أمة الإسلام أمة استقلال وإبداع
فقد جاء الإسلام ليكرس مفهوم الاستقلالية في حياة المسلم وليس معنى هذا المفهوم أنه لا رابط ولا قيود ولا مبادئ.
م. عبد اللطيف البريجاوي
(( {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير } )) _ [البقرة] _.
وقال عليه الصلاة والسلام : (( «لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه» )) .
أما كوننا أمة استقلال واستقلالية :
فقد جاء الإسلام ليكرس مفهوم الاستقلالية في حياة المسلم وليس معنى هذا المفهوم أنه لا رابط ولا قيود ولا مبادئ.
بل إن مفهوم الاستقلالية معناه تغيير وجهة الارتباط ، وتوجيهها في الاتجاه الصحيح والسليم، ونسف كل الارتباطات الأخرى والعلائق والشوائب.. وذلك ليكون المسلم مرتبطاً بالله وحده وباتجاه واحد هو اتجاه النبي صلى الله عليه وسلم وبمنهج واحد هو منهج القرآن الكريم ..
وسن الإسلام مفهوم الاستقلالية في كافة مجالات الحياة تأكيداً منه أن الأمة المستقلة أمة عزيزة منيعة ، لها مصادرها ولها مناهجها الخاصة ، وأن الامة التي لا تعي هذا المفهوم مصداقاً وتطبيقاً ، هي أمة ذليلة تعج فيها الأخطاء والتناقضات .
ثم إن الاستقلالية تولد الاستقرار والتطور لأنه انتقال أمر غير طبيعي إلى أمر طبيعي وفطري إذ أن الإسلام هو دين الفطرة ..
فمن تكريس الإسلام للاستقلالية ، وخاصة استقلالية الشخصية الإسلامية ..أنه جعل ارتباط المسلمين بالله وحده . (( {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين} )) _ [آل عمران] _.
ومن تكريس الإسلام لمفهوم الاستقلالية : تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة ليعطي الإسلام استقلاليته الخاصة به .
فقد كان اليهود يقولون انظروا إلى محمد إنه يصلي إلى قبلتنا – بيت المقدس – ويدين بغير ديننا ..
ومن تشوقه عليه السلام لهذه الاستقلالية ، كان يجعل نظره في السماء ، وكانت نظرته فيها تتوق إلى استقلالية لهذه الأمة ، في القبلة .
وكان الرد الإلهي لهذا التشوق تأكيداً ، فنزل قوله تعالى : (( {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام} ..)) _ [البقرة] _
وتأكيداً من النبي عليه السلام لمفهوم الاستقلالية ، كان يجيل نظره في كل ما حوله ، فيأمر بإزالة وتغيير كل شيء يذيب الشخصية الإسلامية أو يشوهها ، حتى تعدى الأمر إلى أمور الطعام والشراب فأمر بأن يتكلم المسلم على طعامه مخالفة لليهود الذين كانوا لا يتكلمون بحضور الطعام .*
وهناك أمثلة كثيرة ، في تكريس الإسلام لهذه الفكرة الهامة . لكن حتى الآن لم يعِ كثير من المسلمين حرص النبي عليه الصلاة والسلام أن نكون أمة مستقلة ، أمة نُتبع ولا نتبِع ، فترى كثيراً من المسلمين اليوم يعيشون مفردات حياتهم على طريقة شرقية أو غربية ، و يتركون عزة الإسلام وعزة القيادة العالمية ..
وعندما يفهم المسلمون فكرة الاستقلالية فهماً دقيقاً وعميقاً ، فسينبثق في حياتهم منهج العزة والكرامة ..
وأما كوننا أمة إبداع :
فليس معنى هذا أن ننسف الماضي بكل تراثه وثقافته ، ونتطلع إلى المستقبل ، وإنما هو مفهوم مأخوذ من مفهوم التجديد الذي عناه النبي عليه الصلاة والسلام بقوله (( «إن الله يبعث على رأس كل مائة عام من يجدد لهذا الأمة » ))
ومعنى التجديد للدين : هو تنقيته من الشوائب التي علقت به خلال دورة الحياة ، وإعادته صافياً كما كان .. وإقرار كل جديد يتلاءم مع أصول الدين ، واستنطاق الفكر في آيات القرآن ومشاهد السيرة لاستنباط المزيد من مكنوناتها وجواهرها التي لم تنكشف بعد .
وحتى لا يصبح مفهوم التجديد والإبداع مفهوماً ، يتسلل من خلاله المتسللون ، فيعبثوا بأمور الدين كان لا بد من أن يكون هنالك شروط لهذا التجديد .. وهما شرطان : يقول د. العكام إن التجديد المراد اليوم يتضمن بالضرورة تحقيق نسبتين :
1. تحقيق الانتساب الصادق للإسلام .
2. تحقيق الانتساب إلى العصر والتناسب معه .
ومن المهم أن نشير إلى أمر في غاية الدقة ، وهو أن الإبداع شيء والابتداع شيء آخر..
فالإبداع هو تنشيط وتفعيل الذاكرة لاستنطاق الآيات والأحاديث والظواهر الإسلامية ..
وأما الابتداع فهو مأخوذ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (( « من أحدث في ديننا ما ليس منه فهو رد» ))
وهو بمعنى آخر إحداث شيء في الإسلام ليس منه ، ولا يشهد له أصل من أصوله ..
وقد اختلط المفهومان – الإبداع والابتداع – عند كثير من المسلمين ، فرموا كل إبداع بتهمة البدعة .. وجعل كل بدعة إبداعاً ، فاختل العمل بميزان الحديثين السابقين ونشأ عن ذلك جمود وتحجر ما زلنا نعيش مفرداته في عصرنا هذا .
عبد اللطيف البريجاوي
المهندس عبد اللطيف محمد سعد الله البريجاوي. <br /> <br /> - ولد في مدينة حمص - سورية عام 1971م.<br /> - حاز على شهادة الإجازة في الهندسة الزراعية من جامعة حلب عام 1995م. <br /> - عمل خطيبا ومدرسا في مساجد
- التصنيف:
- المصدر: