لا تكن من الخاسرين
والعبرة هناك حيث لا خوف ولا حزن ولاجوع ولا نقص ولا كبد ولا لغوب ، وينقضي ما ينقضى كأنها ساعة من نهار ، فلمثل هذا أحبتي فليعمل العاملون .
لا تكن من الخاسرين :
وقد تبدل الحال وتغيرت الأحوال وكل بمراد الله فلا تكن يا رعاك الله من الخاسرين
قال تعالى : {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (40)} [النحل ] .
فبعد هذا الوباء ( كورونا ) أيها الاحبة على ماذا نتحسر وبم نعتبر وبأي أي نتفكر ، ولمن نبث الشكوى والحزن ، وها قد فاتنا الكثير مما نحرص على دوامه رغم فقرنا وقلة حولنا وطولنا ومعرفتنا أن الأمر كله بيد الله
وما نحرص عليه من الاموال والانفس والثمرات وما نعافسه من قلق وخوف وكل راحل .
قال تعالى : {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } [البقرة]
فكمالك وتوفيقك يا عبد الله يتأتى بالايمان والعمل الصالح من جهة ويقابله متمما له الصبر على الطاعات واجتناب المعاصي وتفقد وتعليم ونشر كل ما هو صواب ويوافق الحق عند الاخرين ويجانب الباطل وما نهى الله عنه .
قال ابن القيم رحمه الله : ولما كان كمال الإنسان بالعلم النافع، والعمل الصالح، وهما الهُدى ودين الحق، وبتكميله لغيره في هذين الأمرين،
كما قال تعالى: { {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} } [العصر: 1 - 3]
أقسم سبحانه أن كلَّ أحد خاسر إلا من كمل قوته العلمية بالإيمان، وقوته العملية بالعمل الصالح، وكمَّل غيره بالتوصية بالحق والصبر عليه، فالحق هو الإيمان والعمل، ولا يتمان إلا بالصبر عليهما، والتواصي بهما. مدارج السالكين (1/ 30)
ويتحقق كل ذلك أيها الاحبة بأن يجتهد الإنسان في تحقيق المطالب العالية للخلاص من هذا الخسران بالرجوع وتدبر وفهم وأخذ كتاب الله بقوة وعزيمة وجد واجتهاد فهو السبيل الكامل لذلك ، أليست كلمات الله هي الطيبات التامات المباركات ؟!
قال ابن القيم رحمه الله: فكان حقيقا بالإنسان أن ينفق ساعات عمره بل أنفاسه فيما ينال به المطالب العالية ويخلص به من الخسران المبين وليس ذلك إلا بالإقبال على القرآن وتفهمه وتدبره.
إذن ما نفهم من هذا أحبتي، أن نجتهد ولا نتوان جهدا ألا نكون من الخاسرين
وحتى لا نكون منهم هناك مطالب يجب تحقيقها ببذل الأسباب وطلب السداد من رب السماء
فلديك إفتراضا يا رعاك الله قوة علمية وقوة عملية، فقوتك العلمية تعتبر كاملة بكمال إيمانك وتنقص بمقدار
نقصانه، فالمطلب هنا تحقيق القرب من زيادة الايمان وتفقده ، فالايمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعاصي،
ودليل الزيادة قوله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى –: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)} [الانفال] .
وتجنب ومفارقة المعاصي فالإيمان ينقص بالمعصية والدليل على ذلك قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» »
فالطريق واضح للعيان للوصول إلى بر الأمان وطريق الرشد والبعد ومفارقة الخسران
واما القوة العملية، فهو العمل الصالح الذي يكون خالصا لوجهه تعالى لا سمعة ولا رياء فيه، تسأل الله أن يعينك على أدائه على الوجه الذي يرضيه، وأن يتقبله بعد أدائه، ولا تغفل يا رعاك الله أن تستغفر حين الانتهاء منه، فإذا كان هناك ملحظا بأنك وفقت لعمل صالح بعده مباشرة فإعلم أن ذلك من بركات القبول لعملك السابق، يسر الله لك إستمرار الخير فالله هو الشكور.
ولا يفوتك يا عبد الله أن تكمَّل الاخرين بالتوصية بالايمان وما يصاحبه من عمل فهو الحق وتوصيهم بالصبر على الطاعة والصبر على ترك المعاصي ، وكل متمم ومعين على البعد عن الوقوع في الخسارة .
وحينها سوف يتنحى الشيطان عن طريقك ولن تكون ممن اتخذه وليا ،فتكون نجاة لك من الخسارة وقد حققت ما جاء في صورة العصر ، بل تكون بفضل من الله وهداه وتوفيقه قد حققت أمر الله بان جنبت نفسك بعد الاستعانة بربك عدوك اللدود ، قال تعالى :
{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر]
وقالَ تعالى: ( {وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا} ) [النساء: من الاية -119]،
قالَ الشَّيخُ السَّعدِيُّ -رحِمَهُ اللهُ-: "وأَيُّ خَسَارٍ أَبيَنُ وَأَعظَمُ مِمَّنَ خَسِرَ دِينَهُ وَدُنيَاهُ وَأَوبَقَتْهُ مَعَاصِيهَ وَخَطَايَاهُ؟!
فَحَصَلَ لَهُ الشَّقَاءُ الأَبَدِيُّ، وَفَاتَهُ النَّعِيمُ السَّرمَدِيُّ. كَمَا أنَّ مَنْ تَولَّى رَبَّهُ وَآثَرَ رِضَاهُ، رَبِحَ كُلَّ الرَّبْحَ، وأَفلَحَ كُلَّ
الفَلاحِ، وَفَازَ بِسَعَادَةِ الدَّارَينِ، وأَصبَحَ قَرِيرَ العَينِ، فاللهم تَولَّنَا فِيمن تَوَليتَ، وعَافِنَا فِيمَن عَافَيتَ"
فإن كنت يا عبد الله ممن يعمل الصالحات وتواصيت بالحق وتواصيت بالصبر ، إذن لن تخسر نفسك ولا أهلك يوم القيامة قال تعالى : {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ ۗ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ(15) } [الزمر]
والعبرة هناك حيث لا خوف ولا حزن ولاجوع ولا نقص ولا كبد ولا لغوب ، وينقضي ما ينقضى كأنها ساعة من نهار ، فلمثل هذا أحبتي فليعمل العاملون .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين.
حمزه عبدالغني المحتسب.
- التصنيف: