مع الحبيب صلى الله عليه وسلم - بركات السماء يوم بدر ونزول النصر المبين

منذ 2020-06-02

تفاصيل رائعة , وهزيمة منكرة نزلت على رؤوس المشركين ومدد من الثبات وتعاون بين أهل الله في أرضه وسمائه, هذه هي غزوة بدر.

 

بركات السماء يوم بدر ونزول النصر المبين

بعدما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم كل أسباب النصر الممكنة لم تبق سوى أسباب السماء فرفع يده بالدعاء متضرعاً وقد ترائى الفريقان, وشتان بين فريق الجنة وفريق السعير, وإن بدت الجيوش لمن رآها متقابلة إلا أن حقيقة الفارق بين أولياء الله وأولياء الشيطان هي حقيقة الفارق بين الجنة والجحيم.

تفاصيل رائعة , وهزيمة منكرة نزلت على رؤوس المشركين ومدد من الثبات وتعاون بين أهل الله في أرضه وسمائه, هذه هي غزوة بدر.

قال المباركفوري في الرحيق المختوم:

 

ساعة الصفر وأول وقود المعركة

وكان أول وقود المعركة الأسود بن عبد الأسد المخزومى ـ وكان رجلًا شرسًا سيئ الخلق ـ خرج قائلًا‏:‏ أعاهد الله لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه‏.‏ فلما خرج خرج إليه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه فلما التقيا ضربه حمزة فأطَنَّ قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض، فوقع على ظهره تشخب رجله دمًا نحو أصحابه، ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه، يريد أن تبر يمينه، ولكن حمزة ثنى عليه بضربة أخرى أتت عليه وهو داخل الحوض‏.‏
 

المبـــارزة

وكان هذا أول قتل أشعل نار المعركة، فقد خرج بعده ثلاثة من خيرة فرسان قريش كانوا من عائلة واحدة، وهم عتبة وأخوه شيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة، فلما انفصلوا من الصف طلبوا المبارزة، فخرج إليهم ثلاثة من شباب الأنصار عَوْف ومُعَوِّذ ابنا الحارث ـ وأمهما عفراء ـ وعبد الله بن رواحة، فقالوا‏:‏ من أنتم‏؟‏ قالوا‏:‏ رهط من الأنصار‏.‏ قالوا‏:‏ أكِِفَّاء كرام، ما لنا بكم حاجة، وإنما نريد بني عمنا، ثم نادى مناديهم‏:‏ يا محمد، أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏(‏قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة، وقم يا على‏)‏، فلما قاموا ودنوا منهم، قالوا‏:‏ من أنتم‏؟‏ فأخبروهم، فقالوا‏:‏ أنتم أكفاء كرام، فبارز عبيدة ـ وكان أسن القوم ـ عتبة بن ربيعة، وبارز حمزة شيبة، وبارز على الوليد‏.‏ فأما حمزة وعلى فلم يمهلا قرنيهما أن قتلاهما، وأما عبيدة فاختلف بينه وبين قرنه ضربتان، فأثخن كل واحد منهما صاحبه، ثم كَرَّ على وحمزة على عتبة فقتلاه، واحتملا عبيدة وقد قطعت رجله، فلم يزل ضَمِنًا حتى مات بالصفراء،بعد أربعة أو خمسة أيام من وقعة بدر، حينما كان المسلمون في طريقهم إلى المدينة‏.‏ وكان على يقسم بالله أن هذه الآية نــزلت فيهم‏:‏ ‏{‏هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ‏}‏ الآية ‏[‏الحج‏:‏19‏]‏‏.‏
 

الهجوم العام
وكانت نهاية هذه المبارزة بداية سيئة بالنسبة للمشركين؛ إذ فقدوا ثلاثة من خيرة فرسانهم وقادتهم دفعة واحدة،فاستشاطوا غضبًا،وكروا على المسلمين كرة رجل واحد‏.‏

وأما المسلمون فبعد أن استنصروا ربهم واستغاثوه وأخلصوا له وتضرعوا إليه تلقوا هجمات المشركين المتتالية، وهم مرابطون في مواقعهم، واقفون موقف الدفاع، وقد ألحقوا بالمشركين خسائر فادحة، وهم يقولون‏:‏ أحَد أحَد‏.‏
 

الرسول صلى الله عليه وسلم يناشد ربه

أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان منذ رجوعه بعد تعديل الصفوف يناشد ربه ما وعده من النصر، ويقول‏:‏ ‏‏(اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك‏)‏، حتى إذا حَمِىَ الوَطِيسُ، واستدارت رحى الحرب بشدة واحتدم القتال، وبلغت المعركة قمتها، قال‏:‏ ‏‏(اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدًا‏)‏‏.‏ وبالغ في الابتهال حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فرده عليه الصديق، وقال‏:‏ حسبك يا رسول الله، ألححت على ربك‏.‏

وأوحى الله إلى ملائكته‏:‏ ‏{
{‏أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ} }‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 12‏]‏،وأوحى إلى رسوله‏:‏ ‏{ {‏أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ‏} }‏ ‏[‏الأنفال‏:‏9‏]‏ ـ أي إنهم ردف لكم، أو يردف بعضهم بعضًا أرسالًا، لا يأتون دفعة واحدة‏.‏
 

نزول الملائكة

وأغفي رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة واحدة، ثم رفع رأسه فقال‏:‏ ‏‏(‏أبشر يا أبا بكر، هذا جبريل على ثَنَاياه النَّقْعُ‏)‏ ‏[‏أي الغبار‏]‏ وفي رواية ابن إسحاق‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏(‏أبشر يا أبا بكر، أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده، وعلى ثناياه النقع‏)‏‏.‏

ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب العريش وهو يثب في الدرع ويقول‏:‏ ‏{‏سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ‏}‏ ‏[‏القمر‏:‏45‏]‏ ،ثم أخذ حَفْنَةً من الحَصْبَاء، فاستقبل بها قريشًا وقال‏:‏ ‏‏(‏شاهت الوجوه‏)‏ ورمى بها في وجوههم، فما من المشركين من أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه من تلك القبضة، وفي ذلك أنزل الله‏:‏ ‏{‏وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللهَ رَمَى‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏17‏]‏‏.‏
 

الهجوم المضاد
وحينئذ أصدر إلى جيشه أوامره الأخيرة بالهجمة المضادة فقال‏:‏ ‏‏(‏شدوا‏)‏، وحرضهم على القتال، قائلًا‏:‏ ‏‏(‏والذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرًا محتسبًا مقبلًا غير مدبر، إلا أدخله الله الجنة‏)‏، وقال وهو يحضهم على القتال‏:‏ ‏‏(‏قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض‏)‏، ‏[‏وحينئذ‏]‏ قال عُمَيْر بن الحُمَام‏:‏ بَخْ بَخْ‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏(‏ما يحملك على قولك‏:‏ بخ بخ‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ لا، والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال‏:‏ ‏‏(‏فإنك من أهلها‏)‏‏.‏ فأخرج تمرات من قَرَنِه فجعل يأكل منهن، ثم قال‏:‏ لئن أنا حييت حتى آكل تمراتى هذه إنها لحياة طويلة، فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل‏.‏

وكذلك سأله عوف بن الحارث ـ ابن عفراء ـ فقال‏:‏ يا رسول الله، ما يضحك الرب من عبده‏؟‏ قال‏:‏ ‏‏(‏غَمْسُه يده في العَدُوّ حاسرًا‏)‏، فنزع درعا كانت عليه فقذفها، ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل‏.‏

وحين أصدر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر بالهجوم المضاد كانت حدة هجمات العدو قد ذهبت وفتر حماسه، فكان لهذه الخطة الحكيمة أثر كبير في تعزيز موقف المسلمين، فإنهم حينما تلقوا أمر الشد والهجوم ـ وقد كان نشاطهم الحربي على شبابه ـ قاموا بهجوم كاسح مرير، فجعلوا يقلبون الصفوف، ويقطعون الأعناق‏.‏ وزادهم نشاطًا وحدة أن رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع، وقد تقدمهم فلم يكن أحد أقرب من المشركين منه، وهو يقول في جزم وصراحة‏:‏ ‏{‏سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ‏}‏ فقاتل المسلمون أشد القتال ونصرتهم الملائكة‏.‏ ففي رواية ابن سعد عن عكرمة قال‏:‏ كان يومئذ يَنْدُر رأس الرجل لا يدرى من ضربه، وتندر يد الرجل لا يدرى من ضربها‏.‏ وقال ابن عباس‏:‏ بينما رجل من المسلمين يشتد في إثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول‏:‏ أقدم حَيْزُوم، فنظر إلى المشرك أمامه، فخر مستلقيًا، فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه وشق وجهه كضربة السوط، فاخْضَرَّ ذلك أجمع، فجاء الأنصارى فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏ ‏‏(‏صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة‏)‏‏.‏

وقال أبو داود المازنى‏:‏ إني لأتبع رجلًا من المشركين لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي، فعرفت أنه قد قتله غيرى، وجاء رجل من الأنصار بالعباس بن عبد المطلب أسيرًا،فقال العباس‏:‏ إن هذا والله ما أسرني، لقد أسرني رجل أجلح، من أحسن الناس وجهًا على فرس أبْلَق، وما أراه في القوم، فقال الأنصاري‏:‏ أنا أسرته يا رسول الله، فقال‏:‏ ‏‏(‏اسكت فقد أيدك الله بملك كريم‏)‏‏.‏

وقال علي‏:‏ قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، ولأبي بكر‏:‏ ‏‏(‏مع أحدكما جبريل ومع الآخر ميكائيل، وإسرافيل ملك عظيم يشهد القتال، أو يكون في القتال‏)‏‏.‏
 

إبليس ينسحب عن ميدان القتال
ولما رأى إبليس ـ وكان قد جاء في صورة سراقة بن مالك بن جُعْشُم المدلجي كما ذكرنا، ولم يكن فارقهم منذ ذلك الوقت ـ فلما رأي ما يفعل الملائكة بالمشركين فر ونكص على عقبيه، وتشبث به الحارث بن هشام ـ وهو يظنه سراقة ـ فوكز في صدر الحارث فألقاه، ثم خرج هاربًا، وقال له المشركون‏:‏ إلى أين يا سراقة‏؟‏ ألم تكن قلت‏:‏ إنك جار لنا، لا تفارقنا‏؟‏ فقال‏:‏ ‏{‏إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏48‏]‏، ثم فر حتى ألقى نفسه في البحر‏.‏
 

الهزيمة الساحقة

وبدأت أمارات الفشل والاضطراب في صفوف المشركين، وجعلت تتهدم أمام حملات المسلمين العنيفة، واقتربت المعركة من نهايتها، وأخذت جموع المشركين في الفرار والانسحاب المبدد، وركب المسلمون ظهورهم يأسرون ويقتلون، حتى تمت عليهم الهزيمة‏.‏ أ هـ

#أبو_الهيثم

#مع_الحبيب

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

المقال السابق
بين حكمة جيش الرسول وانشقاق جيش قريش يظهر الفارق
المقال التالي
الهزيمة الساحقة ومصرع الطاغية