدَنة، وَكَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ، وَكَانَ مَنْزِلُهُمْ بِالْحُدَيْبِيَةِ خَارِجَ الْحَرَمِ، وَقِيلَ: بَلْ كَانُوا عَلَى طَرف الْحَرَمِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ .
• الثالثة : والصحيح أن الإحصار يعم العدو والمرض والتعب، قال سفيان الثوري رحمه الله: الْإِحْصَارُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ آذَاهُ. وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ: « أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَخَل عَلَى ضُبَاعة بِنْتِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَأَنَا شَاكِيَةٌ. فَقَالَ: (حُجِّي وَاشْتَرِطِي : أنَّ مَحِلِّي حيثُ حبَسْتَني» )، فدل على أن من حصر واشترط لا يلحقه شيء.
• الرابعة : فمن أُحصر في حج أو عمره ، ذبح هديه إن كان معه هدي، ومن اشترط لا عليه شيء، والهدي مَهْمَا تَيَسَّرَ مِمَّا يُسَمَّى هَدْيًا، والهَدْي مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ .
• الخامسة : قوله( {ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلع الهديُ مَحِله} ) تبع لآية الإتمام، وهو من المحظورات المنهي عنها، وكذلك أن من ساق هديا أو كان متمتعا أوقارنا، فلا يتحلل حتى يذبح الهدي، قال في الحديث الصحيح: ( إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وقلَّدت هَدْيي، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ ).
• السادسة : ( {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } ): أي يخفف ذلك المحظور لمريض ونحوه كما في قصة كعب بن عُجرة رضي الله عنه فقال له عليه الصلاة والسلام : ( كأنَّك يُؤذيك هوامُّ رأسِك ، قال : أجل ، قال : احلِقْ رأسَك واهْدِ هديًا ، فقال : ما أجِدُ هديًا ، قال فأطعِمْ مساكينَ ، فقال : ما أجِدُ ، فقال صُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ ، قال فحلَقتُ وصُمتُ ). وهو بين الثلاثة الأشياء على المختار : صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، أو ذبح شاة، وتسمى عند الفقهاء( فدية الأذى ) وفِي معناه قلم الأظافر ، وتغطية الرأس لمن احتاج إلى ذلك، فعل وكفّر، والله المستعان .
• السابعة :( {فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} ): أي حصل لكم الأمن بزوال العارض، وتمتعتم في أشهر الحج فالواجب هدي على المتمتع وهو ( هدي شكران ) كما قال: فما استيسر من الهدي . وهو من واجبات الحج، ولا يسقط إلا بالفقر أو العذر .
وفيها دليل على فضل التمتع، لأنها المنصوصة في القرآن، والمتأسف عليها، والمنصوح بها الصحابة الكرام وفِي الحديث: ( «لو استقَبَلْتُ مِن أَمْري ما استَدْبَرْتُ، ما سُقْتُ الهَدْيَ، ولَحَلَلْتُ مع النَّاسِ حين حَلُّوا » ). ولأن المتَمَتِّعَ يجتَمِعُ له الحَجُّ والعُمْرَةُ في أشهُرِه، مع كمالِ أفْعَالها على وَجْهِ اليُسْرِ والسُّهولَةِ، مع زيادةٍ لنُسُكٍ هو الدَّمُ، فكان ذلك هو الأَوْلى، وهو مذهب الحنابلة واختاره العلامة ابن حزم ومن المعاصرين ابن باز وابن عثيمين رحم الله الحميع .
• الثامنة :( {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام } ..): بيان لحالة المتمتع الذي أحدثَ عمرة في موسم الحج، فوجب عليه نسك التمتع، ومن ثم يلزمه هدي، لكنه لم يجد مالاً، فتعين عليه الكفارة وهي صيام ثلاثة أيام في مكة، وسبعة إذا عاد إلى وطنه ( {وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة } ) وثمة تفصيلات فرعية فيها، مظانها كتب الفقه لمن شاء .
• التاسعة :( {تلك عشرة كاملة} ) وَقَالَ الْحَسَنُ: "كامِلَةٌ" فِي الثَّوَابِ كَمَنْ أَهْدَى. وَقِيلَ: "كامِلَةٌ" فِي الْبَدَلِ عَنِ الْهَدْيِ، يَعْنِي الْعَشَرَةَ كُلَّهَا بَدَلٌ عَنِ الْهَدْيِ. وَقِيلَ: كَامِلَةٌ فِي الثَّوَابِ كَمَنْ لَمْ يَتَمَتَّعْ.
• العاشرة : ( {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } ): أي دم المتعة على الصحيح وليس المتعة ذاتها، قال القرطبي المفسر رحمه الله: أَيْ إِنَّمَا يَجِبُ دَمُ التَّمَتُّعِ عَنِ الْغَرِيبِ الَّذِي لَيْسَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ .
• الحادية عشرة :( {حاضرو المسجد الحرام} )قيل أهل الحرم خاصة، والصحيح أن حاضري المسجد الحرام هم "أهل مكة" داخل الأميال وخارجها، كالتنعيم والشرائع، فمن كان من حاضري المسجد الحرم فإنه إذا تمتع بالعمرة إلى الحج فليس عليه هدي .
• الثانية عشرة :( {واتقوا الله واعلموا أن ..} )تذكير بزاد التقوى الحامل على حسن العمل، واتباع الهدي، والتباعد عن المعاصي، وعدم التلاعب بالشعائر، أو تعكيرها بالمعكرات . قال الشيخ صديق خان رحمه الله : أي فيما فرض عليكم في هذه الأحكام، وقيل هو أمر بالتقوى على العموم، وتحذير من شدة عقاب الله سبحانه ( {واعلموا أن الله} ) إظهار في موضع الإضمار لتربية المهابة في روع السامع (شديد العقاب) لمن خالف أمره وتهاون بحدوده وارتكب مناهيه، وهو من باب إضافة الصفة المشبهة إلى مرفوعها.
حمزة بن فايع الفتحي
رئيس قسم الشريعة بجامعة الملك خالد فرع تهامة، وخطيب جامع الفهد بمحايل عسير
- التصنيف: