وسائل التواصل الاجتماعي بين التفريط والإفراط
وفي دراسة لشركة "إي ماركتر" للأبحاث في العالم 2014، فإن مستخدمي شبكات "فيس بوك" و"تويتر" و"لينكد إن" يُشكلون مجتمعًا يَبلغ عدد سكانه ملياري شخص من مختلف أرجاء العالم.
في زمان ثورة العلم والتكنولوجيا التي يعيشها أهل عصرنا، ظهرت وانتشرت بين الناس وبقوة ما يُسمى بوسائل التواصُل الاجتماعي؛ كالفيس بوك وتويتر وأنستجرام وواتساب وغيرها، وفرَضت نفسها على الناس حتى صرتَ لا تكادُ تجد مسلمًا ومسلمة إلا وله صفحة على أحد هذه الوسائل.
وفي دراسة لشركة "إي ماركتر" للأبحاث في العالم 2014، فإن مستخدمي شبكات "فيس بوك" و"تويتر" و"لينكد إن" يُشكلون مجتمعًا يَبلغ عدد سكانه ملياري شخص من مختلف أرجاء العالم.
ويبلغ عدد المستخدمين لفيس بوك بواقع أكثر من 1.4 مليار مستخدم نشط كل شهر.
وتقول شركة الفيس بوك: إن عدد مستخدمي الفيس بوك في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في العام 2013 بلغ 58 مليون مستخدم تقريبًا، منهم 28 مليونًا يتصفحون الموقع يوميًّا.
سلاح ذو حدَّين:
وهذه الوسائل قد تكون وسائل هدم للمُجتمع، وفساد للأخلاق، وضياع للوقت، وفساد للدِّين.
وكم تسبَّبت هذه الوسائل في نشر فسق، وذيوع كذب، ونشر إشاعات، وهدم خُلُق، وفتنة دِين، وهدْم بيت، وكل يوم نسمع ونشاهد.
وفي ذات الوقت قد تكون وسائل التواصُل وسائل لنشر أخلاق فاضلة، وسنَّة حسنة، وكلمة طيبة، وتحذير من خلُق ذميم، وبيان كذب وبهتان.
وأعرف مَن تاب من ذنوب كان يفعلها بحديث قرأه على صفحة الفيس بوك.
وكم من رجل أعرفه كان سبب طلبه للعلم تعارُفه بأحد طلبة العلم على الفيس بوك!
وكم من رجل تعلم سنَّة كان يَجهلها، ما عرفها إلا لما قرأ كلمات كتبها صديق له على الفيس بوك!
كيف تستفيد من وسائل التواصُل؟
بعض الناس يَرون الدخول على مواقع التواصُل هذه من قبيل العبث وتضييع الوقت، وهذا ليس بصحيح على إطلاقه؛ فبإمكانك أن تجعلها وسائل لنَشر الحق وتبليغ سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، لكن احرص غاية الحرص على وقتك، واجعل لك وقتًا تدخل فيه.
فينبغي لك أن تَحرص على وقتك أشد الحرص، فلا ينبغي أن تُنفق من عمرك ساعة على الفيس بوك مثلًا وما قرأت من كتاب الله شيئًا.
ولا يَحسُن بمُسلم أن يمضي ساعات مِن عمره في هذه المواقع ويَترك مُهماته وأعماله.
إن عمرك قصير، ووقتَك ثمين، فلا بدَّ لك مِن اغتنام وقتك فيما هو أنفع لك.
وإذا وهبَكَ الله عز وجل وقت فراغ فلا تقتله بتصفُّح مواقع التواصل لساعات، بل اجعل لها وقتًا تنشر ما فيه نفع للناس، وتطَّلع على ما فيه نفعك أيضًا، دون إفراط؛ فيُروى في الحديث – وإن كان معلولا - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يَعظه: "اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرَمك، وصحَّتك قبل سقمك، وغناءك قبل فقرك، وفراغك قبل شُغلك، وحياتك قبل موتك".
واعرف ماذا تريد من دخولك لهذه المواقع، هل تدخُل للتنزُّه والعبث، أو لك من هذا غاية وهدف؟
فما أجمل أن تجعل وسائل التواصُل هذه وسيلة لنشر حديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ ففي صحيح البخاري عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "بلِّغوا عني ولو آيةً...".
وما أجمل أن تجعلها وسيلة للتواصي بالبر والتعاون على الخير؛ فالله يقول: { {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} } [المائدة: 2].
لقد أهمل كثير من الدعاة إلى الله والشباب المسلم المتديِّن مواقعَ التواصل الاجتماعي، وجهل هؤلاء أن هذه المواقع فرضَت نفسها على المسلمين، فإذا ترك الدعاة وأهل الحق الدخول عليها، فلن يجد الشباب المسلم الذي يعيش في حيرة وتخبُّط إلا مزيدًا من الحيرة والبُعد عن الله بمتابعتهم للممثلين والمغنين وأمثالهم.
وليست المشكلة في أن مواقع التواصل الاجتماعي تضيِّع الوقت؛ وإنما مشكلتنا أننا لا نستطيع إدارة وقتنا جيدًا، ولا نحسن التخطيط والتنظيم.
احذر فتن مواقع التواصل:
لا تكاد تجد أمرًا إلا وله آفة، ومَن عرف الشرَّ اتقاه، ومَن جهله وقع فيه من حيث لا يدري.
ومن أكبر عيوب مواقع التواصُل أنها ربما تأكل كثيرًا من وقتك وأنت لا تَشعُر، فربما مرَّت بك ساعات تطالع صفحات الفيس بوك في غير فائدة؛ فلا بدَّ من ترشيد وقتك وحفظه من الضياع.
واحذر فتن النساء على هذه المواقع، فلقد تسبَّبت هذه المواقع في افتتان كثير من الشباب والفتيات، وكم من رجل فُتن في دينه بسبب هذه الوسائل، ولقد أخبرني غير واحد أنه وقع في علاقة محرَّمة مع امرأة حتى إن أحدهم فعل فاحشة الزنا، وكانت البداية بتعارُف على الفيس بوك، و(مجرد) كلام شات، تطوَّر يومًا بعد يوم من محادثة صوتية، إلى اتصال، فلقاء، حتى وقع ما لم يَخطر له على بال، وظل يقرع سن الندم على ما فعل.
واحذر أن تنقل كلامًا دون تثبُّت، فما أكثر الشائعات الكاذبة التي تنتشر على صفحات التواصل الاجتماعي! واذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء كذبًا أن يحدِّث بكل ما سمع".
بل لقد بلغ الأمر أن يتناقل بعض الناس أحاديث منسوبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا جئتَ تبحث عنها لم تجدْها في أي من كتب الحديث، ولا حتى في الموضوعات، وما هي إلا من اختراع الكذابين الجُدد.
ومن هذه الأخبار التي لا أصل لها: "قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا لعين، من جليسك؟ فقال: آكل الربا، فقال: فمن صديقك؟ فقال: الزاني، فقال: فمن ضجيعك؟ فقال: السكران".
ومنها: "رأى النبي عليه الصلاة والسلام وهو في السماء في رحلة الإسراء والمعراج ملائكة يَبنون قصرًا لبنة من ذهب ولبنة مِن فضة، ثم رآهم وهو نازل قد توقَّفوا عن البناء، فسأل: لماذا توفقوا؟ فقيل له: إنهم يبنون القصر لرجل يذكر الله، فلما توقف عن الذكر توقفوا عن البناء"!
ومنها: " «قال الله عز وجل في الحديث القدسي: كل يوم تقول الأرض: دعني يا رب أبتلع ابن آدم؛ إنه أكل مِن رزقك ولم يشكرك، وتقول البحار: يا رب، دعني أُغرق ابن أدم؛ إنه أكل من رزقك ولم يشكرك، وتقول الجبال: يا رب، دعني أطبق على ابن آدم؛ إنه أكل من رزقك ولم يشكرك» ".
ومنها: " «سأل النبي جبريل: هل أنت تضحك؟ قال: نعم، قال: متى؟ قال: عندما يخلق الإنسان، ومن أول ما يولد إلى أن يموت وهو يبحث عن شيء وهو لم يُخلق في الدنيا، تعجب النبي، وقال: ما هو الشيء الذي يبحث عنه الإنسان ولم يخلق في الدنيا؟ قال جبريل: الراحة، إن الله لم يخلق الراحة في الدنيا، بل خلقها في الآخرة» «» ".
وغيرها كثيرٌ..
وغفل هؤلاء الذين يَتناقلون مثل هذه الأخبار أنهم آثمون؛ فقد جاء في الخبر في صحيح مسلم: عن سَمرة بن جندب والمُغيرة بن شعبة رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن حدَّث عني بحديث يرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبين".
وختامًا:
سل نفسك: كم من الوقت تتصفَّح الفيس بوك وأنستجرام وتويتر؟! وكم من الوقت تقلب أوراق المصحف؟
ربما لا يمر بك يوم إلا وتتصفَّح الفيس بوك أو أنستجرام، فهل لا يمر بك يوم إلا وتقلب أوراق المصحف وتقرأ ولو صفحة من كتاب الله تعالى؟!
هل نويت أن تجعل الأوقات التي تقضيها على مواقع التواصل في ميزان حسناتك؟
هل نشرت من خلال هذه الوسائل الحديثة سنَّة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وتعاليم دينك؟
وتذكَّر قبل أن تَكتب كلمة على صفحات مواقع التواصُل، تذكر قول الله تعالى: { {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} } [ق: 18]، فاكتب ما يسرُّك في القيامة أن تراه.
أسأل الله أن يوفقني وإياكم لما فيه صلاح دينِنا ودنيانا، وأن يجعلنا هداة مُهتَدين، وصلِّ اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
أبو حاتم سعيد القاضي
طالب علم وباحث ماجستير في الشريعة الإسلامية دار العلوم - جامعة القاهرة
- التصنيف: