الإيمان والعلم
إن العلم ضرورة لحياة البشر فبالعلم يُختصرُ الزمان بالعلم يُطوي المكان بالعلم يُقرّبُ البعيد بالعلم يَلين الحديد ..
ايها الإخوة الكرام :
اليوم موعدنا لنتحدث عن علاقة وثيقة قوية بين العلم وبين الإيمان .. نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعلمنا ما ينفعنا وان ينفعنا بما علمنا ونساله سبحانه باسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يحبب إلينا الإيمان وان يزينه في قلوبنا .. اللهم آمين
غير اني في مستهل هذا اللقاء اود ان اقول :
إن العلم والإيمان أخوان شقيقان متكاملان لا يختصمان ولا يتعاركان ولا يتنافران لم يُعرف في تاريخ الإسلام أن فصلا حصل أو ان عداوة وقعت او ان صراعا قام يوما بين العلم وبين الإيمان .. بل علي العكس تماما ما يتفق مع العقل جاء به الإيمان وما جاء به الإيمان وافق عليه العقل ...
( {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُون إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} )
الإيمان يدعو إلي طلب العلم ولو كان العلم في أطراف الارض والعلم هو طريق الإيمان الحق وكلما زاد العلم زاد الإيمان وقوي الإيمان , والعلم هو طريق العمل الصالح وهو طريق العمل النافع , وفي العلم وقاية من الضلال فيه وقاية من الوقوع فيما حرم الله سبحانه وتعالي ..
الناس يقدمون الأغنياء يقدمون الأقوياء ويرفعون الوجهاء, والله تعالي لا يرفع إلا الذين آمنوا والذين اوتوا العلم يرفعهم الله تعالي درجات ( {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } )
الله تعالي يحب من عباده من كان عالما فالدنيا ملعونة ملعون ما فيها الا ذكر الله تعالى وعالما أو متعلما الله تعالى يحب من عباده من كان فقيها يحب من عباده من كان بصيرا حكيما .. لماذا ؟؟
لأن صاحب العلم والفقه إنما يؤمن عن قناعة يؤمن بقلبه وعقله معا , لا يغمض عينيه , لا يقلد غيره تقليدا أعمى , لا يبيع عقله , إنما يتأمل إنما يتفكر إنما يتدبر الصغيرة قبل الكبيرة
( {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ } )
صاحب العلم والفقه وسعة الفهم إنما يؤمن بعقله وقلبه معا ثم إنه إن دعا إلي الله تعالي فإنما يدعو إلي الله تعالي علي بصيرة ( {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} )
سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ فَقَالَ: «أَتْقَاهُمْ» ، قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ قَالَ: «فَيُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ بْنِ خَلِيلِ اللَّهِ» ، قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ، قَالَ: «فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِي، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا» »
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ الْأَرْضَ، فَكَانَتْ مِنْهُ طَائِفَةٌ قَبِلَتْ فَأَنْبَتَتِ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ، فَنَفَعَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا نَاسًا فَشَرِبُوا فَرَعَوْا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا وَأَسْقَوْا، وَأَصَابَتْ طَائِفَةً مِنْهَا أُخْرَى. إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً. فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَنَفَعَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا بَعَثَنِي بِهِ، وَنَفَعَ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ. وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ» "
أكرم الناس أعلمهم , أحكم الناس افقههم , أخشي الناس لله وأصدق الناس حياء من الله وأشد الناس خوفا من الله تعالي أعرفهم بالله عز وجل .. العلم يثمر أدبا وأخلاقا وكلما زاد علم العبد كلما ازداد تواضعا وحلما وحكمة.. لماذا ؟؟
لأن العلم يفتح العقول والقلوب لتري عظمة الله وقدرة الله وعظمة الله وحكمة الله وجمال صنعة الله تعالي في كل دقيقة وجليلة
( {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ } )
سئل بعضهم عن معني هذه الاية (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) فقال : من كان بالله أعرف كان لله أخوف .
وقال ابن عباس : إنما يخشى الله من عباده العلماء الذين علموا ان الله علي كل شيء قدير
وقيل لسعيد بن ابراهيم من افقه اهل المدينة ؟ قال أتقاهم لله عز وجل .
الخطبة الثانية
بقي لنا في ختام الحديث :
عن الأخوة وعن العلاقة القوية بين العلم وبين الإيمان بقي لنا أن نقول :
إن العلم ضرورة لحياة البشر فبالعلم يُختصرُ الزمان بالعلم يُطوي المكان بالعلم يُقرّبُ البعيد بالعلم يَلين الحديد ..
بالعلم غاص ابن آدم في اعماق الماء وبالعلم طار ابن آدم في الهواء بالعلم وصل الإنسان إلي القمر بالعلم حوّل الإنسان العالم إلي قرية صغيرة لكن هذا العلم وحده غير قادر علي إسعاد البشر هذا العلم وحده غير قادر علي تهذيب الأخلاق ..
من هنا كان لزاما علي البشر ان يتعلموا علما آخر .. علما يهذب الأخلاق علما يربي علي الفضائل علما يضمن للإنسان السعادة في الدنيا والاخرة هذا العلم هو العلم بالله تعالي والعلم باوامر الله تعالي ( بالحلال والحرام ) ( بما يحبه الله وما لا يحبه ) ( بما يرضي الله وما لا يرضيه ) وكل ذلك مسطور في سنة النبي عليه الصلاة والسلام بهذا العلم نفوسنا تسمو وأخلاقنا تعلو وبهذا العلم يعيش الإنسان إنسان....
قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ «تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ؛ فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ لِلَّهِ تَعَالَى خَشْيَةٌ، وَطَلَبَهُ عِبَادَةٌ، وَمُذَاكَرَتَهُ تَسْبِيحٌ، وَالْبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ، وَتَعْلِيمَهُ لِمَنْ لَا يَعْلَمُ صَدَقَةٌ، وَبَذْلَهُ لِأَهْلِهِ قُرْبَةٌ؛ لِأَنَّهُ مَعَالِمُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ... نسأل الله تعالي أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا ..اللهم آمين .
محمد سيد حسين عبد الواحد
إمام وخطيب ومدرس أول.
- التصنيف: