من أخبار التائبات

منذ 2019-09-23

كان الدين هامشياً في حياتي، مع أنني كنت أحس أن الإسلام شيء عظيم، ولكني كنت تائهة....

تقول إحداهن: كان الدين هامشياً في حياتي، مع أنني كنت أحس أن الإسلام شيء عظيم، ولكني كنت تائهة، كنت أصلي الصبح فقط، وبقيت الوقت كنت مشغولة بأعمالي في الوسط الفني، كنت أشعر بالملل والضيق من سهرات الوسط الفني مع أنني كنت في ذروة النجاح، فبدأت أحرص نوعاً ما على الصلاة، حتى كانت ليلة كنت في بيت صديق لقضاء ليلة رأس السنة - تأملي الضياع أيتها الغالية- ووسط الصخب والموسيقى والضجيج، سمعت صوتاً هزني هزة عنيفة، سمعت أذان الفجر، ومنادي الله يناديني، من يومها بدأت بالانسحاب من هذه اللقاءات وهذه الاجتماعات العفنة، أقبلت على كتاب الله أقرءوه وأنظر في تفسيره، كنت أجلس عند شباك حجرتي أتطلع إلى السماء، وأجد في ذلك متعة لا حد لها، لقد وجدت الشيء المفقود في حياتي، وجدت الإيمان، ووجدت في الإيمان الراحة مهما كانت الهموم، تقول: أقولها عن تجربة، فالقلب عندما يرتبط بالله يختفي منه القلق والضيق والحزن، ويحل مكانه الهدوء والراحة والاطمئنان، وراحة البال، كنت في الوسط الفني دائمة القلق، أحس أني أجري ألهث خلف سراب، زائدة العصبية مضطربة، الجو حولي مليء بالعفن والكذب، فأنقذني الله، وأخرجني من الظلمات إلى النور، قالت: أنا أعيش حالياً أعظم حب في حياتي، أحب الله بحق، وأناجيه، وأكلمه وأدعوه، جربت الحب الذي يقولونه وخضت في بحاره، ووجدت أن أعظم حب هو حب الله تبارك وتعالى.

نعم أخية! من وجدت الله فقد وجدت كل شيء، ومن فقدت الله فقد فقدت كل شيء، قال عز وجل: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت:53].


والأخرى تقول: كنت أستعرض جمالي أمام العيون الحيوانية بلا حرمة تحت مسميات التحرر والتمدن، كنت في غيبوبة عن الإسلام، لا أعرف من القرآن إلا رسمه، ومن الإسلام إلا اسمه، رغم المال والجاه إلا أنه كان في داخلي خوف من شيء ما، كنت أخاف من مصادر الغاز والكهرباء، وكنت أظن أن الله سيحرقني جزاء ما أنا فيه من المعاصي، كنت أقول في نفسي: كيف أنجو غداً من عذاب الله؟ تقول: عندما تزوجت ذهبت مع زوجي إلى فرنسا لقضاء ما يسمى بشهر العسل، ثم ذهبنا إلى كنيسة -اسمعي ضياع أبناء المسلمين والمسلمات- ولما أردت الدخول أجبروني على ارتداء ما يستر جسمي؛ احتراماً لأماكنهم، فقلت في نفسي: سبحان الله! هكذا يحترمون دياناتهم المحرفة، فما بالنا نحن لا نحترم ديننا؟ فقلت لزوجي: أريد أن أصلي شكراً لله على نعمته، فأحضرت معي إلى الغد ملابس طويلة وغطاء للرأس، ودخلت المسجد الكبير بباريس، فأديت الصلاة، وعند باب المسجد عندما خرجت خلعت الحجاب وغطاء الرأس والملابس الطويلة، وهنا كانت المفاجأة: اقتربت مني فتاة فرنسية لن أنساها طوال عمري، ترتدي الحجاب، أمسكت يدي برفق، وضربت على كتفي، وقالت لي بصوت منخفض: لماذا تخلعين الحجاب؟ ألا تعلمين أنه أمر الله؟ كنت أستمع إليها بذهول، حاولت أن أتفلت منها، لكن أدبها وحوارها أجبراني على الاستماع، سألتني: تشهدين أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ قلت: نعم، قالت: تفهمين معناها؟ قالت لي: إنها ليست كلمات تقال باللسان أخية! لا بد من التصديق وإتباع التصديق بالعمل، لقد علمتني الفتاة أقسى درس في حياتي، لقد اهتز قلبي لكلماتها، قالت لي وهي تنصرف: انصري هذا الدين أخية! ونصر هذا الدين لا يكون إلا باتباع الأوامر وترك النواهي والزواجر، تقول: خرجت من المسجد وأنا غارقة في التفكير، بالليل صحبني زوجي إلى مكان إباحي يتراقص فيه الرجال مع النساء شبه عرايا، يفعلون كالحيوانات، بل الحيوانات تترفع عن أفعالهم، تقول: كرهت نفسي الغارقة في الظلام، أردت الخروج بسرعة، وطلبت العودة إلى دياري وبلادي، ومنها بدأت رحلتي مع قوافل العائدات، تقول: لم أكن أعرف الطمأنينة والسكينة إلا كلما صليت وقرأت القرآن، هجرت الجاهلية رغم رفض زوجي ومن حولي، كلهم يريدونني أن أبقى في الظلام، ولكني لا أريد أن أرجع إلى الظلام بعد أن وجدت النور والحياة مع الله، ثم هدى الله زوجي بدعائي وتضرعي، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.


وثالثة تقول: سبقتني صاحبتي في ترك الفن والضياع، وبقيت مترددة، فأخذت المصحف يوماً ففتحته فوقعت عيني على قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [المائدة:92] فأغلقته، ثم فتحته مرة ثانية فوقعت عيني على قوله تعالى: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه:25 - 28] فأغلقته ثم فتحته مرة ثالثة فوقعت عيني على آية جعلتني أصرخ من الأعماق، إنها قوله تعالى: {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج:7] فقمت وأخرجت طراحة بيضاء ولبستها، ونظرت في المرآة فرأيت نوراً قد أحاطني، شعرت أنني في معية الله، وأنه سبحانه قريب مني، وأني قريبة منه، رفعت سماعة الهاتف واتصلت على صاحبتي أبشرها، قلت لها: ادعي لي بالثبات، فلقد انضممت إلى قوافل العائدات، تقول: أشعر أني قريبة منه وأنه قريب مني.
نعم أليس هو القائل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة:186]؟ قريب أسمع وأجيب، وأعطي البعيد والقريب، وأرزق العدو والحبيب، قريب يغيث اللهفان ويشبع الجوعان ويسقي الظمآن، ويتابع الإحسان، قريب عطاءوه ممنوح، وخيره يغدو ويروح، وبابه مفتوح، حليم كريم صفوح.
قريب يدعوه الغريق في البحار، والضال في القفار، والمحبوس خلف الأسوار، كما دعاه عبده في الغار.
قريب فرجه في لمحة البصر، وغوثه في لفتة النظر، المغلوب إذا دعاه انتصر، اطَّلع فستر، وعلم فغفر، وعبد فشكر، قريب جواد مجيد، لا ضد له ولا نديد، أقرب إلى العبد من حبل الوريد، على كل نفس قائم وشهيد، محمود ممدوح حميد.
قريب دعا المذنبين للمتاب، وفتح للمستغفرين الباب، ورفع عن أهل الفجأة الحساب.
الله ربي لا أريد سواه هل في الوجود حقيقة إلا هو الشمس والبدر من أنور حكمته والبر والبحر من فيض عطاياه الطير سبحه والوحش مجده والموج كبره والحوت ناجاه والنمل تحت الصخور الصم قدسه والنحل يلهج حمداً في خلاياه والناس يعصونه جهراًً فيسترهم والعبد ينسى وربي ليس ينساه.

خالد الراشد

إمام وخطيب جامع فهد بن مفلح السبيعي ـ بالخبر. المشرف العام على موقع قوافل العائدين والعائدات.