العلوم الإنسانية روح التكوين الحضاري وعقله
وفي المقابل أهملت الكليات الإنسانية وأصبحت لا يلتحق بها إلا من عجز عن الالتحاق بنظائرها التطبيقية
تستمد العلوم الإنسانية أهميتها الرئيسة في النهوض الحضاري من قدرتها على تشخيص الواقع والوقوف على مواطن ضعفه وقوته وتوجيهه نحو المستقبل؛ لأنها تمكن الملم بها من فهم الإنسان والعوامل المؤثرة فيه كفرد أو جماعة ومن ثم التحكم فيه، ومن استطاع التحكم في الإنسان فردا وجماعة استطاع التغيير والإصلاح.
وإذا كانت العلوم التطبيقية تمثل الجسد في الحضارة فإن العلوم الإنسانية تمثل الروح والعقل الذي يحرك الجسد، وإذا كانت الأولي تعني بالبناء والتعمير فإن الأخيرة تعني ببناء من يبني البناء ويعمره.
والقاعدة الشريعية تقتضي أن الوسائل تأخذ حكم المقاصد؛ لذلك حتى تتمكن أمتنا من النهوض والإضافة إلى الإنسانية برسالتها الخاتمة، لابد أن يتوافر في القائمين على أمرها بدأ من الأب في أسرته والمعلم في فصله..قدرا كافيا من العلوم الإنسانية يستطيع من خلاله التأثير فيمن تحت مسئوليته، وإلا أصبح كلامه وتوجيهاته مجرد سرد للمعلومات مجوف من أي مشاعر إنسانية تؤثر في الوجدان الذي يفجر الطاقات.
ونظرا لتخلف أمتنا في الجانب المادي من الحضارة فقد اتجهت بكل إمكاناتها نحو العلوم التطبيقية حتى أتخمت جامعاتنا بالكليات التطبيقية وإطلق عليها "كليات القمة" وفي المقابل أهملت الكليات الإنسانية وأصبحت لا يلتحق بها إلا من عجز عن الالتحاق بنظائرها التطبيقية، مما أدي اتساع الفجوة بين جانبي الحضارة فاتسع الخرق على الراقع ولم يعد بالإمكان تضييق هذه الفجوة، كما صارت كل محاولات النهوض الحضاري مع وجود هذه الفجوة محاولات بائسة دونها خرط القتاد.
محمد سلامة الغنيمي
باحث بالأزهر الشريف
- التصنيف: