هوى المصايف

منذ 2004-07-01

بسم الله نبدأ, وعلى هدي نبيه صلى الله عليه وسلم نسير,

أحبتي في الله, كم هو جميل أن يطل علينا صيف جديد, ببسمة مشرقة رقراقة, تعدنا بعطلة ممتعة, واستراحة من عناء الكد وتعبه.

الإنسان بحاجة فعلية إلى تجديد النشاط, وترويح النفس, فكم هو جميل ما نسمعه من بعض الصالحين من رفقاء درب العزة وطريق الالتزام يروون لنا مدى تمتعهم في عطلتهم في رحاب الكعبة المشرفة, وفي ربوع المدينة النبوية المنورة, حتى تتوق الأنفس وتتشرف لهذه المتعة بين أحضان الطهر والنقاء,

وكثيرًا ما يروي لنا آخرون عن مآسٍ موجعات وأحداث مؤلمات وخزي وملمات, عادوا بها بعد انتهاء الصيف, فهذه فتاة تعرفت على شاب على أحد الشواطئ, وزاد التعارف بينهما إلى ارتكاب الفاحشة, ثم يعدها الشاب بالزواج, وتتكرر اللقاءات, حتى يتجرأ الوغد, ليحضر رفقاء دربه السيئ ليشاركوه فيها, ترفض الفتاة, وتذكره بأنها له وحده, فيضحك في وجهها ضحكة الذئب, فتكون النهاية المؤلمة بينه وبينها, أحدهما مقتول والآخر مقتص منه.

فتاة أخرى تذهب برفقة أخيها إلى إحدى دول الجوار لقضاء العطلة, ثم تتعرف على شاب, تترك أخاها وتهرب مع فتاها, يبحث الأهل ويبحثون, ويشاع بأن الفتاة قد اختطفت, وبعد أيام طويلة تعود الفتاة تجر وراءها أذيال الخزي والملامة, انقضت اللذة ودامت الحسرة والعبرة والعار.

فتاة تصر على الذهاب مع قريناتها إلى معسكر صيفي تابع للجامعة على إحدى الشواطئ التي تبعد مئات الكيلومترات عن بلدتها, تحاول إقناع خطيبها الشاب فيرفض بشدة خوفًا عليها, تذهب رغم رفضه, تعود الفتاة من معسكرها, فينهي الخطيب خطبتها, فتخسر من كانت تحب من أجل قضاء نزهة عابرة, ولا يبقى بعدها إلا الندامة على ما فات.

رجل أعمال ثري يذهب لأحد الصالحين ممن عرفوا بالعلم, ليرقيه ويقرأ عليه من كتاب الله, عسى أن يُذهب ما به من بأس, وأثناء العلاج بالرقية الشرعية, يعترف الرجل الموقر للشيخ الجليل بأن من أسباب ما ابتلي به, أنه كان يصطحب ابنته ذات الاثنتين والعشرين ربيعًا إلى بعض شواطئ العراة الصيفية, لقضاء عطلة الصيف, وكان يمشي عاريًا تمامًا وابنته بجواره عارية كذلك!!

بعض المجتمعات الإسلامية التي يفتخر أهلها بشريعة الإسلام, ما أن تبدأ العطلة الصيفية حتى يبدأ أهل البيت يعدون العدة للذهاب لإحدى دول الجوار, ومع صعود الطائرة تتطاير معها أقنعة الوجه, والعباءات الساترة, ليظهر ما كان مستورًا, أما أثناء الرحلة, فرب البيت يبحث عن نزواته, ظانًا أنه أذكى الناس, وهو لا يعرف أن أهل بيته كذلك يُفعل بهم مثل ما يفعل بالناس, فالكل يبحث عن شهوته في غياب الوازع الديني وفي غياب نخوة الأب المسئول, والجزاء من جنس العمل, فكما تدين تدان, وكما تعبث بأعراض الغير, يعبث الغير بعرضك.

أحدهم أرسل هذه الرسالة التي نشرت من سنوات في إحدى الجرائد الخليجية وعسى أن يكون فيها عبرة لكل راع ومسئول عن رعيته وقد نشرت الرسالة بعنوان: عاقبة إهمال الزوجة والأولاد:

طحنتني الدنيا من كثر ما رأيت, وأحمل في صدري الكثير مما يتصور من أسرار الناس, ولا أستطيع في كثير من الأحيان أن أكتبها؛ لأنها أمانة, لكن إذا جاء منهم ما يفيد برغبتهم في نشرها، فهو قرارهم، ولهم أجر من الله أن يحذروا إخوانهم وأخواتهم, كتب لي صديق قديم من إحدى بلدان الخليج: أخي الدكتور كمال الصبحي... السلام عليكم, أتابع عمودكم اليومي في جريدة .......... وأرتاح كثيرًا لقراءته, وهذه أول مرة أكتب إليك فيها، على الرغم من أنه ربطتني بك في يوم من الأيام علاقة صداقة ومحبة، قبل افتراقنا لكثرة الأشغال, يمكنك نشر ما سأخبرك به, وأنت بطبيعة الحال تعرف القصة أصلاً، بسبب علاقتك بأصدقاء مشتركين, لطالما حذرتني, لا أزال أتذكر يوم قلت لي: أتمنى أن لا تغرق السفينة التي تقودها, ثم هاهي الأيام توضح مدى خطئي. شغلتني الدنيا يا دكتور, كلما كسبت مالاً، فكرت في المال الذي سأكسبه بعده... جري... جري... جري... وكأنني سآخذ معي لقبري كل المال الذي أجمعه, وفي جريي، نسيت عائلتي الصغيرة... زوجتي وأبنائي, كنا عائلة متحابة, وعندما اغتنيت وانشغلت اعتقدت أنني قادر على إسعادهم بالمال وحده, اشتريت شاليهًا على البحر, في البداية كنت أقضي وقتًا لا بأس به معهم, أولادي الصغار يلعبون حتى يتعبون, ثم ينامون, ومع كثرة الأشغال، أصبحت أقول لهم: اذهبوا مع أمكم وسوف ألحقكم, وبطبيعة الحال لا ألحقهم.

وهكذا مرت الشهور، وأنا أعتقد أنهم على ديدنهم القديم فيما يفعلونه في الشاليه, عدت قبل فترة من إحدى سفرياتي وصفقاتي على غير ميعاد, وأحببت أن أفاجئهم, لم أجدهم في البيت, سألت خادمة بقيت في المنزل عنهم، فقالت: إنهم في الشاليه, ركبت سيارتي، ووصلت إليهم في الساعة الثانية صباحًا, كان الشوق يملأني, وجدت أبنائي نائمين ولم أجد زوجتي, وعندما أيقظت الخادمة من النوم، وجدتها مرتبكة, وبقيت طوال الليل أنتظر، أنظر من كل فتحة في المنزل, ومع تباشير الصباح، جاءت تمشي مع رجل غريب, عندما فتحت الباب، وجدتني، وارتبَكَت, أجلستها بهدوء، وسألتها السؤال الذي يملأني: لماذا؟ ما الذي كان ينقصك؟ بدأت في البكاء، وبعد أن هدأت، قالت: أنت السبب, كنا مستورين، عايشين، سعيدين, ثم أحضرتنا ورميتنا في هذا المكان، حيث كل واحد ينظر, كنت محتاجة لك، ومع الزمن... وكثرة النظرات... وكثرة التعليقات، وأنت تعرف الباقي.

وافترقنا بكل هدوء حفاظًا على سمعة الأبناء والعائلتين, لكنني بعد أن جلست إلى نفسي، وذهبت إلى ذلك الشاليه مرات عديدة، فهمت ما تقصده, إن أي إنسان يترك زوجته وأبناءه لوحدهم في مثل ذلك المكان، إنما يتركهم لذئاب لا يخافون الله.

إن الكثيرين منا يقولون: إن زوجاتنا وبناتنا لا يمكن أن يفعلن مثل هذا, لكن السؤال: زوجاتنا وبناتنا من هؤلاء اللواتي نراهن يمشين بدون ستر، وينظرن...؟! إن نصيحتي لكل إنسان: لا تترك زوجتك وبناتك عرضة للمخاطر بسبب كثرة الأعمال، وتجنب الانفتاح وقلة الحياء والاختلاط بالطبقة السفيهة التي ترمي شباكها بحثًا عن صيد تتسلى به لفترة قبل أن تتخلص منه لكي تبدأ التسلي بصيد آخر.

إن النار اليوم تشتعل في قلبي بعد أن خسرت حياتي وزوجتي، وإذا كان من أحد ألومه، فهو نفسي التي كانت راعية، فلم تعرف كيف تحافظ على رعيتها!
أ. هـ

بعد هذا العرض أحبابي في الله , فهذه نصيحة لكل مسلم من محب مشفق على عرض ينتهك, وكرامة تداس, وشرف يسلب, ودين يكاد أن يسلب أو يقل في قلب صاحبه. نعم كلنا بحاجة إلى الراحة والاستمتاع بعطلتنا, فهذا من حقوق النفس, ولكن إياك أن تنسى حق الله, فحقوق النفس يجب أن تكون على صراط الله المستقيم ومنهجه القويم, فلنحاول أن نجعل من العطلة فرصة لتجديد النفس تجديدًا حقيقيًا, بصفاء الود والوصال مع الخالق جل جلاله, ما أمتع العطلة في رفقة صالحة, وما أروع الأنس برحاب الله, وما أجمل كبح النفس بما يحبه الله ويرضاه, يقول أحد السلف واصفًا لنعيم الطاعة ومحبة الله سبحانه: "لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف", فلنجعلها فرصة لعقد الصلح مع الخالق سبحانه, واعلم أنه يفرح بعودتك إليه, ولو تقربت إليه ذراعًا لتقرب إليك باعًا ولو أتيته تمشي لأتاك هرولة ...نعم أتاك هرولة ..وهو خالق الأكوان ومدبرها, يفرح بعودتك أنت أيها العبد الفقير, ما أحلى الإجازة في رحاب الله.

أترككم في أمان الله وعونه, ولا تنسوا إخوانكم في فلسطين والعراق والشيشان وأفغانستان, وفي كل بقعة وأرض يحارب فيها الإسلام, أستودعكم الله.
محمد أبو الهيثم
المصدر: خاص بإذاعة طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.