من أبجدية السعادة الزوجية - ذَكَّرْهم بالله وبذِكره
تناول معهم فضل ذكر الله – سبحانه وتعالى- واستعرض معهم صورًا من فعل سلف الأمة في الحرص على مداومة ذكره.
ذِكْرُ الله – سبحانه وتعالى – من أفضل القربات إليه، ومن أسهل الطاعات وأيسرها على المسلم، عن أبي الدرداء – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:" «ألا أُنبِّئُكم بخيرِ أعمالِكم، وأزكاها عند مَليكِكم، وأرفعِها في درجاتِكم، وخيرٍ لكم من إنفاقِ الذَّهبِ والوَرِقِ، وخيرٍ لكم من أن تَلْقَوا عدوَّكم فتضرِبوا أعناقَهم، ويضرِبوا أعناقَكم؟ قالوا: بلى. قال: ذكرُ اللهِ» . (1)
هذا الحديث من أجمل ما يُذكر في هذا الباب، فقد فضل رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ذكر الله على العديد من أمهات الأعمال وعظائمها كالجهاد وإنفاق الأموال النفيسة من ذهب وفضة في سبيل الله، إضافة إلى ما فيها من جهد ومشقةٍ بدنيةٍ واضحةٍ كالجهاد أو نفسيةٍ واضحةٍ كالإنفاق.
ولكن ثمَّة بُعدٍ آخر في جميل ذكر الله وعظمة التعلق به، وهو في الحديث عن فضله وعظيم أثره ليس فقط على عظيم الأجر والثواب، بل آثار أخرى تغير من حياة المسلم الذاتية، وتنعكس - بطبيعة الحال- على أسرته وأهل بيته، والمتصفح لكتاب الله وسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم – يستطيع أن يخرج بالعديد من آثار ذكر الله- سبحانه وتعالى – على الفرد والأسرة والمجتمع، أذكر منها:
- ذِكْرُ الله – تعالى - يحدث نوعًا من الاستقرار النفسي والاتزان الانفعالي بشكل كبير، يدل على ذلك قول الله – تعالى -: " {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} " الرعد:28 ولقد ذكر الطبري في تفسيره:" وقوله: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} ، يقول: ألا بذكر الله تسكن وتستأنس قلوبُ المؤمنين."
- يجلب ذِكْرُ الله – سبحانه وتعالى- رضوان الله ومحبته، واصطحاب معيته -جل شأنه- قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يقول الله تعالى: « أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إليَّ شبرًا تقربت إليه ذراعًا وإن تقرب إليَّ ذراعًا تقربت إليه باعًا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة» ".(2)
- ذِكْرُ الله – تعالى- يجلب الطمأنينة والهدوء والسكينة، روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-:" « لا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إلا حَفَّتْهُمُ المَلائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ» ".(3)
- في قراءة القرآن الكريم -وهو من أفضل أنواع ذِكْرِ الله- زوال للهمِّ والغمِّ، وتفريج للكرب والضيق، عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: " «ما قال عبدٌ قطُّ إذا أصابه هَمٌّ وحَزَنٌ اللهمَّ إني عبدُك وابنُ عبدِك وابنُ أَمَتِك ناصيتي بيدِك ماضٍ فيَّ حكمُك عَدْلٌ فيَّ قضاؤُك أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك أو أنزلتَه في كتابِك أو علَّمتَه أحدًا مِنْ خلقِك أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك أنْ تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي ونورَ صدري وجلاءَ حُزْني وذَهابَ هَمِّي إلا أذهب اللهُ عز وجل هَمَّه وأبدله مكانَ حُزْنِه فَرَحًا قالوا : يا رسولَ اللهِ ينبغي لنا أنْ نتعلَّمَ هؤلاء الكلماتِ قال : أجلْ ينبغي لمن سمعهنَّ أنْ يتعلَّمَهن» ." (4)
- ذِكْرُ الله – تعالى- سببٌ في سعة الرزق وبركته، عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضِي اللَّه عنْهُما قَال: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “ «منْ لَزِم الاسْتِغْفَار، جَعَلَ اللَّه لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مخْرجًا، ومنْ كُلِّ هَمٍّ فَرجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ» " (5) رواه أبو داود.
فقط أردت ذكر بعض هذه الآثار لأنها- وبشكل مباشر – تبين تأثير ذكر الله – سبحانه وتعالى – على الأسرة المسلمة، فاستقرار النفس واتزانها، ومحافظتها على هدوئها الانفعالي بركونها إلى الله واصطحاب معيته، واللجوء والتضرع إليه والتودد إليه بذكره وكلامه، وحسن الظن واليقين به – سبحانه - ينعكس إيجابًا على النواحي المادية، فذكر الله – كما ورد- سبب في سعة الرزق والبركة فيه، والنعيم الوفير والهبة بالمال والولد، قال الله تعالى على لسان نبيه نوح عليه السلام: " {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} " [نوح:10-12]
ومن ثم فإن ذكر الله-تعالى- باب عظيم للخير، وهو من أهم أسباب السعادة والطمأنينة داخل البيت، يجلب الراحة والهناء، ويزيد المحبة الود، فعوِّد نفسك وزوجك وأولادك على التزام ذكر الله -سبحانه وتعالى-وليكن لكم ورد من الأذكار: المطلقة كانت أو المقيدة، والاهتمام بأذكار الأحوال واليوم والليلة، وكثرة الاستغفار، والاجتماع على ذلك للتعليم والتدريب، وإلزام النفس به، ولن يكون ذلك كله إلا من خلال الممارسات العملية والتطبيقات الفعلية، وأسرد لك بعض المعينات على ذلك:
- كن أنت القدوة في التزام ذكر الله -سبحانه وتعالى- بقراءة وردك القرآني والأذكار المتنوعة حالاً ومقالاً.
- اجتمع وأسرتك على ذكر الله -سبحانه وتعالى- فاقرؤا سورة الكهف سويًا مثلاً، أو خصصوا لكم جلسة قرآنية للقراءة وتعلم التجويد.
- تدارسوا أحد كتب الأذكار، وكلف أولادك بحفظه تباعًا، في غير مشقة ولا عنت ولا إكثار فيملوا، ولكن بتدرج واستمرار، وخير الأعمال أدومها وإن قل.
- تناول معهم فضل ذكر الله – سبحانه وتعالى- واستعرض معهم صورًا من فعل سلف الأمة في الحرص على مداومة ذكره.
- ليكن لك ولهم ورد من الأذكار اليومية بين الحمد والتسبيح والتكبير والتهليل وغيره من ألوان الذكر.
- اجعل لهم مسابقات وجوائز تشجعهم بها، وتحفزهم على التزامها والمداومة عليها.
- ليكن الدعاء أحد الأذكار المعينة على ذلك، وليكن لك ولزوجك ورد يومي تدعوا فيه أن يعينكم الله على ذكره وأن يوفقكم إلى ذلك، ولطالما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم – يوصي معاذ بن جبل -رضي الله عنه – بقوله قال: " يا معاذُ أوصيك ألا تدَعَنَّ في دبُرِ كلِّ صلاةٍ أنْ تقولَ: « اللَّهمَّ أعِنِّي على ذِكرِك وشُكرِك وحُسنِ عبادتِك» " (6) وصلِّ اللهم وبارك على محمد وآله وصحبه
- سنن الترمذي - رقم 3377
- صحيح مسلم – رقم 2675
- صحيح مسلم – رقم 2700
- صحيح ابن حبان – رقم 972
- سن أبي داود – رقم 1518
- صحيح ابن حبان -رقم 2020
- التصنيف: