الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - (6) كيفية التصرف في الأراضي المفتوحة

منذ 2019-09-18

عقب فتح العراق والشام كتب كل من: سعد بن أبي وقاص، وأبي عبيدة ابن الجراح يخبران عمر أن الجند يريدون تقسيم مغانمھم. وما أفاء الله به عليھم.

عقب فتح العراق والشام كتب كل من: سعد بن أبي وقاص، وأبي عبيدة ابن الجراح يخبران عمر أن الجند يريدون تقسيم مغانمھم. وما أفاء الله به عليھم.

وعلى رأس المغانم المدن وأھلھا، والاراضي وما فيھا من شجر وزرع، كما قسم الرسول أرض خيبر، لكن عمر كان له رأي خاص في الاراضي وسكانھا بالذات، فرأى ألا يُسترق ھؤلاء، فھم كثيرون يقدرون بالآلاف بل بالملايين، فرأى الاكتفاء بعرض الاسلام أو الجزية عليھم،

أما الارض، فرأى أن من مصلحة المسلمين ألا تقسم، بل الاولى أن تبقى في أيدي المزارعين يزرعونھا ويفرض عليھم الخراج، الذي تستفيد منه الدولة الاسلامية في دفع العطاء والمرتبات، والانفاق على مصالح المسلمين، وتسيير الجيوش، وحشد الحصون والثغور بالسلاح والمقاتلين.

وكان عمر يخشى إن قسمت ھذه الاراضي الشاسعة، وما حولھا من أنھار أن يركن المسلمون للراحة، ويخلدوا إلى نعيم
الدنيا، ويدعوا الجھاد، وكذلك خشى أن يتنازعوا فيما بينھم فيقع الشقاق والخلاف. وقد اقتنع عدد من الصحابة برأي عمر، مثل: علي، وعثمان، وطلحة، ومعاذ، وعارضه بلال، وابن عوف، والزبير. وقد حاول إقناعھم بأن ھذه الاراضي لو قسمت لم يبق لمن يأتي بعدنا شيء وسيجدونھا امتلكت وورثت، وحيزت للسابقين، فمن يكون لذرية الجند وزوجاتھم والارامل واليتامى من بعد؟!

لكن الاخرون اعترضوا وقالوا: أفاء الله علينا ھذه الاراضي بسيوفنا، فيكف نحرص على إعطائھا لمن بعدنا ممن لم يحضروا ولم يشھدوا، نعطيھا لابنائھم وأحفادھم؟! فاحتكم الفريقان إلى عشرة من الانصار (مناصفة بينالاوس والخزرج).

وقام عمر بعرض الامر عليھم؛ ليشيروا برأيھم، ويشاركوه أمانته ومسئوليته، فعلى الارض الخراج وعلى الرجال الجزية، ويظل دخل الارض فيئاً للمسلمين ولمن بعدھم.

واستدل عمر رضى الله عنه استدلالا ذكيا دقيقا بآيات القرآن في سورة الحشر: {مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } وضح عمر أن ھذه الاية عامة.

ثم ت لاقوله تعالى: { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}،  وھذه خاصة بالمھاجرين ثم قال: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}  خاصة بالانصار، ثم قال: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} وھذه آية خاصة بمن يجيء بعد ذلك.

ومقتضى ھذا الفھم أن لھؤلاء جميعا حقا في الفيء، فكيف يأخذه بعضھم ويحرم منه اخرون؟! فوافق الانصار على
رأيه، وقالوا: نعم ما رأيت، وما قلت.


المصدر: كتاب الخلفاء الراشدين

تأليف:  عبد الفتاح فتحي 

المقال السابق
(4) منهج عمر في مراقبة ومحاسبة الولاة
المقال التالي
(3) المهمات المسندة إلى الولاة