تقديس الأشخاص ، والغلو في الصالحين
فتأمل رعاك الله إلى تواضع سيد الخلق صلى الله عليه وسلم ، وعدم تميزه عن أصحابه بشيء ، حتى إن الأعرابي يدخل فلا يعرفه لأول وهلة ، لأنه جالس مع أصحابه كواحد منهم ، فلا عرش يجلس عليه ، ولا ملبس بعينه يختص به
تقديس الأشخاص ، والغلو في الصالحين ، وإنزالهم فوق المنزلة المستحقة لهم ، وإخراجهم من حدود البشرية وخصائصها إلى مشاركة الرب سبحانه بعض ما يختص به : كان المدخل الرئيس الذي زين به الشيطان كثيرا من البدع والضلالات ، بل إن أول شرك حدث في البشرية - وهو شرك قوم نوح عليه السلام - كان من هذا الباب .
ومن تأمل غلو الشيعة في آل البيت - وخصوصا أئمتهم الاثني عشر - وما يفعلونه من منكرات وطقوس في عاشوراء وغيرها ، وكذلك غلو طوائف من الصوفية في الأولياء والصالحين ، وكلامهم عن فكرة الحقيقة المحمدية بنفس غنوصي فج ، فسوف يهوله مقدار البدع والمخالفات التي لحقت بدين الله وهو منها برئ .
وعلى النقيض من ذلك تجد خطاب القرآن والسنة فيه إلحاح شديد على بشرية الرسل والأنبياء - عليهم السلام - وأنهم عباد مربوبون لله سبحانه ، وان الدعاء والرغبة والرهبة والاستغاثة وطلب الحوائج لا يكون إلا من الله وحده ( {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) وقال تعالى ( لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} )
وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للناس ( {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ } ) كما أنه صلى الله عليه وسلم يخبر عن نفسه ( {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} )
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال « «يا معشر قريش - أو كلمة نحوها - اشتروا أنفسكم، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا، ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا، ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئا» »
وما زلت أعجب من هذا الحديث الذي في صحيح البخاري عن أنس بن مالك، قال : «بينما نحن جلوس مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، دخل رجل على جمل، فأناخه في المسجد ثم عقله، ثم قال لهم: أيكم محمد؟ والنبي صلى الله عليه وسلم متكئ بين ظهرانيهم، فقلنا: هذا الرجل الأبيض المتكئ. فقال له الرجل: يا ابن عبد المطلب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «قد أجبتك» »
فتأمل رعاك الله إلى تواضع سيد الخلق صلى الله عليه وسلم ، وعدم تميزه عن أصحابه بشيء ، حتى إن الأعرابي يدخل فلا يعرفه لأول وهلة ، لأنه جالس مع أصحابه كواحد منهم ، فلا عرش يجلس عليه ، ولا ملبس بعينه يختص به ، ولا خدم ولا حشم ولا حرس يقفون على رأسه .
فصلوات الله وسلامه على إمام الأنبياء ، وسيد الخلق ، وخليل رب العالمين ، الذي كان أعظم ألقابه في أشرف منازله أنه عبد الله ورسوله ، ، ففي الإسراء ( {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ } ) وفي المعراج ( {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى . فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} ) وفي مقام إنزال القرآن ( {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} )
أحمد قوشتي عبد الرحيم
دكتور بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة
- التصنيف: