كن حكيما 1-2
فقال يا ابن عباس كيف تسئل سؤالا واحدا وتجيب مرة بنعم ومرة بلا ؟
أما بعد فيقول رب العالمين سبحانه لنبيه صلي الله عليه وسلم {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}
أيها الإخوة المؤمنون أحباب رسول الله صلي الله عليه وسلم اليوم موعدنا بعون الله تعالي لنتحدث عن ضرورة أن يكون المؤمن منظما عن ضرورة أن يكون المؤمن مرتبا منسقا منمقا في كلامه في أعماله في تصرفاته في أفكاره وإن شئت فقل نتحدث عن ضرورة أن يكون المؤمن حكيما في الأمور كلها ولا بأس فكلهم من عائلة واحدة ..
المؤمن يدير بيته بالحكمة أعماله وأقواله وتصرفاته تنطق بالحكمة
ومن المهام التي كلف الله بها نبينا محمدا صلي الله عليه وسلم كلفه أن يعلمنا الحكمة {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ}
كثير من آيات الذكر الحكيم تقول لك( كن حكيما)
{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ..) وفي موضع آخر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا }
وفي صحيح السنة أن النبي عليه الصلاة والسلام أتاه أعرابي فَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ بَيِّنٍ ، فَسر به النبي وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا ، وَإِنَّ فِي الشِّعْرِ حِكْمَةً » "
وقال عليه الصلاة والسلام « لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِى اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ أَتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِى الْحَقِّ وَرَجُلٌ أَتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهُوَ يَقْضِى بِهَا وَيُعَلِّمُهَا »
الحكمة أيها المؤمنون هي وضع الأمور في نصابها
الحكمة فهم صحيح عن الله وعن رسول الله صلي الله عليه وسلم الحكمة خلق حميد وقول سديد الحكمة رجاحة عقل ونور بصيرة الحكمة صدر رحب يقبل النقد وبلسان حاله ومقاله يقول رحم الله أخا أهدي إليّ عيوبي ..
الحكمة قبول النصح مع محبة ما يحبه الله تعالي والدعوة إليه {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}
في زمان سيدنا داود عليه السلام دخل عليه خصمان يختصمان إليه..
أما أحدهما فكان مزارعا وأما خصمه فكان راعي غنم .. راعي الغنم أهمل غنمه في الليل فخرجت إلي بستان المزارع فأكلت الورق والثمر ولم تخرج منه حتي أفسدته .
الحق والعدل يقول إن علي صاحب البستان أن يحرس بستانه نهارا الحق والعدل يقول إن علي صاحب الغنم أن يحكم الحراسة علي غنمه ليلا ..
فلما كان الراعي مهملا ولما خرجت غنمه فأفسدت الزرع فقضي بينهما داود عليه السلام أن يدفع صاحب الغنم غنمه إلي صاحب الزرع جزاء ما أفسدت الغنم من الزرع والثمر ..
وخرج الطرفان وقد رضيا بحكم داود عليه السلام .. فلقيهما سليمان عليه اليسلام وكان علي علم بالقضية فقال لهما بماذا قضي نبي الله قالا قضي بيننا نبي الله أن يأخذ صاحب البستان الغنم جزاء ما أكلت..
فما كان من سليمان عليه السلام إلا أن أخذ بأيديهما حتي دخل بهما علي داود عليه السلام فقال يا نبي الله إني أري في القضية حكما آخر .. قال وما هو ؟
قال أن يدفع صاحب الغنم غنمه إلي صاحب البستان فينتفع بلبنها وبصوفها وبولدها .. وأن يدغع صاحب الزرع الأرض إلي صاحب الغنم فيزرعها له وينميها له فإن عاد الزرع كما كان رجعت الغم إلي صاحبها ورجعت الأرض إلي صاحبها .. فسر داود عليه السلام بهذا الحكم وقبله ..
وذلك قول الله تعالي ( {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ} )
هذا الأثر ماذا يقول ؟ وماذا فيه ؟
هذا الأثر يقول إن الحقيقة واحدة لكن لها وجوه متعددة ويقول إن الحكيم واسع الصدر يقبل الحق أينما وجد ..
وفي هذا الأثر بيان واضح العنوان أن الحكمة ضالة المؤمن أني وجدها أخذها وفيه أن التعامل بحكمة يعط كل ذي حق حقه وفيه أن من أفسد شيئا فعليه إصلاحه..
( {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ } )
الحكمة أيها المؤمنون وضع الأمور في نصابها الحكمة
كلمة مناسبة في الوقت المناسب بالقدر المناسب مع الرجل المناسب..
أعود فأقول: الحكمة كلمة مناسبة في الوقت المناسب بالقدر المناسب مع الرجل المناسب ..
عبد الله بن عباس هو ابن عم رسول الله عليه الصلاة والسلام لازم ابن عباس رسول الله عددا بسيطا من السنوات لكنه فاز دون غيره بدعوة عظيمة من النبي عليه الصلاة والسلام قال ابن عباس ضَمَّنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى صَدْرِهِ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ ظزز واستجاب الله دعوة نبيه فعاش ابن عباس حكيما في قوله وفعله وعلمه وعمله وفقهه وفتواه..
فكان يراعي أحوال السائل ويجيبه بها حتي ورد أن رجلا سأله فقال هل للقاتل توبة ؟ فقال لا !! ليست للقاتل توبة ثم قال إن الرجل إذا عرف الإسلام وشرائع الإسلام ثم قتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ولا توبة له ..
وقرأ ( {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } ) ..
ثم جاءه رجل آخر فسأله هل للقاتل توبة ؟ فقال نعم !! للقاتل توبة وقرأ {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا }
أحد تلاميذ ابن عباس حضر الموقفين وسمعه يقول مرة لا ومرة نعم فقال يا ابن عباس كيف تسئل سؤالا واحدا وتجيب مرة بنعم ومرة بلا ؟ تقول لأحدهما ليست للقاتل توبة وتقول لصاحبه للقاتل توبة !! فقال رضي الله عنه إني قرأت في عين الأول رغبة في القتل والظلم والعدوان فقلت له لا توبة لقاتل حتي لا يقتل أفتيته بهذا لأمنعه من الظلم والغشم ..
وأما الآخر فقرأت في عينيه الندم فبشرته بعفو الله ورحمة الله ..
قلت وهذا من حكمته رضي الله عنه كلمة مناسبة في الوقت المناسب بالقدر المناسب مع الرجل المناسب .
محمد سيد حسين عبد الواحد
إمام وخطيب ومدرس أول.
- التصنيف: