من بركات القرآن الكريم -1

منذ 2020-02-17

وقال الإمام الرازي رحمه الله: قال أهل المعاني: كتاب مباركٌ؛ أي: كثيرٌ خيرُه، دائمةٌ بركتُه ومنفعتُه، يبشر بالثواب والمغفرة، ويَزجُر عن القبيح والمعصية.

 

الحمد لله الذي منَّ على أمة الإسلام بإنزال كتابه القرآن العظيم الذي:  {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}  [فصلت: 42].

والحمد لله الذي جعل كتابه شفاءً ورحمةً للمؤمنين، قال الله جل وعلا: ﴿  {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ } {} ﴾ [الإسراء: 82].

والحمد لله الذي جعل كتابه مباركًا؛ قال الله جل جلاله:   {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ}    [الأنعام: 92]، وقال عز وجل:   {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}   [الأنعام: 155]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿  {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ } {} ﴾ [الأنبياء: 50]، وقال جل وعلا: ﴿  {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } ﴾ [ص: 29]. قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: فوصَف الله القرآن بأنه مباركٌ، ولا شكَّ أنه كذلك، فهو مباركٌ في تلاوته، مباركٌ في أثره، ومباركٌ في تأثيره ... فهو مبارك بكل أنواع البركة، ومن كل وجهٍ.

 وقال الإمام الرازي رحمه الله: قال أهل المعاني: كتاب مباركٌ؛ أي: كثيرٌ خيرُه، دائمةٌ بركتُه ومنفعتُه، يبشر بالثواب والمغفرة، ويَزجُر عن القبيح والمعصية.

وقال العلامة عبدالرحمن السعدي رحمه الله: هو الذي تُستخرَجُ منه البركات، فما مِن خيرٍ إلا وقد دعا إليه، ورغَّب فيه، وذكر الحكم والمصالح التي تَحُثُّ عليه، وما مِن شرٍّ إلا وقد نهى عنه وحذَّر منه، وذكر الأسباب المنفرة عن فعله، وعواقبها الوخيمة.

فالقرآن الكريم كتاب مبارك، كثير الخير والمنافع والفوائد، دائم البركة؛ لأنه كلام ربِّ العالمين، فلا شيء أعظمُ بركة من القرآن؛ قال العلامة عبدالرحمن السعدي رحمه الله: لا شيء أعظمُ بركة من هذا القرآن، فإن كل خير ونعمة، وزيادة دينية أو دنيوية أو أخروية، فإنها بسببه، وأثرٌ عن العمل به.
فينبغي على المسلمين شكرُ الله جل جلاله على هذه النعمة العظيمة، والمنحة الجليلة

بركة القرآن ليست في تلاوته في المآتم والمقابر، ووضعه في البيوت والسيارات؛ قال الإمام الزرقاني رحمه الله: أما غالب مسلمةِ اليوم، فقد اكتفوا من القرآن بألفاظ يرددونها وأنغام يلحنونها في المآتم والمقابر والدور، وبمصاحف يحملونها أو يُودعونها تركةً في البيوت، ونسوا أن بركة القرآن العظمى إنما هي في تدبُّره وتفهُّمه، وفي الجلوس إليه والاستفادة مِن هَدْيه وآدابه، ثم في الوقوف عند أوامره ومراضيه، والبُعد عن مساخطه ونواهيه.

بركة القرآن تكون لمن تدبَّره، وعمِل به، وحرَص على الإخلاص وإخفاء العمل؛ قال العلامة الشنقيطي رحمه الله: هذا الكتاب مبارك؛ أي: كثيرُ البركات والخيرات، فمن تعلَّمه وعمِل به، غمَرته الخيرات في الدنيا والآخرة.

قال العلامة السعدي رحمه الله: إنه بالتدبر فيه، والتأمل لمعانيه، وإعادة الفكر فيها مرةً بعد مرة، تُدرَكْ بركتُه وخيرُه.

وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: فبركة القرآن في تلاوته، وتدبره، والعمل به.

وقال الشيخ بدر بن ناصر البدر: إن أهم ما يُوصى به الراجي بركةَ القرآن ونفعَه: الإخلاص، وإخفاء العمل، والتأثر به، وبخاصة البكاء عند تلاوته وسماعه.

القرآن الكريم بركاته كثيرة، لا يمكن عدُّها ولا حصرها، فمنها:

أنَّ فيه بيانًا لكل شيءٍ:

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ومن بركة القرآن أنه لا يُمكن أن تحدثَ حادثةٌ إلا ووجدتَ في القرآن حلَّها؛ إما عن طريق الدلالة الصريحة، أو طريق الإيماء.

فلو قال قائل: ليس في القرآن أن صلاة الظهر أربع ركعاتٍ، والعصر أربع، والمغرب ثلاث، وما أشبه ذلك؟

الجواب: أما عن طريق صريح، فهذا ليس موجودًا، لكن عن طريق الإشارة فموجود؛ قال تعالى: ﴿  {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ}   [البقرة: 43]، وقال: ﴿  {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ }   [التغابن: 12]، وقال صلى الله عليه وسلم: (( «صلُّوا كما رأيتموني أُصلي» ))، فتبيَّن بذلك الحكمُ، فقوله تعالى: ﴿  {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ } {} ﴾؛ أي: نُقيمها بطاعة الله ورسوله؛ كما قال تعالى: ﴿  {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ }  [المائدة: 92]، وكيف نقيمها؟ بقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (( «صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي» ))، فانتهت الدلالة، وعلى هذا يكون القياس.

فالقرآن الكريم نزل تبيانًا لكلِّ شيءٍ، وقال رحمه الله: من بركته بيانُ أحكام الشريعة، وهي الأحكام التي يحتاجُ الناس إليها في حياتهم.

عزة أمة الإسلام وظهورها على جميع أمم الأرض يوم كان المسلمون عاملين به مُطبقين لأحكامه، مُصدقين بأخباره؛قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: وبركة القرآن ... ما حصل للمتمسكين به من الرِّفعة والعِزة والظهور على جميع الأمم ... ومن بركته ما حصل به من المعارف العظيمة لهذه الأمة الإسلامية، ومن الآثار الحميدة، فإن هذه الأمة الإسلامية كانت قبل نزول القرآن في ضلال مبينٍ في جهل أعمى، وفي ذلًّ، وفي ضَعف، ولَمَّا نزل القرآن وأخذت به، فاقَت الأمم من كل ناحية؛ كما قال الله تعالى: ﴿  {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164]، وقال تعالى: ﴿  {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} ﴾ [الجمعة: 2]، وقال رحمه الله: ومن بركات القرآن: أن الله سبحانه وتعالى فتح به البلاد في مشارق الأرض ومغاربها، فكانوا مُتمسكين به، فصاروا يفتحون البلاد من كل ناحية، ويدخُل الناس في دين الله أفواجًا، ولَمَّا أعرَضوا عنه حصَل لهم من الذُّلِّ والخلل بمقدار ما أعرَضوا عن كتاب الله عز وجل.

جمع كلمة العرب وحفظ لسانهم اللغة العربية:

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ومن بركته أيضًا: أنه حفِظ لسان العرب، يعني اللغة العربية، فإن القرآن الكريم أفصحُ الكلام العربي لا شك، وهو باقٍ إلى يوم القيامة؛ لأن الله تكفَّل بحفظه، فحِفظُه يَستلزم حفظَ اللغة العربية، ولهذا يجب علينا نحن المسلمين العرب أن نفتخِر بلغتنا، وأن نكون ضدَّ كُلِّ شخصٍ يُحاولُ أن يَسلُبَ الأمة العربية لغتَها التي هي لغة القرآن والحديث، وقال رحمه الله: وما يحصُل بهذا القرآن من اجتماع الكلمة، وحِفظ اللغة الأصلية للقوم الذين نزل بلغتهم، فمن المعلوم أن الناس إذا كانوا على لغة واحدةٍ، صاروا إلى الاجتماع أقربَ، وإذا تفرَّقت لغاتهم صاروا إلى التفرُّق أقربَ؛ لأنه إذا اتَّفقت لغاتهم

استطاعوا أن يتفاهموا فيما بينهم، وأن يعرفَ بعضهم ما عند بعض، وإذا اختلفت اللغات لم تَحصُل هذه الفائدة، فهذا من بركة القرآن الكريم.

الفضل العظيم في تلاوته وتعليمه وتعلُّمه والاجتماع على تلاوته:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «وما اجتمَع قومٌ في بيت من بيوت الله، يتلون كتابَه ويتدارسونه بينهم، إلا نزَلت عليهم السكينةُ، وغشِيتْهم الرحمةُ، وحفَّتهم الملائكة، وذكَرهم الله فيمن عنده» ))؛ أخرجه مسلم.وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( «خيرُكم من تعلَّم القرآن وعلَّمه»  ))؛ أخرجه البخاري.

وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن قرأَ حرفًا من كتاب الله، فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف»  [أخرجه الترمذي] .

 قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: وبركة القرآن .... في الثواب الحاصل بتلاوته، فإن من قرأ حرفًا واحدًا منه، فله بكل حرف عشر حسنات، وهذه بركة عظيمة، وقال رحمه الله: من بركات القرآن ... ما رُتِّب عليه من الثواب في المنزلة، لا في كثرة الأجر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( «الماهر بالقرآن مع السَّفرة الكرام البرَرة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه، وهو عليه شاقٌّ، له أجران» ))، وقال رحمه الله: من بركات القرآن ... أنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، وما أحوجَ الإنسان للشفعاء؛ لأن الإنسان محلُّ قصورٍ، فيحتاج إلى مَن يَشفَعُ له عند الله سبحانه وتعالى.