كورونا .. والكهفُ . والكنز...!

منذ 2020-04-04

في الكهف المنزلي عبادات : وأوراد ومحاسبات وأذكار، ستحملك على الخيرية والدوام، واستنهاض التوبة وإيمانيات لم تعهد من قبل{ فلولا إذ جاءهم تضرعوا}  [سورة الأنعام]

• غالبًا في البلاءاتِ العامة، والأسقام المعدية تدعو المصحات وخبراؤها ، والحكومات ورجالاتها إلى العزلة ، والتباعد عن أماكن الزحامِ، والحرص على التوقي، قدر الإمكان، وهو ما يمارس الآن في غالب الدول المتضررة أو المتوقية ، ولا يجني جانٍ إلا على نفسه، وقد قال عليه الصلاة في الحديث الشهير:  «لا يُورَدُ ممرضٌ على مُصِح» وقال :«وفرّ من المجذوم  فرارَك من الأسد»  وهو يندرج تحت القاعدة الشرعية ( سد الذرائع) . فخذ لذلك ترتيبه وجاهزيته ، وآدابه ونظمه .

• وإذا استفحلَ الأمرُ، ستنعزل إجباريا ، وتُفرض عليك الإقامة الجبرية، وتتخفف من التلاقي الاجتماعي والمناسبات الموسعة، وستخلد إلى الراحة والهدوء، والتأمل العميق، فلا تجعل الخوف يخالطك، ويمس عقيدتك، أو ينقص من توازنك النفسي والسلوكي {فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعلَ الله فيه خيرا كثيرا}  [سورة النساء] . ونسأل الله أن يمن على الجميع بالعافية .

• اخلد إلى الكهف: وآوِ الى ملذاتك من القراءة والتعبد وحُسن الإخبات . فأنت في كهف مزخرف، ومخبأ مزين، ومغارة مُعشبة رفرافة ، وفِي الحديث الصحيح: «وليسعكَ بيتُك ».

• واعتبر نفسك فارا :... من عدو فتية الكهف، وشغوفا بالوَحدة، وهاربًا من صخَب الحياة، وملازما فراش الراحة ..! وحينها استغراقٌ عبادي وتأملي ومحاسبي وعلمي، يثمر الكنوز والمروج والزهور .

• وفيه ظفرٌ اجتماعي بالأسرة: والأبناء، ودرء الهجر الطويل، والسهر المديد، والغفلة المستدامة، والمتاجرة الصارفة ، والذي من خلاله ستعرف أبناءك عن كثب، وتشحنهم عاطفيا، وتتفهم ظروفهم ونفسياتهم .

• وفي الكهف المنزلي عبادات : وأوراد ومحاسبات وأذكار، ستحملك على الخيرية والدوام، واستنهاض التوبة وإيمانيات لم تعهد من قبل{ فلولا إذ جاءهم تضرعوا}  [سورة الأنعام]   .

• فكنْ حِلسَ بيتك : وطريحَ كتبك، وجليس صلاتك، وسمير تلاوتك، وحبيب أسرتك، معوضا ما فات، ومعتبرا بما جرى، ومستدركا ما تصرم..! 

• وستتعلم عادات صحية : وغذائية جديدة، وسيحرص أكثرنا على النظافة، ويستيقن قيمة الوضوء اليومي، والاغتسال الأسبوعي، والتطهيري، وأن ديننا دين النظافة والطهارة ..! وكم معجزاتٍ في شريعتِه التي ... أفاضت سناءً عندنا وتدبّرا...!

• حدائقُ القرآن : وارتشاف عجائبها وأطايبها ، فكم من هاجرٍ أو متشاغل، أو ناسٍ،{وكذلك أوحينا إليك روحًا من أمرنا }. فجدّد له التوبة، وأشعلِ العزيمة، وعش لذته وتلاوته وتدبره ، واختم ختمات، واستمتع بتفسيره من خلال مختصراته : كمختصر التفسير الميسر، أو مختصرات ابن كَثير المشهورة ومن أحسنها مختصر الرفاعي وغيره .

• رياض النووي والصحيحين: هي رياض كل مسلم وكل مسجد، وكل بيت إيماني ، وغنيمة باردة تتقصدنا وقت العزلة للاطلاع والاستفادة وترسيخ المعاني والأخلاق الاسلامية ، فبادر اليها بدارًا لا رجعة فيه، ختمًا ووعيا واستذكارًا .

• كتب التوبة وتزكية النفوس: كمختصرات الإحياء المفيدة، وأفانين العلامة ابن القيم المتفرقة في كتبه: كالداء والدواء والفوائد، ومفتاح دار السعادة ومدارج السالكين، ومنتقيات البقية . واغرس منها غراسٍ المتاب والاستغفار، واللهج أن يرفع الله البلاء والوباء{ وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون } [سورة النور] .

• وفي البيتِ مشاريعٌ منجزة: وكتب محررة، وأقلام سيالة، وتفكر خصيب، وكنوز مستخرجة في مختلف المجالات ، فاركن على سواء، وانعزل باستفادة، والتزم على مغانم... وغنمتُ في ساح الفراغ جواهرا...ومغانمًا تربو على الآلافِ...! وقد صنف الإمام ابن تيمية رحمه الله (كتبًا كثيرة) وهو في السجن، والحافظ السرخْسي الحنفي رحمه الله صنّف أكثرَ (المبسوط) وهو محبوس، ومطبوع الآن في نحو (٢٠) مجلدًا، والمحدث الألباني رحمه الله أفاد أنه هذب (صحيح مسلم) وهو سجين في دمشق، والله المستعان . قد يُنعمُ اللهُ بالبلوى وإن عظُمت...ويبتلي اللهُ بعضَ القوم بالنعمِ..!

• حلقة إيمانية اطلاعية: تتعلم منها الأسرة الإيمان واليقين، والأحكام والاخلاق وآداب الطعام والجلوس والمحاورة ، وتقوي صلتها واستقامتها، مع أنسٍ رقراق، وتحابٍ خلّاق، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .

       ١٤٤١/٧/٢١هـ

      د . حمزة آل فتحي

حمزة بن فايع الفتحي

رئيس قسم الشريعة بجامعة الملك خالد فرع تهامة، وخطيب جامع الفهد بمحايل عسير