الأحكام الشرعية المتعلقة بمن يتوفى بوباء كورونا

منذ 2020-03-30

بيان الأحكام الشرعية المتعلقة بالتجهيز والصلاة والدفن لمن يتوفى بوباء كورونا المستجد  ( كوفيد-١٩ ).

بيان الأحكام الشرعية المتعلقة بالتجهيز والصلاة والدفن لمن يتوفى بوباء كورونا المستجد  ( كوفيد-١٩ ).

وردنا سؤال عن الأحكام الشرعية المتعلقة بمن يتوفى بوباء كورونا المستجد ( كوفيد-١٩ ) من تجهيز وصلاة ودفن .

ونظراً لأن هذه الحالة نازلة جديدة، وأن الحكم الشرعي في النازلة يجب أن يتأسس على تصور صحيح لها، بناء على القاعدة الأصولية والمنطقية المتفق عليها : " الحكم على الشيء فرع عن تصوره " ؛
  
قمنا بسؤال أهل الاختصاص الثقات واستفصال الوضع عن مدى خطورة انتقال العدوى، فأطلعونا على ضرورة التعامل الحذر مع الجثة، الذي يقتضي أن تدرج في كيس بلاستيكي محكم الغلق بعد الوفاة مباشرة وقبل خروجها من غرفة العناية، ثم ترسل للمشرحة لإكمال إجراءات الوفاة، وألا يفتح هذا الكيس حتى تدفن الجثة تجنباً لانتقال العدوى. 

وبناءً على هذا التصور، وفي ضوء مقاصد شريعتنا السمحة، وقواعدها المتفق عليها، ونصوص القرآن الكريم والسنة المُحكمة كقول الله تعالى : {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وقوله تعالى : {لَا يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِّلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، وقول الرسول ﷺ : «فَإِّذا أَمَرْتُكُمْ بشيءٍ فَأْتُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ» (رواه مسلم).

فإنه يتبين لنا الآتي: 

أولا: تجهيز الميت: 

يجب أن يتولى تجهيز الميت بهذا الوباء وتكفينه ونقله ودفنه الجهات المسؤولة، ولا يوكل ذلك لأهله لما فيه من خطورة انتقال العدوى.

ثانياً: غسل الميت: 

بما أن غسل الميت فرض كفاية، فإن أمكن بأي طريقة لا ضرر فيها وجب الغسل في هذه الحالة وإلا سقط الفرض ؛ وإذا أمكن أن يُيمم الميت بأمان من انتقال العدوى قبل وضعه في الكيس البلاستيكي فيُيمم _ في حال تعذر الغسل الآمن_، وإلا سقط التيمم أيضاً  دفعاً للضرر.

ثالثاً: تكفين الميت: 

لما كان من ضمن إجراءات الوفاة في هذه الحالة إدراج الجثمان في كيس بلاستيكي ولا يسمح بفتح هذا الكيس حتى يدفن الميت، ولما لم يكن مانع من تكفين الجثة من فوق الكيس البلاستيكي ؛ فإننا نرى أن يكفن من فوق الكيس من غير فتحه مع اتباع إرشادات الجهة الصحية عند التكفين.

رابعاً: الصلاة والدفن: 

الصلاة على الميت فرض كفاية لا تسقط، فإن أمكن أداؤها بأمان في هذه الحالة قبل الدفن أُديت، وعلى أهل الميت أن يقتصروا في حضورهم للجنازة على ما تنصح به الجهة الصحية المسؤولة، حيث إن صلاة الجنازة تصح ولو بفرد، فإن أداها سقط وجوبها عن الآخرين، وإن لم يكن أداء الصلاة قبل الدفن مأموناً فإنه يصلى عليه بعد الدفن، ويجوز لمن شاء من أهل الميت ومعارفه أن يصلي عليه صلاة الغائب ببيته.  

وينبغي أن يتم الدفن وفقاً للإجراءات الصحية التي تراها الجهات المسؤولة ؛ حيث تراعي احترازات وتدابير تضمن عدم انتقال العدوى بإذن الله.
 
وينبغي أن ننبه هنا أن المتوفى بالوباء إذا دفن بهذه الطريقة فقد استوفى ما يلزم فعله شرعاً في هذه الحالة، وعليه فإن نبش قبره  لإعادة غسله وتكفينه محرم شرعاً لما فيه من اعتداء على حرمة المتوفى ونشر ضرر العدوى بين الناس.  
 
وختاماً

فإننا نذكر عباد الله الذين اصطفاهم الله لابتلائه بفقد حبيب بهذا الوباء بأن من يموت بهذا الوباء شهيد بإذن الله وهو في درجة عالية عند ربه، كما بشر الصادق المصدوق ﷺ حيث قال في الحديث المتفق عليه:  «الشُّهَداءُ خَمْسَةٌ : المطَْعُونُ، والمبَْطُونُ، والغَرِّقُ، وصاحِّبُ الهَدْمِّ، والشَّهِّيدُ في سَبيلِّ اللهِ ، والمطعون هو من مات بالطاعون أي بمرض وبائي، فلا يحزنوا وليطمئنوا برحمة الله». 

كما نذكرهم بجزيل الأجر الذي أُعد للصابرين على هذا البلاء فلهم أجر المجاهدين المرابطين إن شاء الله، ولهم أيضاً  أجر المحافظة على المجتمع والتعاون على عدم انتشار العدوى فيه. 
 

ونوصي الجميع بضرورة التقيد بالتوجيهات الصحية للحد من انتشار هذا الوباء، مع التضرع إلى الله والإلحاح في دعائه بأن يعيذنا منه أجمعين. 

رحم الله أموات المسلمين أجمعين . وكتب لمن مات بهذا الوباء أجر الشهداء ولأهله أجر المجاهدين المرابطين، وجزى الله خيراً من هم في الصف الأول في مكافحة انتشار هذا الوباء،  ونسأله سبحانه أن يرفع عن الأمة هذا الوباء وعن البشرية جمعاء إنه رحمن رحيم كريم مجيب قريب . 

والله تعالى أعلم. 

 



الموقعون على هذا البيان من كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، السبت بتاريخ 4 شعبان 1441هـ /28 مارس 2020م : 

د. إبراهيم بن عبد الله الأنصاري 
عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية 
بجامعة قطر
 
د. محمد أبوبكر المصلح 
العميد المساعد للشؤون الأكاديمية بالكلية