تأملات في الصلاة
فمواقيت الصلاة مرتبطة بحركة الشمس والقمر ودوران الأرض, فنحن حينها ننضم لنسيج الكون لحمةً واحدة في عبادة الرحمن
1- وكأننا حينما نتوضأ للصلاة فإنما نغسل أنفسنا بالماء - وليس بشيء سواه - لأنه هو الذي خُلقنا منه! وكأننا بهذا الوضوء نعود أدراجنا بفطرة سليمة - مصلحين ما تهدَّم منها - تماما كبداية خلقنا عندما كنا خالين من الذنوب, وذلك استعدادا للقاء الله تعالى والوقوف بين يديه, فإذا فقدنا الماء أبدلناه بالتراب في التيمم, والتراب هو ثاني مكون من مكونات خلقنا, فلقد خلقنا الله من ماء, وخلقنا من تراب, وبهذا وجب أن نستعد للصلاة بأن نكون كلنا آدم وحواء حين خلقهما, أن نكون بلا معاصي وكأننا لم نأكل من الشجرة بعد!
.
2- وبدخولنا في الصلاة فنحن نعود مسيرين كشأننا قبل أن نحمل الأمانة, أمانة حرية الإرادة, فنفعل أفعالا توقيفية تعلمناها كما هي من رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكأننا نقول لله تعالى, اللهم إننا نتخلى عن حرية إرادتنا بإرادتنا وبطيب خاطر فنصلي في أوقات معلومة صلاة جماعة مع الكون, فمواقيت الصلاة مرتبطة بحركة الشمس والقمر ودوران الأرض, فنحن حينها ننضم لنسيج الكون لحمةً واحدة في عبادة الرحمن, وكأننا لم نحمل الأمانة بعد، نصلي مع السماوات والأرض جميعا, فالكل يصلي ونحن نصلي. إنها صلاة جماعة مع الكون!
.
3- وكأن سترنا العورة في الصلاة هو جزء من رمزية عودتنا قبل الأكل من الشجرة, فقد كانت عوراتنا حينها مستورة حتى عن أنفسنا نحن! فنحن ندخل الصلاة وكأننا لم نرتكب أي ذنب بعد, وهذا يشهد له ما يطهره الوضوء من ذنوبنا قبل الصلوات وأن الصلوات الخمس مكفرات لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر!
.
4- وقد نفخ الله فينا من روحه ليكرمنا ويرفع قدرنا عن باقي الكون فنكون عبادا لله أسيادا للكون, ونكون مختلفين عن الحيوان الذي يحيى بروح أخرى هي مجرد سر الحياة فيه, وهذه الروح الحيوانية هي ذاتها النفس الأمارة بالسوء, حيث السوء ما هو إلا الشهوات إذا لم ينظمها الإسلام وتهيمن عليها الروح المنفوخة فينا من ربنا فيسيطر العقل على الشهوة ونستحق أن نكون خلفاء في الأرض. لكن هذه الروح المنفوخة إنما تتسرب منا أثناء نشاطات الحياة العادية المكتظة بالذنوب, فكان من رحمة الله بنا أن أنعم علينا بخمس محطات يومية لتزويدنا بوقود الروح الذي كاد أن ينفد منا, فيكتب علينا برحمته أن نتوقف في هذه المحطات بين يديه فيعيد إلينا ما تسرب من وقود إنسانيتنا, من وقود كرامتنا, من الروح التي تميزنا به عن الحيوان, فالحمد لله رب العالمين على نعمة الصلاة.
.
5- ونحن نتوضأ إذا خرج منَّا أي شيء من السبيلين, وذلك كأنما يعطي لنا صورة عن شجرة آدم التي أكل منها هو وزوجه أنها لم تكن خالصة من الشوائب الضارة كباقي شجر الجنة, وهذا ما أدى لاضطرار آدم أن يخرج من جسده هذه الزيادات الضارة فبدت له سوءته حينئذ. فبوضوئنا نحن نعود رمزيا وكأننا لم نأكل من الشجرة بعد، الشجرة التي ربما كان الأمر من عدم الاقتراب منها تدريبًا في الجنة على كبح جماح الرغبة في الممنوع، تلك الرغبة التي هي من الصفات الجبلية في بني آدم!. نتوضأ كرمز للعودة ما قبل هذا الذنب وكأننا لم نقترفه, وكأن الوضوء هو الكلمات التي علمها الله لآدم ليتوب فيعود بلا سيئة, وذلك استعدادا لوقوفه بين يدي الله وتزوده بوقود إنسانيته!
.
6- ونحن إذ نخرج من الصلاة ننتشر في الأرض لنبتغي من فضل الله ونقوم بمهمة الخلافة وتعمير الأرض (أي مهمة العبادة), فكأن وجودنا في الصلاة هو رمز لوجودنا في الجنة الأولى - وسبب من أسباب وصولنا للجنة الآخرة - , ونحن إذ ننهي الصلاة فننتشر في الأرض لنسعى في العمل فكأن هذا هو الهبوط من الجنة للقيام بمهتنا التي أمرنا الله به, فكما كانت الجنة الأولى هي المرحلة التمهيدية لبداية مهمة الخلافة فكذلك الصلاة هي المرحلة التمهيدية التي نقوم بعدها بمهمة الخلافة على بصيرة وهدى وبروح كاملة زكية وبعقل مهيمن على الشهوات " {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّـهِ أَكْبَرُ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} " ﴿العنكبوت: ٤٥﴾., فننطلق نسعى ونعمل ونحن متذكرين لله (وَلَذِكْرُ اللَّـهِ أَكْبَرُ) ونعمه والوظيفة التي أوكلها إيانا كي لا نضل ولا نشقى
.
والله أعلم
أحمد كمال قاسم
كاتب إسلامي
- التصنيف: