الرياضة عند شباب الصحابة

منذ 2020-10-13

تتطلع النفوس دوما للهو والترفيه، وتشكل تبعات الحياة ومشاغلها عاملا يدفع النفس للبحث عن متنفس؛ لذا فإن الباحث في تاريخ مجتمع من المجتمعات في أي عصر لابد أن يقف على مجالات للترفيه والرياضة.

تتطلع النفوس دوما للهو والترفيه، وتشكل تبعات الحياة ومشاغلها عاملا يدفع النفس للبحث عن متنفس؛ لذا فإن الباحث في تاريخ مجتمع من المجتمعات في أي عصر لابد أن يقف على مجالات للترفيه والرياضة.

ويبدو أن هناك تناسبا عكسيا بين عمر الشخص وميله للرياضة والترفيه، فالرياضة لدى الشباب لها مذاق وإقبال غير ما لدى الشيوخ.

فكيف كانت رياضة شباب الصحابة رضوان الله عليهم؟

لنستمع لذلك من أحدهم: وهو الشاب المبارك عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يحكي: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سَابَقَ بَيْنَ الخَيْلِ الَّتِي أُضْمِرَتْ مِنَ الحَفْيَاءِ، وَأَمَدُهَا ثَنِيَّةُ الوَدَاعِ، وَسَابَقَ بَيْنَ الخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضْمَرْ مِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ»، وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ فِيمَنْ سَابَقَ بِهَا. رواه البخاري ومسلم.

لقد أدرك شباب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وهم يعشقون الجهاد ويشاركون فيه ـ أنه لابد من الإعداد والتدريب؛ فأخذوا بوصية النبي عليه الصلاة والسلام: «ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي» [رواه مسلم].

وقد أخذوا بكل أسباب القوة الإيمانية منها والجسدية، وكذلك آلة الحرب وتجهيز البدن، فمن ذلك قصة سلمة ين الأكوع رضي الله عنه في أثناء روايته لغزوة بني قرد قال: " فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «كَانَ خَيْرَ فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ أَبُو قَتَادَةَ، وَخَيْرَ رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ»، قَالَ: ثُمَّ أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمَيْنِ سَهْمَ الْفَارِسِ، وَسَهْمَ الرَّاجِلِ، فَجَمَعَهُمَا لِي جَمِيعًا، ثُمَّ أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَاءَهُ عَلَى الْعَضْبَاءِ رَاجِعِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ: فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ، قَالَ: وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ لَا يُسْبَقُ شَدًّا، قَالَ: فَجَعَلَ يَقُولُ: أَلَا مُسَابِقٌ إِلَى الْمَدِينَةِ؟ هَلْ مِنْ مُسَابِقٍ؟ فَجَعَلَ يُعِيدُ ذَلِكَ قَالَ: فَلَمَّا سَمِعْتُ كَلَامَهُ، قُلْتُ: أَمَا تُكْرِمُ كَرِيمًا، وَلَا تَهَابُ شَرِيفًا، قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي وَأُمِّي، ذَرْنِي فَلِأُسَابِقَ الرَّجُلَ، قَالَ: إِنْ شِئْتَ، قَالَ: قُلْتُ: اذْهَبْ إِلَيْكَ وَثَنَيْتُ رِجْلَيَّ، فَطَفَرْتُ فَعَدَوْتُ، قَالَ: فَرَبَطْتُ عَلَيْهِ شَرَفًا - أَوْ شَرَفَيْنِ - أَسْتَبْقِي نَفَسِي، ثُمَّ عَدَوْتُ فِي إِثْرِهِ، فَرَبَطْتُ عَلَيْهِ شَرَفًا - أَوْ شَرَفَيْنِ، ثُمَّ إِنِّي رَفَعْتُ حَتَّى أَلْحَقَهُ، قَالَ: فَأَصُكُّهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، قَالَ: قُلْتُ: قَدْ سُبِقْتَ وَاللَّهِ، قَالَ: أَنَا أَظُنُّ، قَالَ : فَسَبَقْتُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ".

كان هذا نوعا من المسابقة والمزاح، وهو في ذات الوقت تدريب وتجهيز للنفس وإعداد للعدة.
وهكذا تتعانق الرياضة وبرامج الترفيه لدى هؤلاء مع الأهداف السامية الطموحة العالية، وتمثل رصيدا زائدا يدفع لمزيد من الجدية والنشاط، فالترفيه عند هؤلاء ما أوصل إلى أهداف ونتائج سامية.
وقد أخذوا هذا المبدأ من قوله صلوات ربي وسلامه عليه:
«لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر». (رواه أحمد الترمذي وأبو داود).

وحيث كانت الرياضة لدى هؤلاء وسيلة لغاية عظمى، فهل يمكن أن تشغلهم عن فريضة من الفرائض أو طاعة من الطاعات؟

شبابنا والرياضة
وحين نعود لعصرنا ونفتح صفحة من حياة بعض شباب الأمة ندرك البون الشاسع بين رياضة هؤلاء وأولئك، فكم يفعل التعلق بالكرة في نفوس أصحابه، إنه يأخذ نفيس أوقاتهم متابعة ومشاهدة، وقراءة للصحف قبل المسابقات وبعدها، وتنازعا ونقاشا وإحنا وتبدلا للعواطف بين رضا وسخط، وتفريغا للحماس فيما لا فائدة منه، ناهيك عن إضاعة الصلوات والواجبات والتنازع والتشاجر.

وندرك أيضا حينها سر عناية الأعداء بالترويج لهذه المشاغل لدى الشباب لصرفهم عن القضايا الكبار العظام.

فما أجدر شباب الأمة أن يعودوا لدراسة سير سلفهم الصالح، وفرطهم المبارك رضوان الله عليهم أجمعين.
_________________________________________________

اسم الكاتب: د.محمد الدويش