عقيدة جورج دبليو بوش
منذ 2004-05-07
عرض/ علاء بيومي
يتناول كتاب "عقيدة جورج دبليو بوش" للكاتب الأميركي ستيفن مانسفيلد السيرة الذاتية للرئيس الأميركي الحالي جورج دبليو بوش، خاصة في ما يتعلق بدور الدين في التأثير على شخصيته ومسيرته السياسية، والآمال التي يعقدها عليه اليمين الأميركي المتدين خاصة في فترة ما بعد أحداث سبتمبر/ أيلول 2001.
الجذور الدينية لجورج دبليو بوش
يبدأ الكتاب بمحاولة للبحث عن جذور التدين في عائلة الرئيس الحالي، ويشير المؤلف إلى أن بوش الأب مر بتجربة دينية هامة خلال مشاركته في الحرب العالمية الثانية عندما أسقطت طائرته وهو في مهمة ضد اليابان وأنقذته غواصات أميركية بمعجزة، كما أن بوش الأب صديق للداعية الأميركي المعروف جيري فالويل الذي يعد أحد أشهر قادة اليمين الأميركي المتدين.
-اسم الكتاب: عقيدة جورج دبليو بوش
-المؤلف: ستيفن مانسفيلد
-عدد الصفحات: 200
-الطبعة: الأولى 2004
-الناشر: جا. بي. تارشر, أميركا
ولكن بوش الأب حافظ دائما على ثقافة سياسية صارمة تنظر إلى الدين على أنه أمر "شخصي" لا يجب مناقشته في الحياة العامة، ما وضع حاجزا بينه وبين قوى اليمين الأميركي المتصاعدة سياسيا، التي مالت بعيدا عن بوش الأب خلال حملته للفوز بفترة رئاسة ثانية عام 1992 في مواجهة مرشح الحزب الديمقراطي بيل كلينتون "سريع الدموع" ومرشح اليمين الأميركي بات ربرتسون، وهو داعية معروف ومؤسس منظمة التحالف المسيحي.
وحدث مرة أن سأل صحفيون بوش الأب عما كان يفكر فيه حين أسقطت طائرته خلال الحرب العالمية الثانية فقال "أبي وأمي، وبلدنا، والله .. وعن الفصل بين الدين والدولة"، وهي إجابة لم ترض بالطبع المتدينين الأميركيين.
ثقافة النفط ورعاة البقر
هاجر بوش الأب في بداية حياته إلى ولاية تكساس لبناء حياة مستقلة بعيدا عن والده السيناتور ورجل الأعمال الثري بنيويورك، ورزق بوش الأب بجورج دبليو عام 1946 أي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بعام واحد.
وتأثر جورج دبليو كثيرا بفترة تربيته الأولى في مدينة ميدلاند بولاية تكساس التي امتزجت فيها صناعة البترول بثقافة رعاة البقر، إذ مرت ميدلاند خلال فترة نشأة جورج دبليو بتحول كبير من مدينة رعاة بقر إلى مدينة بترول تدفق عليها آلاف العمال والمهاجرين للاستفادة من صناعة البترول الجديدة.
ولذا تميزت الحياة بميدلاند بكونها حياة صعبة يملؤها العمال وصراعات الشوارع، وبها اختلاط اجتماعي كبير، وأفضل ما يمثلها -كما يقول المؤلف- هو صورة راعي بقر يرتدي بذة عمل رسمية معها قبعة وحذاء راعي بقر ويركب سيارة لموزين فارهة.
كما شارك بوش الأب في بعض لجان الكنيسة المحلية وقامت باربرا بوش بتقديم أطعمة للكنيسة وبتعليم الأطفال في مدرسة الأحد التي حضرها جورج دبليو بشكل منتظم.
سنوات الضياع
" فشل جورج دبليو في التأهل لأفضل مدارس هيوستن، ودخل خلال مراهقته مرحلة تجارب ثقافية وأخلاقية تواكبت مع فترة الستينيات التي شهدت ثورة ثقافية وأخلاقية عمت المجتمع الأميركي "
بعد ثراء بوش الأب انتقل إلى مدينة كبيرة بولاية تكساس وهي هيوستن، ومع الانتقال بدأت متاعب جورج دبليو الذي ارتبط دائما بميدلاند.
إذ سرعان ما فشل جورج دبليو في التأهل لأفضل مدارس هيوستن، وبدأ في رفض النظم التعليمية الصارمة، كما واجه صعوبة الخروج من عباءة والده الناجح وذائع الصيت، ودخل خلال مراهقته مرحلة تجارب ثقافية وأخلاقية مستمرة تواكبت مع فترة الستينيات التي شهدت ثورة ثقافية وأخلاقية عمت المجتمع الأميركي.
فشل جورج دبليو في الالتحاق بإحدى جامعات تكساس لدراسة القانون وبدأ في حياة مضطربة. وبعد ذلك ترك جورج دبليو منزل الأسرة لدراسة المال والأعمال بجامعة هارفارد، وخلال تلك الفترة صدرت دراسات تؤكد أن أعلى الوظائف أجرا هي في مجال البترول فعاد جورج دبليو إلى تكساس بعد التخرج.
وفي العام 1977 تعرف جورج دبليو على لورا وتزوجها، ووضع أصدقاء بوش ومعارفه آمالا عريضة على لورا -التي كانت تعمل كمكتبية- لتنظيم حياة جورج دبليو الذي كانت تعرف شقته بأنها "ملقى النفايات السامة"، إشارة إلى ما يحتسى فيها من خمور وغير ذلك.
وفي سن الحادية والثلاثين قرر جورج دبليو ترشيح نفسه للكونغرس ضد الديمقراطي كينت هانس الذي صور جورج دبليو - خلال سباق الانتخابات- على أنه شخص غير أخلاقي وغير متدين، خاصة بعد أن نشر أصدقاء جورج دبليو إعلانا يدعو لحضور مظاهرة مساندة له توزع فيها بيرة مجانية.
وخسر جورج دبليو الانتخابات، ولكنه "لم ينس الدرس" كما يقول المؤلف.
وعاد إلى مجال النفط وظل يحفر آبارا خاوية حتى وصل سن الأربعين تقريبا وهو في عداد الفاشلين، ثم بدأ تحول كبير يطرأ على حياته.
ولادة دبليو بوش من جديد وسنوات التحول
يقول ستيفن مانسفيلد إن التغير في شخصية بوش بدأ خلال اجتماع عقد عام 1984 في إحدى كنائس ميدلاند مع القس أرثر بليسيت الذي كان يجوب العالم حاملا الصليب للدعوة إلى المسيحية.
وحضر الآلاف من أهالي ميدلاند محاضرة بليسيت، وبعد المحاضرة طلب جورج دبليو لقاء بليسيت. وخلال اللقاء وضح لجورج دبليو أنه غير متأكد من موقفه من المسيحية، ولكنه مع نهاية اللقاء شعر بالرغبة في التوبة وطلب من بليسيت الدعاء له.
وسرعان ما بدأ جورج دبليو في قراءة الإنجيل والصلاة يوميا، وفي المشاركة بحلقة لدراسة الإنجيل مع بعض أصدقائه توقف عن شرب الخمور، وبدأ الجميع يرون تحولا في حياة بوش على نحو أكثر جدية.
في تلك الفترة كان جورج دبليو مازال يعمل في مجال استكشاف النفط، واحتلت شركته أربوستو عام 1983 المرتبة رقم 993 بين شركات إنتاج النفط بولاية تكساس.
وعام 1984 اتحدت أربوستو مع شركة أخرى هي سبكتروم 7، ولكن الشركة الجديدة لم تسر بشكل جيد، وعام 1986 اشترت شركة هاركين أنرجي شركة سبكتروم 7 وأعطت جورج دبليو راتبا قدره 120 ألف دولار سنويا، وأسهم بمقدار نصف مليون دولار، الأمر الذي دفع البعض إلى القول إن هاركين أنرجي سعت لتوظيف بوش من أجل اسمه لكونه أحد أبناء نائب الرئيس.
" بعدما سمع جورج دبليو قصة موسى ودعوة الله له لقيادة الناس اتصل بالقس روبيسون الذي ألقى الموعظة وقال له "لقد سمعت الدعوة وأعتقد أن الله يريدني أن أرشح نفسي للرئاسة" "
وعام 1988 انتقل جورج دبليو إلى واشنطن لمساعدة والده في حملته الرئاسية، وهناك اكتسب خبرة واسعة، وساعد أباه في التواصل مع الجماعات المسيحية المتدينة لكونه أحد أعضائها، وذلك خلال فترة شهدت صراعا سياسيا كبيرا على اجتذاب أصوات اليمين الأميركي المتدين الصاعدة سياسيا.
وبعد فوز بوش الأب بفترة رئاسته الأولى عاد جورج دبليو إلى تكساس وقام بشراء وإدارة أعمال فريق بيسبول محلي معروف. وعام 1993 قرر جورج دبليو ومساعده كارل روف خوض انتخابات حاكم ولاية تكساس، وهو قرار عارضه فيه الجميع خوفا من وقوع انتكاسة إضافية للأسرة بعد خسارة بوش الأب أمام بيل كلينتون عام 1992، ولكن جورج دبليو أصر على خوض الانتخابات التي فاز فيها.
ويقول المؤلف إن الدين لعب دورا كبيرا في تمييز حملة جورج دبليو عن منافسته الديمقراطية آن ريتشاردز التي حاولت تصوير جورج دبليو على أنه شاب سليل عائلة ثرية ومستهتر، ما دفع جورج دبليو إلى إضفاء طابع ديني قوي على حملته في مواجهة انتقادات منافسته الديمقراطية.
الله دعاني لترشيح نفسي رئيسا لأميركا
يقول ستيفن مانسفيلد إن فكرة ترشيح جورج دبليو نفسه للرئاسة جاءته أول مرة خلال حضوره صلاة بإحدى كنائس تكساس، وكان القس مارك كرايج يتحدث في تلك الصلاة عن قصة موسى (عليه السلام) ويقول إن موسى "تردد بعض الشيء في قبول دعوة الله له لقيادة الناس"، في حين أن الناس في أشد الاشتياق لقيادة تمتلك رؤية وشجاعة أخلاقية.
خلال الصلاة شعر جورج دبليو بأن الدعوة كانت موجهة إليه، وذلك قبل أن تلتفت إليه أمه الجالسة بجواره وتقول له إن القس "كان يتحدث لك"، وبعد فترة قصيرة اتصل جورج دبليو بالقس جيمس روبيسون وقال له "لقد سمعت الدعوة، أعتقد أن الله يريدني أن أرشح نفسي للرئاسة".
كما أشار ستيفن مانسفيلد إلى أن التدين في إدارة جورج دبليو لم يقتصر عليه، فكونداليزا رايس رئيسة مجلس الأمن القومي -على سبيل المثال- هي ابنة قس، وجون أشكروفت وزير العدل هو عضو نشط بجماعة دينية معروفة، وإندرو كارد كبير موظفي البيت الأبيض متزوج من سيدة دين، ووزير التجارة دون إيفانز كان زميل بوش في حلقة لدراسة الإنجيل بتكساس.
كما تحرص إدارة جورج دبليو على الصلاة يوميا بالبيت الأبيض، ويحرص جورج دبليو نفسه على قراءة الإنجيل وتدارسه كل يوم، وعلى عدم ترك الصلاة حتى وهو مسافر على متن طائرته الخاصة.
كما تميزت سياسته بطابع ديني واضح سواء في مجال التعبير عن عقائده الدينية بشكل علني، أو في ما يتعلق بوضع قوانين تسمح للجماعات الخيرية الدينية بالتنافس على المنح الحكومية المقدمة في مجالات عملها.
11 سبتمبر وموقف جورج دبليو من الإسلام
يقول ستيفن مانسفيلد إن عبارات جورج دبليو عن الإسلام، خاصة في ما يتعلق بوصفه للإسلام على أنه "دين سلام" - خلال زيارة جورج دبليو للمركز الإسلامي بواشنطن في 17 سبتمبر/ أيلول 2001 - أثارت عاصفة من النقد في أوساط اليمين المتدين إلى حد قول أحد رجال الدين "يمكننا أن نتحمل 11/9 ولكن لا يمكننا أن نتحمل 17/9". كما انتقد اليمين المتدين موقف جورج دبليو من المسلمين الأميركيين بعد أن مدحهم والتقى قادتهم.
كما وقف قادة اليمين المتدين موقفا أكثر تشددا تجاه الإسلام والمسلمين بعد أحداث سبتمبر/ أيلول عبر عنه فرانكلين جرام -الذي ألقى دعاء افتتاح حفل تنصيب جورج دبليو وهو أيضا ابن القس بيلي جرام-، وذلك خلال مقابلة أجرتها معه قناة NBC الأميركية في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2001 إذ قال "لا أعتقد أن هذا (الإسلام) دين رائع ومسالم.. عندما تقرأ القرآن فإنه يدعو لقتل الكفار وغير المسلمين.. من قاموا بالطيران في أبنية ليسوا طائفة مسيحية (ما). الهجوم كان على بلدنا من قبل أعضاء بالديانة الإسلامية".
مخاوف وآمال اليمين الأميركي المتدين
في الخاتمة يرى ستيفن مانسفيلد أن اليمين الأميركي المتدين يواجه ثلاثة تحديات أساسية في الفترة الراهنة، وهي:
أولا: تحدي تقديم حلول أخلاقية لأكبر عدد من مشاكل المجتمع والسياسة بأميركا.
ثانيا: مواجهة أثر التغير السكاني بفعل الهجرات وتأثيره على خريطة الأديان في أميركا.
ثالثا: مواجهة التحدي العقائدي الخارجي الذي مثلته القاعدة بعد أحداث سبتمبر/ أيلول 2001.
ويرى مانسفيلد أن الآباء المؤسسين لأميركا كانوا متدينين لم ينادوا بالفصل الراهن بين السياسة والدين في الولايات المتحدة، إذ قدم بعضهم دعما حكوميا للحملات التبشيرية وسط الهنود الحمر، وقاموا بطبع الإنجيل على نفقة الدولة، كما استخدمت المباني الحكومية كنائس يوم الأحد.
ولكن بعد قرن واحد من تأسيس أميركا بدأ يحدث تغيير واسع في اتجاه معاكس لسببين، أولهما موجات الهجرة بعد الحرب الأهلية الأميركية التي أتت بجماعات دينية متعددة، وثانيهما قرارات المحكمة العليا الأميركية التي سعت لحماية العبيد المحررين من خلال تطبيق قوانين فصل الدين عن الدولة على مستوى الولايات الأميركية المختلفة.
ومع تغير القوانين تغيرت الثقافة السياسية الأميركية، وحرص رجال السياسة على فصل معتقداتهم عن حياتهم العامة والعملية فور وصولهم إلى الحكم.
وفي العقود الأخيرة ومنذ ولاية جيمي كارتر للحكم على وجه التحديد -الذي كان متدينا وحريصا على التدريس بالكنيسة خلال فترة رئاسته- بدأ يحدث تحول في اتجاه ضخ التدين في الحياة السياسية الأميركية، وتبع كارتر رونالد ريغان وبيل كلينتون إلى حد ما خاصة مع صعود قوى اليمين الأميركي المتدين سياسيا.
ومع مجيء جورج دبليو بوش إلى الحكم في أوائل العام 2001 عقد اليمين المتدين آمالا واسعة عليه زادت بعد أحداث سبتمبر/ أيلول 2001.
المصدر: www.aljazeera.net
- التصنيف: