شرح صحيح البخاري - (21) حسن خاتمة أهل العلم
لا يخيب الله عز وجل سعي من سعى إليه، وأنفق حياته على دينه، هل تظن أن لا إله إلا الله تقال بسهولة؟! هي عند الموت أثقل من الجبال، يقولون له: قل لا إله إلا الله.
مثل ما نقل الخطيب البغدادي وابن البناء وغيرهما، نقلوا عن أبي زرعة الرازي عبيد الله بن عبد الكريم رحمه الله، هذا إمام حبيب إلى القلب، لما تقرأ سيرته تحس أن فيه غبطة وحلماً، فهو شبيه بالإمام أحمد.
يذكر أن محمد بن مسلم بن وارة، وأبو حاتم الرازي دخلا على أبي زرعة وهو في النزع -أي: في الموت- فـ محمد بن مسلم يقول لـ أبي حاتم: دعنا ندخل نلقنه الشهادة، فقال أبو حاتم: إني لأستحيي من الله أن ألقن أبا زرعة ذلك.
فهو رجل سخر حياته كلها لنصرة هذا الدين ونصرة السنة، يرحل في الفيافي، يحمله ليلاً ويحطه نهاراً، يفترش الغبراء، ويلتحف السماء، وكم تحمل الجوع والعطش والتعب من أجل الحصول على العلم؟! فهذا الرجل أنفق حياته كلها لهذا الدين فأستحيي أن ألقنه.
قال له: حسن دعنا نفكر في فكرة نلقنه بها الشهادتين.
قال له: نعم.
قال له: تقعد عنده وتذكره بحديث: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) ونأتي بالطرق، وحدثني فلان عن فلان، وعلان عن علان، فأول ما نذكره بهذا لعله يقول: لا إله إلا الله.
فنكون نحن بهذا قمنا بحق الصحبة.
فلابد من النظر في المسألة هذه، أخوك لما يطلب معك العلم له حق عليك كبير: حق الصحبة، وتتمنى له أنه يخرج من الدنيا على التوحيد، فهما لكي يقوما بحق الصحبة لابد أن يلقناه الشهادة، فكانا يريان هذا مستحيلاً لماذا؟ لجلالة أبي زرعة.
المهم دخلا عليه فقام محمد بن مسلم وقال: حدثني فلان عن فلان عن فلان عن.
ونسي الحديث.
فقال أبو حاتم: وحدثني فلان عن فلان و.
وألبس عليه أيضاً، لم يستطع أن يكمله، قال أبو زرعة -وأشار-: أقيموني.
وكان عندهم هذا من الأدب عند الحديث، لم يكن ليقل الحديث وهو نائم، وقد أخذوا هذا الأدب من النصوص، فكلما كانوا يتعلمون شيئاً يعملون به، والنبي صلى الله عليه وسلم عندما دخل على عبادة وهو مريض، قال: «ما تعدون الشهيد فيكم» قالوا: يا رسول الله! الشهيد من مات في سبيل الله) .
قال عبادة: وكنت مريضاً فقلت: أقيموني.
فأقاموني فقلت: الشهيد من مات في سبيل الله.
ثم نام.
هذا الفعل من الأدب فهو لا يتحدث بشيء من العلم وهو نائم، لا، وإنما يقوم أولاً ثم يتحدث وبعد ذلك ينام.
فـ أبو زرعة أشار -أن: أقيموني- فأقاموه فقال: حدثنا فلان عن فلان عن فلان.
وأتى بالسند بأكمله، عن معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان أخر كلامه لا إله إلا الله ...» وخرجت روحه مع الهاء، القصة وردت بسند صحيح، يرحم الله أبا رزعة.
لا يخيب الله عز وجل سعي من سعى إليه، وأنفق حياته على دينه، هل تظن أن لا إله إلا الله تقال بسهولة؟! هي عند الموت أثقل من الجبال، يقولون له: قل لا إله إلا الله.
لكن صار أصماً، ما سمعها، ما عبَّد نفسه لله، وما عمل بها في حياته، فكيف يقولها؟! يا إخوة: العمل يخف مع طول الممارسة.
مثلاً: عامل العمارة الذي يحمل قطعة الطوب على كتفه ويصعد إلى الدور العاشر، فأنت ربما كنت أقوى منه وأصلب منه، طيب احمل هذه الطوبة واصعد بها إلى الدور الخامس، لا تستطيع، فما هو الذي جعل هذا قادراً على الصعود، هل هو من أول شهر أو أول أسبوع كان هكذا؟ لا، لم يصل إلى هذا الجلد إلا بعد سنين من العمل.
فالمسائل مع طول الممارسة تسهل عليك، فأنت عندما تمارس لا إله إلا الله في حياتك فإنك تنجو بها، وكل شيء في حياتك تتمثل فيه حكم الله، حتى يصير ملكةً عندك، ممارستك للا إله إلا الله في حياتك؛ يسهل عليك أن تقولها إذا مت، أما أن تنحي لا إله إلا الله جانباً ثم تريد أن تنطق بها: {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:81] .
فـ أبو زرعة رحمه الله كما قالت الروايات: إن روحه خرجت مع آخر كلمة قالها: (لا إله إلا الله) وهو يقول: (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) فخرجت روحه.
أبو إسحاق الحويني
أحد الدعاة المتميزين ومن علماء الحديث وقد طلب العلم على الشيخ الألباني رحمه الله
- التصنيف:
- المصدر: