فوائد من كتاب "مداواة النفوس " لابن حزم (2-3)
(8) إذا نصحت فانصح سراً لا جهراً, أو بتعريض لا بتصريحٍ إلا أن لا يفهم المنصوح غرضك فلا بدَّ من التصريح له.
فصل: العلم
(1) لو لم يكن من فضل العلم إلا أن الجهال يهابونك ويحبُّونك, وأن العلماء يحبُّونك ويكرمونك, لكان ذلك سبباً إلى وجوب طلبه, فكيف بسائر فضائله في الدنيا والآخرة ؟
(2) من شغل نفسه بأدنى العلوم, وترك أعلاها وهو قادر عليه, كان كزارع الذُّرة في الأرض التي يجود فيها البُرّ.
(3) نشر العلم عند من ليس من أهله مفسد لهم, كإطعامك العسل والحلوى من به احتراق وحمَّى.
(4) الباخل بالعلم ألوم من الباخل بالمال, فالباخل بالمال أشفق من فناء ما بيده, والباخل بخِلَ بما لا يفنى على النفقة, ولا يُفارقُه مع البذل.
(5) أجلُّ العلوم ما قربك من خالقك تعالى, وما أعانك على الوصول إلى رضاه.
(6) انظر في المال والحال والصحة إلى من دونك, وانظر في الدِّين والعلم والفضائل إلى من هو فوقك.
(7) لا آفة على العلوم وأهلها أضرُّ من الدُّخلاء فيها, وهم من غير أهلها, فإنهم يجهلون, ويظنون أنهم يعلمون, ويفسدون ويقدّرون أنهم يُصلحون.
(8) سرَّني أهل العلم مرتين من عمري:
إحداهما: بتعليمي أيام جهلي.
والثانية: بمذاكرتي أيام علمي.
(9) من فضل العلم والزهد في الدنيا أنهما لا يُؤتيهما الله عز وجل إلا أهلهما ومُستحقهما.
فصل: الأخلاق والسِّير
(1) احرص أن توصف بسلامة الجانب, وتحفَّظ من أن توصف بالدهاء, فيكثرُ المتحفِّظون منك, حتى ربما أضر ذلك بك, وربما قتلك.
(2) وطن نفسك على ما تكره, يقلَّ همُّك إذا أتاك,..ويعظم سرورك ويتضاعف, إذا أتاك ما تحبُّ مما لم يكن قدرته.
(3) طوبى لمن علم من عيوب نفسه أكثر مما يعلم الناس منها.
(4) من جالس الناس لم يعدم همّاً يؤلم نفسه,..فما الظن بمن خالطهم وداخلهم؟ والعزُّ والراحة والسرور والسلامة في الانفراد عنهم, ولكن اجعلهم كالنار تدفأ بها ولا تخالطها.ولو لم يكن في مجالسة الناس إلا عيبان لكفيا:
أحدهما: الاسترسالُ عند الأنُس بالأسرار المُهلكة القاتلة التي لولا المُجالسة لم يبح بها البائح.والثاني: مواقعة الغيبة المهلكة في الآخرة.
فلا سبيل إلى السلامة من هاتين البليتين إلا بالانفراد عن المجالسة جملة.
(5) الوجع والفقر والخوف لا يحسُّ أذاها إلا من كان فيها, ولا يعلمه من كان خارجاً عنها, وفساد الرأي والعار والإثم لا يعلمُ قبحها إلا من كان خارجاً عنها, وليس يراه من كان داخلاً فيها.
الأمن والصحة والغنى لا يعرف حقها إلا من كان خارجاً عنها, وليس يعرفه من كان فيها, وجودة الرأي والفضائل وعمل الآخرة لا يعرف فضلها إلا من كان من أهلها, ولا يعرفه من لم يكن منها.
(6) أول من يزهدُ في الغادر من غدر له الغادر, وأول من يمقتُ شاهد الزور من شهد له به, وأول من تهون الزانية في عينه الذي يزنى بها.
(7) ما رأينا فسد فعاد إلى صحته إلا بعد لأيٍ, فكيف بدماغ يتوالى عليه فسادُ السُّكر كل ليلة؟وإن عقلاً زين لصاحبه تعجيل إفساده كل ليلةٍ لعقل ينبغي أن يتهم
(8) مُقرِّبُ أعدائه قاتلُ نفسه.
(9) لا تُجب عن كلام نُقل إليك عن قائل حتى توقن أنه قاله, فإن من نقل إليك كذباً, رجع من عندك بحق.
(10) من استخف بحرمات الله تعالى, فلا تأمنه على شيءٍ.
(11) لم أرَ لإبليس أصيدَ ولا أقبحَ ولا أحمقَ من كلمتين ألقاهما على أسنة دعاته:
إحداهما: اعتذارُ من أساء, بأن فلاناً أساء قبله.
والثانية: استسهل الإنسان أن يُسيء اليوم لأنه قد أساء أمس, أو أن يُسيء في وجه ما لأنه قد أساء في غيره.فقد صارت هاتان الكلمتان عذراً مسهّلتين للشرِّ.
(12) السخاءُ بما ظلمت فيه, أو أخذته بغير حقه ظلم مكرر, والذمُّ جزاء ذلك لا الحمد, لأنك إنما تبذل مال غيرك على الحقيقة لا مالك.
(13) حدُّ العفة أن تغضَّ بصرك, وجميع جوارحك عن الأجسام التي لا تحلُّ لك.
(14) أبلغ في ذمك من مدحك بما ليس فيك, لأنه نبه على نقصك, وأبلغ في مدحك من ذمك بما ليس فيك, لأنه نبه على فضلك, ولقد انتصر لك من نفسه بذلك.وباستهدافه إلى الإنكار واللائمة.
(15) لو علم الناقص نقصه كان كاملاً.
(16) لا يخلو مخلوق من عيب.فالسعيد من قلَّت عيوبه ودقَّت.
(17) أكثر ما يكون ما لم تظن, والحزم هو التأهب لما يًظنُّ, فسبحان من رتب ذلك, ليري الإنسان عجزه وافتقاره إلى خالقه عز وجل.
فصل: الإخوان والصداقة والنصيحة
(1) لا ترغب فيمن يزهد فيك, فتحصل على الخيبة والخزي.ولا تزهد فيمن يرغبُ فيك, فإنه باب من أبواب الظلم, وتركُ مقارضة الإحسان, وهذا قبيح.
(3) العتابُ للصديق كالسبك للسبيكة, فإما تصفو وإما تطير.
(4) أنا أُعلمك أنَّ بعض من خالصني المودة, وأصفاني إياها غاية الصفاء في حال الشدة والرخاء والسعة والضيق والغضب والرضا, تغير عليَّ أقبح تغيُّر بعد اثني عشر عاماً متصلة في غاية الصفا, لسبب لطيف جداً, ما قدَّرتُ قطُّ أنه يُؤثر مثله في أحد من الناس, وما صلح لي بعدها, ولقد أهمني ذلك سنين كثيرة همًّا شديداً.
(5) لا تُفشي إلى أحد من إخوانك ولا من غيرهم من سرّك ما يمكنك طيُّه بوجه ما من الوجوه, وإن كان أخصَّ الناس بك.
(6) لا تنصح على شرط القبول, ولا تشفع على شرط الإجابة, ولا تهب على شرط الإثابة, لكن على سبيل استعمال الفضل وتأدية ما عليك من النصيحة والشفاعة وبذل المعروف.
(7) ليس كل صديق ناصح, ولكن كل ناصح صديق فيما نصح فيه...وحدُّ النصيحة هو أن يسوءَ المرء ما ضرَّ الآخر ساء ذلك الآخر أم سرَّه, وأن يسره ما نفعه, سرَّ الآخر أم ساءه. فهذا شرط في النصيحة زائد على شرط الصداقة.
(8) إذا نصحت فانصح سراً لا جهراً, أو بتعريض لا بتصريحٍ إلا أن لا يفهم المنصوح غرضك فلا بدَّ من التصريح له.
(9) لا تنقل إلى صديقك ما يؤلم نفسه, ولا ينتفع بمعرفته,..ولا تكتمه ما يستضرُّ بجهله, فهذا فعل أهل الشر.
فصل: مداواة أدواء الأخلاق الفاسدة
من امتحن بالعُجب, فليتفكر في عيوبه, فإن أعجب بفضائله, فليفتش ما فيه من الأخلاق الدنية, فإن خفيت عليه عيوبه جملة حتى يظن أنه لا عيب فيه, فليعلم أنها مصيبة الأبد, وأنه أتم الناس نقصاً, وأعظهم عيوباً, وأضعفهم تميزاً...لأن العاقل هو من ميز عيوب نفسه فغالبها, وسعى في قمعها.والأحمق هو الذي يجهل عيوب نفسه, إما لقلة علمه وتميزه وضعف فكرته, وإما لأنه يُقدرُّ أن عيوبه خصال, وهذا أشد عيوب الأرض.واعلم يقيناً أنه لا يسلم إنسي من نقص, حاشا الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين.فليتدراك نفسه بالبحث عن عيوبه, والاشتغال بذلك عن الإعجاب بها.وعن عيوب غيره التي لا تضره لا في الدنيا ولا في الآخرة.
- التصنيف: