لماذا تقي سورة الكهف من الفتن؟
فالسورة سلسلة ذهبية من الدروس الربانية في مقاومة فتنة الدين بالإيواء إلى الكهف والصحبة الصالحة، ومقاومة فتنة المال بالشكر، ومقاومة فتنة العلم بفهم حقيقته، ومقاومة فتنة القوة بالتواضع.
كتب الأستاذ/هاني مراد
يمثل "الكهف" - كاسم للسورة - رمزية لكيفية العصمة من الفتنة في ذروة واقع الابتلاء. فالفتنة ليست ابتلاء عاديا، لكنها تجسد ذروة الابتلاء، مثلما يُفتن الذهب حتى ينصهر، ليصفو من الشوائب. فالفتنة تستلزم فرض واقع عملي يتمثل في "الكهف" لمقاومة الواقع العملي الذي تفرضه الفتنة وسطوتها.
ويبرز الحوار والجدال كأوقع مجال للسورة وإيقاعها، ويتكرر في مشاهدها وحلقاتها: بين أصحاب الكهف، وبين الرجلين، وبين موسى والخضر، وبين موسى وفتاه، وبين ذي القرنين والقوم.
ويلحظ المتتبع للسياق، أن السورة تعالج عددا من الفتن في مدى طبيعتها ومواجهتها:
ففي فتنة الدين، يأوي الفتية بدينهم إلى الكهف، فرارا من فتنة قومهم. وتوحي كلمة "أوى" بالألفة بينهم وبين الكهف. فهو مأواهم وملاذهم الذي هيأه الله لهم. فالفتنة لا تواجَه باستشرافها والتعرّض لها، بل بمجانبتها والفرار منها.
وينبهنا السياق إلى فتنة المال، وأنها قد تصل بالإنسان إلى إنكار نعم الله والكفر به. وتتضح المفارقة في قصة الرجلين، وتفترق بهما السبيل؛ فيكون أحدهما شاكرا حامدا، والآخر كافرا جاحدا!
وتظهر فتنة العلم عندما يبين (الخضر) وهو الرجل الذي علّم نبي الله موسى حقيقة العلم، وأنه ليس مجرد المعرفة الظاهرة النظرية، بل هو في حقيقته اتصال بالله، والعمل وفق أمره ونهيه، ولو خالف ذلك عادات الناس وتقاليدهم.
وتبرز السورة أصل الفتنة وعمقها التاريخي ونقطة انطلاق مسارها الزمني؛ فتورد قصة إبليس وغروره وفتنته عن أمر ربه! وهي فتنة تشبه فتنة السلطة التي تعرض لها ذو القرنين عند بناء السد. وتظهر المفارقة بين موقف إبليس وموقف ذي القرنين. فمع أن إبليس لم يؤت سلطة ولم يحقق إنجازا، إلا أنه فتن بغروره. أما ذو القرنين، فمع السلطة والإنجاز، كان أول ما قاله: "هذا رحمة من ربي."
فالسورة سلسلة ذهبية من الدروس الربانية في مقاومة فتنة الدين بالإيواء إلى الكهف والصحبة الصالحة، ومقاومة فتنة المال بالشكر، ومقاومة فتنة العلم بفهم حقيقته، ومقاومة فتنة القوة بالتواضع.
- التصنيف: