أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون في الدارين
فليجاهد المسلم نفسه، ليكون من أولياء الله، فتندفع عنه المخاوف، والأحزان في الدنيا والآخرة، ومن كان مؤمنًا تقيًا كان لله وليًا، اللهم يا كريم، يا رحمن يا رحيم، اجعلنا من أوليائك، ممن لا خوف عليهم، ولا هم يحزنون، في الدنيا، والآخرة.
{بسم الله الرحمن الرحيم }
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.أما بعد: فمن فضل الله عز وجل، وكرمه على أوليائه: المؤمنين المتقين، أنه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون في الدنيا والآخرة، قال الله سبحانه وتعالى: { ﴿ أَلا إِنَّ أَولِياءَ اللَّـهِ لا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ ﴾} [يونس: 62].
فيوم القيامة يناديهم الله، بما يسرُّ قلوبهم، ويُذهبُ عنهم كل آفة وشر، قال الله سبحانه وتعالى: { ﴿ يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ ﴾ } [الزخرف: 68] فلا يخافون مما يرون من أهوال، تُفزعُ الكفار وأصحاب النار، قال جل وعلا: {﴿ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَـذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ } [الأنبياء: 103] قال العلامة السعدي رحمه الله: {﴿ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ ﴾} أي: لا يقلقهم إذا فزع الناس أكبر فزع، وذلك يوم القيامة، حين تقرب النار تتغيظ على الكافرين والعاصين فيفزع الناس لذلك الأمر، وهؤلاء لا يحزنهم، لعلمهم بما يقدمون عليه، وأن الله قد أمنهم مما يخافون.
وقال الله جل جلاله: {﴿ وَيُنَجِّي اللَّـهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾} [الزمر: 61] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أي: ولا يحزنهم الفزع الأكبر، بل هم آمنون من كل فزع، مزحزحون عن كل شر، نائلون كل خير. وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ولا يمسهم شيء يسوؤهم، لا من عقاب، ولا من توبيخ، ولا غير ذلك.
ويزيد سرورهم ويعظم نعيمهم عندما يُقالُ لهم: ادخلوا الجنة بلا خوف ولا حزن، قال عز وجل: {﴿ ادخُلُوا الجَنَّةَ لا خَوفٌ عَلَيكُم وَلا أَنتُم تَحزَنونَ ﴾} [الأعراف: 49] قال العلامة ابن القيم رحمه الله: قد نفي الله سبحانه عن أهل الجنة الخوف والحزن، فلا يحزنون على ما مضي، ولا يخافون مما يأتي، ولا يطيبُ العيش إلا بذلك.
وبعد دخولهم الجنة، يحمدون الله عز وجل، أن أذهب عنهم الحزن، قال الله سبحانه وتعالى {: ﴿ وقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾} [فاطر: 34 ] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: من فوائد الآية الكريمة: كمال الفرح والسرور لأهل الجنة، لقوله تعالى: { ﴿ أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ﴾} . فإذا كان الحزن منفيًا عنهم كان ذلك دليلًا على كمال سرورهم، وأنه سرور لا يُشابُ بحزن أبدًا، بخلاف سرور الدنيا، فإن سرور الدنيا مهم عظم مشوب بالكدر.
وعند الموت وفي القبر وعند البعث، تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا فيما تستقبلونه مما أمامكم من أهوال، ولا تحزنوا على ما تركتم، قال الله سبحانه وتعالى: {﴿ إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴾} [فصلت: 30] قال الإمام القرطبي رحمه الله: قال وكيع وابن زيد البشرى في ثلاثة مواطن: عند الموت، وفي القبر، وعند البعث.
وفي الدنيا، لا تلحقهم مخاوف أو أحزان، تستمر معهم، وتعيقهم عن القيام بأمور دينهم، وشئون دنياهم، وليس المقصود ألا يصيبهم خوف أو حزن ، فلا بد من في هذه الدنيا من شدائد، وأكدار، تجعل المسلم يحزن، أو يخاف، قال عز وجل: {﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾ } [البلد: 4] قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: ومعناه: لقد خلقنا ابن آدم يكابد الأمور ويُعالجها، فقوله: ﴿ فِي كَبَدٍ ﴾ معناه: في شدة.
والإنسان مهما عظم سروره في الدنيا، فإنه سرور مشوب بالكدر، قال الشاعر:
لا طيبَ للعيشِ ما دامتْ مُنغَّصةً *** لذاتهُ بادكارِ المـوتِ والهَرَمِ
فلا بد من الحزن، والخوف، ولكنه لا يستمر ولا يدوم مع أولياء الله، قال الله سبحانه وتعالى: {﴿ أَلا إِنَّ أَولِياءَ اللَّـهِ لا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ ﴾} [يونس: 62] قال الإمام ابن عطية الاندلسي رحمه الله: قوله: ﴿ لا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ ﴾ يحتمل أن يكون في الآخرة، أي: لا يهتمون بهمها، ولا يخافون عذابًا ولا عقابًا ولا يحزنون لذلك، ويحتمل أن يكون ذلك في الدنيا، أي لا يخافون أحدًا من أهل الدنيا، ولا من أعراضها، ولا يحزنون على ما فاتهم منها، والأول أظهر، والعموم في ذلك صحيح، لا يخافون في الآخرة جملة، ولا في الدنيا الخوف الدنيوي الذي هو في فوت آمالها، وزوال منازلها، وكذلك في الحزن.
وقال العلامة الشوكاني رحمه الله: « والمراد بنفي الخوف عنهم: أنهم لا يخافون أبدًا كما يخاف غيرهم، لأنهم قد قاموا بما أوجب الله عليهم، وانتهوا عن المعاصي التي نهاهم عنها، فهم على ثقة من أنفسهم وحسن ظن بربهم، وكذلك لا يحزنون على فوت مطلب من المطالب، لأنهم يعلمون أن ذلك بقضاء الله وقدره، فيسلمون للقضاء والقدر، ويريحون قلوبهم عن الهمّ والكدر، فصدورهم منشرحة، وجوارحهم نشطة، وقلوبهم مسرورة».
وقال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله: «وأما في الدنيا فلا يخافون مما يخيف غيرهم من الكفار وضعاف الإيمان وعبيد الدنيا، من مكروه يتوقع كلقاء العدو، قال الله: {﴿ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾} [آل عمران: 175] ولا هم يحزنون من مكروه أو ذهاب محبوب وقع بالفعل، كما قال تعالى: {﴿ لكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ ﴾} [الحديد: 23] والمراد أنهم لا يخافون في الدنيا كخوف الكفار، ولا يحزنون كحزنهم...وأما أصل الخوف والحزن فهو من الأعراض البشرية التي لا يسلم منها أحد في الدنيا، وإنما يكون المؤمنون الصالحون أصبر الناس وأرضاهم بسنن الله اعتقادًا وعلمًا بأنه إذا ابتلاهم بشيءٍ مما يخيف أو يحزن فإنما يربيهم بذلك لتكميل نفوسهم وتمحيصها بالجهاد في سبيله، الذي يزاد به أجرهم».
وقال الشيخ محمد الطاهور ابن عاشور رحمه الله: « إذا اعتراهم الخوف لا يلبث أن ينقشع عنهم، وتحلّ عليهم السكينة محله...ثم وإن كانوا يحزنون لما يصيبهم من أمور الدنيا...فذلك حزني وجداني، لا يستقر، بل يزول بالصبر، ولكنهم لا يلحقهم الحزن الدائم».
فليجاهد المسلم نفسه، ليكون من أولياء الله، فتندفع عنه المخاوف، والأحزان في الدنيا والآخرة، ومن كان مؤمنًا تقيًا كان لله وليًا، اللهم يا كريم، يا رحمن يا رحيم، اجعلنا من أوليائك، ممن لا خوف عليهم، ولا هم يحزنون، في الدنيا، والآخرة.
كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
- التصنيف: