حاجة المجتمع إلى التضامن في زمن الوباء
في زمن الوباء، نحتاج أكثر إلى التعاون والتكافل الاجتماعي؛ حتى يكون كل فرد منا مشاركا في المحافظة على سفينتنا، على وطننا ومجتمعنا وأمننا وسلامتنا، حتى نخرج من هذه الأمواج المتلاطمة، وهذه المحن المتتالية، إلى بر الأمان بأمن وسلام.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
إخوتي الكرام؛ من ثوابت هذا الدين وأخلاقه: التعاون، والتضامن، والتراحم، والتكافل، قيم إسلامية، قيم حضارية، قيم إنسانية، أمرَ الله تعالى بها في كتابه، ودعا إليها نبينا صلى الله عليه وسلم في سنته.
وتزداد أهمية هذه القيم العليا والأخلاق السامية عندما تكون الحاجة إليها أشد. ونحن نعيش الآن أيامَ الطوارئ الصحية، والحجر الصحي، فلا شك أن من إخواننا وأخواتنا من انقطع عملهم، وتوقف دخلهم، فهم في أشد الحاجة من أي وقت مضى إلى التضامن معهم، وإدخال السرور عليهم.. هناك أرامل، هناك أيتام، هناك محتاجون، هناك مُعَطلون..
فالتعاون والتضامن واجب ديني وضرورة اجتماعية، وربنا عز وجل يدعونا إلى التعاون والتضامن فيقول سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ».
في زمن الوباء، نحتاج إلى أن نكون "كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، و"كالبنيان يشد بعضه بعضا"، وكاليد مع العين، إذا تألمت اليد بكت العين، وإذا بكت العين مسحتها اليد.
في زمن الوباء، نحتاج إلى البذل والسخاء؛ فكثير منا عنده من القوت ما يفوق حاجته، ومنا من لا يجد قوت يومه، ونبينا صلى الله عليه وسلم يحثنا على أن ننفق مما فضل عن حاجياتنا وضرورياتنا؛ ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ، قَالَ: فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالاً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ زَادَ لَهُ». قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ، حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لاَ حَقَّ لأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ.
في زمن الشدة والوباء، تشتد حاجتنا إلى التعاون والتضامن؛ فالتعاون حضارة، والتعاون تقدم، والتعاون قوة.
والمسلمون أهْلُ جُود وكرم، وسخاء وإحسان، وقد أعرَبوا عن ذلك في كثير من المواقف قديما وحديثا، ومن ذلك ما نراه اليوم من إقبال كبير على التبرع لفائدة الصندوق المعدّ لمكافحة فيروس كورونا والتقليل من آثاره وأضراره. هذا إلى جانب وقوف كثير من المحسنين بسخاء في هذه الأيام خاصة مع إخوانهم المحتاجين المعوزين، من الفقراء والأرامل والأيتام.
في زمن الوباء، نحتاج أكثر إلى التعاون والتكافل الاجتماعي؛ حتى يكون كل فرد منا مشاركا في المحافظة على أمن البلد وسلامته، وعلى المصالح العامة والخاصة، ودفع المفاسد والأضرار المادية والمعنوية، يأخذ كل واحد منا بيد أخيه ناصحا وموجها ومعلما ومتضامنا، ومتسامحا، فنحن رُكّابُ سفينة واحدة، إن نجوْنا نجونا جميعا، وإن غَرِقنا غرقنا جميعًا.. وقد قال حبيبنا المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا». فلنحافظ جميعا على سفينتنا، على وطننا ومجتمعنا وأمننا وسلامتنا، حتى نخرج من هذه الأمواج المتلاطمة، وهذه المحن المتتالية، إلى بر الأمان بأمن وسلام.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا إخوانا متحابين، على الخير متعاونين.
ونسأل الله تعالى أن يديم علينا نعمه، ويكشف عنا السوء، ويحفظنا من البلاء والوباء. آمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
- التصنيف:
- المصدر: