هل أنت موفق أم مخذول؟ أعمال مجهودها يسير!.. وخيرها كثير!

منذ 2020-11-18

من روائع المقولات أن (عبادات أهل الغفلة عادات، وعادات أهل اليقظة عبادات)، والمطلوب هنا أن تجعل نية صالحة لحياتك اليومية وما تقوم بشكل تلقائي: العمل، الدراسة، النوم، الأكل ...

من رحمة الله سبحانه وتعالى بهذه الأمة أن جازاها الأجر الكثير على العمل اليسير، وأعطاها المضاعفة في الحسنات مع قلة الأوقات؛ قال تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [الأنعام: 160]، وفي الحديث: «أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ، وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ» [1]، فأعمار هذه الأمة وإن كانت قصيرة مقارنة بالأمم السابقة، إلا أن الله سبحانه وتعالى من رحمته يسَّر لها من فضله اكتساب الحسنات الكثيرة من غير كثير مشقة، وهناك من الأعمال من اليسر بمكان نذكر بعضا منها:

النية الصالحة:

من روائع المقولات أن (عبادات أهل الغفلة عادات، وعادات أهل اليقظة عبادات)، والمطلوب هنا أن تجعل نية صالحة لحياتك اليومية وما تقوم بشكل تلقائي: العمل، الدراسة، النوم، الأكل ... ألم نسمع قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «وفي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، أَيَأتي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكونُ له فِيهَا أَجْرٌ؟ قالَ: أَرَأَيْتُمْ لو وَضَعَهَا في حَرَامٍ أَكانَ عليه فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذلكَ إذَا وَضَعَهَا في الحَلَالِ كانَ له أَجْرٌ» (مسلم: 1006)، وهذا أيضًا يشمل العمل، فـ«إن كان خرج يسعى على ولده صغارًا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها، فهو في سبيل الله» [2]، وهَلُمَّ جرًّا، والإخلاص المطلوب هو (أن تريد بقلبك وعملك وفعلك رضاء الله...)[3]، فراقب نيتك في عبادتك؛ ليتقبلها الله عز وجل، ولتكون أعظم أجرًا، واستحضر النية الصالحة في عاداتك لتكون عاداتك طريقًا لحسناتك.

 

التفكر:

التفكر عبادة، هذا ما لا يعرفه الكثير الذي يظنون أن العبادة محصورة في الأعمال الظاهرة كالصلاة وغيرها، لذلك يغفل الكثير من الناس عن هذه العبادة مع سهولتها، فهي لا تحتاج إلى جهد، ولا تتطلب إنفاق مالٍ، و(الواجب أن يتفكَّر كل امرئ على قَدْر ما حباه الله من عقل وفَهْم؛ قال تعالى: {قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [يونس من الآية:101]، {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ}  [الذاريات:21] [4]، والتفكر (يبدأ بعمليات سهلة بسيطة يلتفت فيها القلب إلى عظيم الآيات المبهرة وعظيم قدرة الله في خَلْقه، وجلاله في فِعْلِه وتدبيره، في عملية يسيرة لا تحتاج في بدايتها لكبير مجاهدة، ترتقي إلى درجات أعلى في معانيها وأعمق في تأثيرها)[5]، والتفكر مهم جدًّا، فـ(تفكُّر ساعة خير من عبادة سنة، فالفكر هو الذي ينقل من موت الفطنة إلى حياة اليقظة، ومن المكاره إلى المحابِّ، ومن الرغبة والحرص إلى الزهد والقناعة، ومن سجن الدنيا إلى فضاء الآخرة...)[6]، وللتفكر فوائد جليلة، (ما طالت فكرة امرئ قط إلا فَهِم، وما فَهِم إلا علم، وما علم إلا عمل)[7]، فانظر كل يوم في نفسك، {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 21]، في طعامك: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ}  [عبس: 24]، في كل شيء تراه وما لا تراه، في نومك، كما قال الشيخ أبو سليمان رحمه الله تعالى) :إني لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله فيه نعمة ولي فيه عبرة)، فليكن ديدنك وحالك كما وصف الله عباده بقوله: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}  [آل عمران: 191].

 

التبسم:

إن الابتسامة لا تكلف شيئًا، بل هي مكسب عظيم، وصدقة تُدَّخَر، «تبسُّمك في وجه أخيك لك صدقة) [8]، و(البشاشة مصيدةُ القلوب)؛ كما جاء عن ابن عيينة رحمه الله، وقال ابن بطَّال: (فيه أنَّ لقاء النَّاس بالتَّبسُّم، وطلاقة الوجه، من أخلاق النُّبوة، وهو مناف للتكبُّر، وجالب للمودَّة)[9]، فعليك أخي سلَّمك الله بالإكثار من التبسم، وجعلها لك سجية، تحصد بذلك الكثير من الصدقات والصداقات، وتجلب مودة الناس لك بلا مجهود يذكر وهذا ديدن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فعن جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه قال: (ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت إلا تبسَّم في وجهي)[10]، ولعله لسهولة هذه العبادة فإن النبي صلى الله عليه وسلم نبَّه إلى عدم احتقارها، فقد روى مسلم (2626) عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه، قال: قال لي النَّبي صلى الله عليه وسلم: «لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْق»، فلا تبخل على نفسك بالابتسامة، فهي صدقة تتصدق بها على نفسك بالأجر وانشراح الصدر، وعلى غيرك بإدخال السرور عليه، {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} [محمد: 38]، فـ (الابتسامة أقصر طريق إلى القلوب، وأقرب باب إلى النفوس الابتسامة المشرقة، فهي أقوى قوانين الجاذبية للقلوب والأرواح، وللابتسامة سحر خلاب يستميل القلوب ويأخذ بالألباب، والمبتسمون أحسن الناس مزاجًا وأهنؤهم عيشًا وأطيبهم نفسًا)[11].

 

السلام:

السلام بريد المحبة ووقودها، وقائدها إلى جنات النعيم؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ»[12]، ومن عظيم أمر السلام أنه تحية أهل الجنة، {وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ} [يونس: 10]، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه ويأمرهم بإفشاء السلام؛ فعن البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع، وذكر منها: (وإفشاء السلام)[13]، ولذلك فـ«إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام»[14]، أما عن أجر السلام فـ(من قال: (السلامُ عليكم)، كُتِبَتْ له عشرُ حسناتٍ، ومن قال: (السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ)، كُتِبت له عشرون حسنةً، ومن قال: (السلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه)، كُتِبَتْ له ثلاثونَ حسنةً)[15]، فما أسهل العمل وأيسره وما أعظم الأجر وأكثره، فكم من الناس تلاقي من خروجكن وكم هو مغبون من فرط في مثل هذه الكنوز، نسأل الله ألا يحرمنا فضله.

 

الانتظار قبل أو بعد الصلاة:

منزلة الصلاة في الإسلام عظيمة، فهي عمود الدين، والركن الثاني من أركانه العظام، وصلة بين العبد وربه، {وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلاَةُ}[16]، ولما كانت الصلاة بهذه المنزلة فإن مجرد المشي إلى الصلاة أو الانتظار قبلها أو بعدها، فيه أجور عظيمة، والتَّلبس بعبادة جليلة، «وَلَمْ تَزَالُوا فِي صَلَاةٍ مُنْذُ انْتَظَرْتُمُوهَا»[17]، فمن انتظر الصلاة فكأنما هو في صلاة، فماذا عليك لو تقدمت قليلًا، فتجعل صلاتك أطْوَل مِنْ غيرِ كثير مشقة، فإنه «لا يَزالُ أحَدُكُمْ في صَلاةٍ ما دامَتِ الصَّلاةُ تَحْبِسُهُ» [18]، وأيضًا فانتظارك أخي المبارك بعد الصلاة ولو قليلًا، فإن «المَلائِكَةُ تُصَلِّي علَى أحَدِكُمْ ما دامَ في مُصَلّاهُ، ما لَمْ يُحْدِثْ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ له، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ» [19]، فليس كل وقت يكون الإنسان مشغولًا، فلا تحرم نفسك الخير ودعاء الملائكة لك الذين {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].

 

قراءة القرآن:

فيما مضى كنا نلاحظ بعض الناس يحمل معه مصحفًا في جيبه يقرأ منه متى تسنَّى له ذلك، الكثير يحب أن يفعل ذلك لكن يستثقل حمل المصحف، الآن بفضل الله تعالى أصبح وجود مصحف يتْبَعُك إلى كل مكان أمر في غاية اليسر والسهولة، فما عليك إلا أن تفتح جوالك لتقرأ ولو بضع آيات كلما تسنى لك ذلك، ولا سيما في أوقات الانتظار وغيرها من الأوقات البينية التي تذهب هدرًا، فلو أنك قرأت صفحة، فهذا خير كثير، فـ«من قرأ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حسنةٌ والحسنةُ بعشرِ أمثالِها، لا أقولُ {ألم} حرفٌ، لكن ألفٌ حرفٌ ولامٌ حرفٌ وميمٌ حرفٌ»[20]، وحثنا رسولنا الكريم عليه الصلاة السلام على تلاوة القرآن، فقال: «اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ»[21]، بل إن هناك تطبيق كل ما فتحت جواك يعرض لك آية واحدة لتقرأها، فكم تأخذ من وقتك وكم تضيف إلى أجرك.

 

طلب العلم:

من منا يذكر البيت التالي: ( لكل زمان مضى آية *** وآية هذا الزمان الشريط)، في الحقيقة الآن أصبح الشريط شيئًا من الماضي، بل إنَّ بعض الشباب لا يعرفه أصلًا، ويسَّر الله تعالى لنا من الإمكانات بحيث يصبح معها الشريط لعبة أطفال، فما تحتويه آلاف الأشرطة يبتلعه قرص صلب واحد، أما شبكة الإنترنت ففيها مئات الآلاف من الساعات الصوتية والمرئية المتاحة بيسر وسهولة، فلا تحرم نفسك طلب العلم ولو كنت أشغل المشغولين، فـ(طلب العلم أفضل من صلاة النافلة)؛ كما يقول الشافعي رحمه الله: و(مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)، فإليك بعض الوسائل لطب العلم المتاحة تقريبًا لكل أحد:

• اجعل في جوالك تطبيقات وكتبًا ميسرة في أبواب العلم من عقيدة وفقه وسيرة وغير ذلك، واقرأها كلما تسنى لك ذلك، والأفضل أن تحدد وقتًا خاصًّا للقراءة لا تفرط فيه أبدًا، فإن القليل مع القليل يكثر، وإنما السيل اجتماع النقط.

 

• الاستماع أيسر من القراءة، فاستمع أثناء قيادتك لسيارتك أو حتى مشيك حين ذهابك ومجيئك للعمل، والمرأة في بيتها تستطيع أن تستمع لخير كثير، وتحصِّل علمًا غزيرًا، بينما تعمل في بيتها، وهكذا، فالكثير من المواد النافعة والحمد لله متوفر؛ كشروح المتون والتفسير والفتاوى، فبالاستماع تتحصل على خير كثير وعلم غزير، وبإمكانك الاستماع في أوقات كثيرة حتى أثناء الأكل، كما أن الكثير من الأعمال يمكن القيام بها مع الاستماع، وهذه هي الغنيمة الباردة.

 

• إن استطعت أن تجعل مرورك على وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها وجلوسك أمام شاشة تلفازك لا يخلو من فائدة، فافعل، فاجعل ترفيهك فائدة، واستمتاعك علمًا.

 

نشر العلم:

إذا كان طلب العلم ميسورًا في هذا الزمان، فنشر العلم أيسر وأيسر - ولله الحمد والمنة - لكن الناس مع النشر أنواع:

• منهم من ينشر الشر وهذا بشرِّ المنازل؛ لأنه «مَن دَعا إلى ضَلالَةٍ، كانَ عليه مِنَ الإثْمِ مِثْلُ آثامِ مَن تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذلكَ مِن آثامِهِمْ شيئًا»[22]، فسيِّئاتُه قد تستمر بعد موتِه إذا لم يتداركه الله بتوبة صادقة.

 

• ومنهم من يحبُّ نشرَ الخير، لكن لا يُوفَّق، فربما نشر البدع والأحاديث الضعيفة والمكذوبة من حيث لا يدري، (وكم من مُريدٍ للخيرِ لن يُصيبَه)[23]؛ كما جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه.

 

• ومنهم من لا ينشر شرًّا ولا خيرًا، وهذا وإن كان سَلِمَ من نشر الظلال إلا أنه فوَّت على نفسه خيرًا كثيرًا في متناول يده، ف«مَن دعا إلى هُدًى كان له مِن الأجرِ مِثْلُ أجورِ مَن تبِعهُ لا ينقُصُ ذلك مِن أجورِهم شيئًا»[24].

 

• والصنف الأخير الذي يحب الخير ونفع الناس، فـ ( «أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ» )[25]، ولا سيما في بثِّ العلم الشرعي، فقد جاء عن عبدالله بن المبارك رحمه الله أنه قال: (لا أعلم بعد النبوة أفضل من بثِّ العلم)[26]، ونشر العلم مما ينفع الإنسان بعد موته، فإنه «إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له»[27]، ونشر العلم الذي ينتفع من أيسر ما يكون في هذا الزمان، فما هي إلا لمسَة قد تؤدي إلى هداية فئام من الناس، وتنتشر في الآفاق وتتضخم ككرة ثلج تتدحرج، ومن ثم تتحول إلى نهر جارٍ من الحسنات، تستمر في الحياة وبعد الممات.

 

الذكر:

جاء في الحديث المشهور: «كَلِمَتانِ خَفِيفَتانِ علَى اللِّسانِ، ثَقِيلَتانِ في المِيزانِ، حَبِيبَتانِ إلى الرَّحْمَنِ: سُبْحانَ اللَّهِ العَظِيمِ، سُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ» [28]، فتأمل في قوله: (خَفِيفَتانِ علَى اللِّسانِ)، فذكر الله تعالى من أيسر العبادات وأسهلها، ولا يحتاج إلى جُهْد ولا مال، وغير محدود بزمان ولا مكان، هذا مع عِظَم منزلته ورفيع شأنه؛ قال تعالى: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ} [العنكبوت: 45]، ويكفينا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعمَالِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ، وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى» [29]، وفضائل الذكر كثيرة وفوائده جمَّة يمكن الرجوع إليها في مضانها، فالحرص الحرص على ذكر الله دائمًا وأبدًا، فقد (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يذكرُ اللهَ على كلِّ أحيانِه)[30]، وكانت وصيته لأحد أصحابه: «لا يزالُ لسانُكَ رَطبًا مِن ذكرِ اللهِ تعالَى» [31]، فالله الله في الذكر، اذكر الله في بيتك، في عملك، على فراشك، وأنت راكب، أو ماشٍ، فما أيسر ذكر الله، وما أكثر الغافلين عنه، لهذا حذَّر الله تعالى من ذلك بقوله: {وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: 205].

 

حسن الخلق:

طبيعة الحياة تقتضي أن يختلط الإنسان بمن في محيطه ويؤثِّر عليهم، أو يتأثَّر بهم، والناس في ذلك ضروب كثيرة، فمنهم السهل ومنهم الشديد، وهناك الغضوب وغير ذلك، غير أن السعيد في هؤلاء من حُسن خلقه؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أربعٌ إذا كنَّ فيك، فلا عليك ما فاتك من الدنيا، صدْقُ الحديثِ، وحفْظُ الأمانةِ، وحُسْنُ الخُلقِ، وعفَّةُ مَطْعَمٍ» [32]، فمن حَسُنَ خلُقُه مع صلاح نيته، فليبشر فقد (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة، فقال: «تقوى الله وحسن الخلق) [33]، و«أحبُّ عبادِ الله إلى الله أحسنهم خلقًا»[34]، ولِحَسَنِ الأخلاق أجرٌ عظيم عند الله جل وعلا، فإنه «ما من شيء في الميزان أثقل من حُسن الخلق» [35]، فجاهد نفسك أن تعامل الناس بما تحِب أن يعاملوك به ابتغاء وجه الله تعالى، وطلب مرضاته، وهذا يسير على من يسره الله عليه، ولهذا كان من دعاء نبينا صلى الله عليه وسلم: «اللَّهمَّ كما حَسَّنتَ خَلقي، فحسِّن خُلُقي» [36]، كما كان يتعوذ من ضد ذلك: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشِّقَاقِ، وَالنِّفَاقِ، وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ» [37].

 

كف الأذى:

من عظم الشريعة الإسلامية ومن فضْلِ الله تعالى - أن بذل الخير للغير له أجر، وأيضًا كفُّ الأذى عن الغير له أجر، فسبحان الله، فإن لم تنفع غيرك، كف عنهم شرَّك، فإنَّ «المسلِمُ من سلمَ المسلمونَ من لسانِهِ ويدِهِ، والمؤمنُ من أمنَهُ النَّاسُ على دمائِهم وأموالِهم»، وقد قال أبو ذر رضي الله عنه: (يا رَسولَ اللهِ، أرَأَيْتَ إنْ ضَعُفْتُ عن بَعْضِ العَمَلِ؟ قالَ: «تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ، فإنَّها صَدَقَةٌ مِنْكَ علَى نَفْسِكَ» [38]، فاحتسب الأجر في إمساك شرِّك عن غيرك، (فإنَّها صَدَقَةٌ مِنْكَ علَى نَفْسِكَ)، وأكثر ما يُؤْذَى به اللسان، فقد قال معاذ رضي الله عنه: (يَا نبيَّ اللهِ، وإنَّا لمُؤاخذونَ بما نتكلَّمُ بهِ، فقال: «ثَكِلَتْكَ أمُّكَ يا معاذُ، وهل يَكُبُّ الناسَ في النارِ على وجوهِهم أو على مناخرِهم إلا حصائدُ ألسنتِهم» فإن ملكتك لسانك فقد كففتَ معظم شرِّك عن الناس، وهي (صَدَقَةٌ مِنْكَ علَى نَفْسِكَ)، فلا تبخل على نفسك، {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ}  [محمد: 38].

 

وهناك الكثير والكثير من يسير الأعمال ذات الأجور الكثيرة؛ كالصدقة اليسيرة والكلمة الليِّنة، و«لِيَقِ أحَدُكم وجهَه النارَ ولو بشِقِّ تَمْرةٍ، فإنْ لم يجِدْ فبكَلِمةٍ طيِّبةٍ» [39]، وإدخال السرور على المسلمين، فـ «أحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفعُهُمْ، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ تُدخِلُهُ على مُسلِمٍ» [40]، وقضاء حوائج المسلمين، فـ«كل معروف صدقة»[41]، «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» [42].

 

وفي الختام تأمَّل يا أخي هذا الحديث، فهو أعجوبة ويندرج تحته الكثير مما ذُكِرَ سابقًا؛ حيث يقول رسولنا صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعُهم للناسِ، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ، تَكشِفُ عنه كُربةً، أو تقضِي عنه دَيْنًا، أو تَطرُدُ عنه جوعًا، ولأَنْ أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ، أَحَبُّ إليَّ من أن اعتكِفَ في هذا المسجدِ يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا، ومن كظَم غيظَه ولو شاء أن يُمضِيَه أمضاه، ملأ اللهُ قلبَه يومَ القيامةِ رِضًا، ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى يَقضِيَها له، ثبَّتَ اللهُ قدمَيه يومَ تزولُ الأقدامُ» [43].

 

نسأل الله أن يثبت أقدامنا يوم تزل الأقدام.


[1] صحيح الترمذي (3550).

[2] الطبراني، صحيح الترغيب (1692).

[3] الإخلاص طريق الخلاص لـ عبدالهادي بن حسن وهبي (23).

[4] التفكُّر؛ عبادة ربانية وضرورة دعوية (مجلة البيان).

[5] التفكُّر؛ عبادة ربانية وضرورة دعوية (مجلة البيان).

[6] مفتاح دار السعادة (183).

[7] من كلام وهب بن منبه، تفسير ابن كثير، آل عمران 190.

[8] صحيح الترمذي (1956).

[9] ((شرح صحيح البخاري)) (5/193).

[10] أخرجه البخاري (3035).

[11] فن الابتسامة-شائع بن محمد الغبيشي.

[12] مسلم (54).

[13] البخاري (6235).

[14] أبو داود (5197).

[15] صحيح الترغيب والترهيب (2711 ).

[16] السلسة الصحيحة (115).

[17] البخاري (261).

[18] البخاري (659).

[19] البخاري (659).

[20] أخرجه الترمذي (2910).

[21] صحيح مسلم (804).

[22] صحيح مسلم (2674).

[23] السلسلة الصحيحة 5/11.

[24] أخرجه مسلم (2674).

[25] السلسلة الصحيحة (906).

[26] سير أعلام النبلاء: 8/ 387.

[27] صحيح مسلم (1631).

[28] أخرجه البخاري (6406)، ومسلم (2694).

[29] انظر مجموع فتاوى ابن باز 26/15.

[30] مسلم (373).

[31] الكلم الطيب (3)، وصححه الألباني.

[32] صحيح الجامع (873).

[33] حسنه الألباني في ((صحيح الترغيب)) (2642).

[34] واه الحاكم، والطبراني، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.

[35] صحيح الجامع (5628).

[36] إرواء الغليل 74.

[37] سنن أبي داود 1546 وقال الأرنؤوط: صحيح لغيره.

[38] البخاري (2518)، ومسلم (84).

[39] صحيح الترمذي (2953).

[40] صحيح الجامع (167).

[41] البخاري 6021، ومسلم 1005.

[42] مسلم 2699.

[43] صحيح الترغيب (2623).

_______________________________________

الكاتب: سالم محمد أحمد