حق الناس في اختيار من يحكمهم بين الإسلام والديمقراطية!!
بمعنى أن الأمر لا يترك لمن شاء أن يترشح، ولا يترك للعوام يحددون ما يريدون، وإنما يكون خيار من مختار بعناية. وهذا يفعلونه في بلادهم ولا يفعلونه في بلادنا!!
مع الانتخابات الرئاسية الأمريكية يثور سؤال حول مدى أحقية الناس في اختيار من يحكمهم في الإسلام. وحين تسأل لا تجيب. بل عليك أن تدور حول السؤال وتعيد النظر فيه مرة بعد مرة وتحاول أن تتعرف على السياق الذي أفرزه والهدف الذي يسعى إليه، فالسؤال سهم، وفخ، ولا يبقى الحال بعد السؤال كما قد كان قبله، هذا إن رمي به ذو عقل.
وهذا السؤال في ظاهره يبحث عن شرعية العملية الانتخابية، وفي باطنه يستهدف شرعنة الديمقراطية وتحسينها في عين المسلمين بعرض حال القوم وهم يختارون من يحكمهم، وكأن الحاكم عندهم طوع الرعية، وكأن تحكم العوام (إن حدث) فيمن يحكمهم أمر محمود ومنشود!!
ونجيب بما يناسب خاطرة فكرية:
لم يحدد الإسلام طريقة لاختيار الحاكم، فقد ترك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الأمر للصحابة، رضوان الله عليهم، واجتمعوا على أبي بكر الصديق؛ وعيَّن أبو بكر شخصًا بعينه (عمر)؛ وحدد عمرُ عددًا (ستة) ليختار الناس أحدهم، ثم كان الحكم مغالبةً ووراثة وسكت عنه الأئمة من التابعين. فالأمر متروك للسياق الزماني والمكاني هذا ما كان عليه القرون الأولى التي أمرنا بالاقتداء بهم {فَإِنۡ ءَامَنُواْ بِمِثۡلِ مَآ ءَامَنتُم بِهِۦ فَقَدِ ٱهۡتَدَواْۖ وَّإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا هُمۡ فِي شِقَاقٖۖ} (البقرة: 137).
ومن الظلم، بل من التضليل، اعتبار أن اختيار الناس لمن يحكمهم هو عين الحرية أو بابها الواسع. في النموذج الإسلامي مساحة الحكم (السلطة) محدودة بشكل كبير، فالحاكم لا سلطة له إلا على الجيش (الذي لا يتواجد إلا على الثغور)، والشرطة وهي فقط لتنفيذ أحكام القضاء، والقضاء مشترك بين الحاكم والجمهور (يعين الحاكم القاضي ويستطيع الجمهور عزله إن شهد عليه بالفسق والجور في الحكم). وباقي المجتمع في يد الناس، ويدار عن طريق الوقف واستطاع المجتمع أن يضمن حريته كاملة بالوقف وبتقديم أهل العلم وأهل الحل والعقد وأهل المروءات لا من شاء أن يتقدم، واعتبار أن الأسرة مجتمع، وأهل المسجد الواحد مجتمع، وأهل القرية/ المدينة مجتمع يتكافلون فيما بينهم ويبذلون فروض الأعيان ثم يتنادون لفروض الكفايات التي تتحول لفروض أعيان إن لم تجد من يقوم بها، ومن شاء يطالع عن الوقف في الإسلام، وكيف أنه وفر للمجتمع استقلالية تحميه من ظلم الحكام وتطاول الأغنياء وتعدي الفقراء، بخلاف نموذج الحكم المعاصر (الدولة القومية الحديثة) والذي فيه تتحكم السلطة بما تسيطر عليه من مؤسسات تنفيذية في كل شيء، حتى العمل الخيري، ولا يستطيع الفرد/ الأسرة/ المجتمع الصغير أن ينال حريته في وجود مؤسسات الدولة التي تسيطر وتدير كل أمور الحياة حتى وإن اختار الحاكم كما يحدث في المجتمع الأمريكي.
فما يقال في النموذج الإسلامي لا يقال في النموذج العلماني. هذا نموذج وهذا نموذج. هذه منظومة لإدارة الحياة وتلك منظومة أخرى لإدارة الحياة والفرد في المجتمع الإسلامي في بحبوحة، وبعيد جدًا عن الحكم وتقلباته اختار الحاكم أم لم يختاره.
وحق الناس في اختيار من يحكمهم شرعي، من الإسلام، يوجد هذا في بعض صور اختيار الحاكم وليس كلها (كما حدث في أخذ أراء الناس في "علي بن أبي طالب" أم "عثمان بن عفان" حين استقر الأمر على أحدهما)؛ ولكن ثمة شيء لابد من الالتفات إليه، وهو: أن عوام الناس لا يختارون مباشرة بل يختارون ممن تختارهم النخبة. بمعنى أن عملية الاختيار يجب أن تتم على مرحلتين:
الأولى: تقوم النخبة باختيار عدد محدود من يصلحون للحكم (كما فعل عمر)، وكما يفعل الأمريكان الآن.
والثانية: يأتي العوام ويختارون من الذين اختارهم النخبة.
بمعنى أن الأمر لا يترك لمن شاء أن يترشح، ولا يترك للعوام يحددون ما يريدون، وإنما يكون خيار من مختار بعناية. وهذا يفعلونه في بلادهم ولا يفعلونه في بلادنا!!
الخلاصة الديمقراطية شيء والإسلام شيء آخر، وحرية الناس في الإسلام تتمثل في إدارتهم لشئون حياتهم وليس في اختيار الحاكم فقط. فالمجتمع المسلم مستقل عن الحاكم يدار بأهل العلم (وهم العلماء العاملون)، ويدار بأهل الحل والعقد وأهل المروءات، وبعيد بنسبة كبيرة جدًا عن الحاكم (السلطة).
محمد جلال القصاص
ربيع أول 1442
اكتوبر2020
- التصنيف: