من أبجدية السعادة الزوجية - ضع صدقة

منذ 2020-12-23

فاحرص على أن تضع صدقة يومية كانت أو ما يتناسب معك في صندوق السعادة، وستجد السعادة بين أهلك والبركة في رزقك وولدك

 

من أبجدية السعادة الزوجية: ضع صدقة

   خلق الله الإنسان وكرَّمه وفضَّله على سائر خلقه بما أودعه فيه من حكمة، وما منحه من تكليفات ربانية، وسخر له ما يهيئ له حياةً كريمةً تكون محطَّة وصولٍ للآخرة، قال -تعالى-: " {ولَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} " [الإسراء: 70] قال القرطبي في تفسيرها: "  والصحيح الذي يعول عليه أن التفضيل إنما كان بالعقل الذي هو عمدة التكليف، وبه يُعرفُ الله ويفهم كلامُه، ويوصل إلى نعيمه وتصديق رسله، إلا أنه لما لم ينهض بكل المراد من العبد بُعثَت الرسل وأُنزِلت الكتب. فمثال الشرع الشمس، ومثال العقل العين، فإذا فتحت وكانت سليمة رأت الشمس وأدركت تفاصيل الأشياء. وما تقدم من الأقوال بعضه أقوى من بعض. وقد جعل الله في بعض الحيوان خصالاً يفضل بها ابن آدم أيضًا، كجري الفرس وسمعه وإبصاره، وقوة الفيل وشجاعة الأسد وكرم الديك. وإنما التكريم والتفضيل بالعقل كما بيناه. والله أعلم .

    ومع هذا التكريم وتلك الإشارة الربانية اللطيفة في تفضيل الإنسان على خلق الله فقد جعل فيه الاستعداد الفطري لاكتساب الخير أو الشر، فيكون مؤمنًا إذا شاء وإذا شاء كفر، يكون بَرًا إن أراد ذلك، وإن أراد فَجَر، ليكون غضوبًا إن لم يملك نفسه، وإلا فهو الحليم بخُلُقِه، ومن أبرز الاستعدادات الفطرية لدى الإنسان كونه مستعدًا للبخل أو الجود، للبذل أو الشح، قال الله تعالى: " { وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ} " النساء:128 وهذه وإن كانت نَزلَت في حقِّ النِّساء في حرصهن على حقهن في أزواجهن من النفقة والمعيشة وغيرها، إلا أن الإنسان قد جُبل على الحرص والاستئثار بالمال ونحوه، قال الله تعالى: " {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} " ذكر الطبري في تفسيره: "يقول تعالى ذكره: وإن الإنسان لحب المال لشديد. واختلف أهل العربية في وجه وصفه بالشدة لحب المال، فقال بعض البصريين: معنى ذلك: وإنه من أجل حب الخير لشديد: أي لبخيل، قال: يقال للبخيل: شديد ومتشدد. واستشهدوا لقوله ذلك ببيت طرفة بن العبد البكري:

أرَى المَـوْتَ يَعْتـامُ النُّفُوسَ ويَصْطَفِي                              عَقِيلَــةَ مــالِ البــاخِلِ المُتَشَـددِ

وقال آخرون: معناه: وإنه لحب الخير لقوي." انتهى كلامه في تفسيره.

    والله – سبحانه وتعالى- وهو خالق النفوس والمطلع عليها- جعل لها ما يصلحها، ففرض الزكاة لتطهر بها النفس، وندب إلى الصدقات بأنواعها لتطيب بها النفوس، وتتوطد بها الأواصر، وتقوى بها العلاقات بين أفراد المجتمع الواحد، ولأن الأسرة أساس نسيج هذا المجتمع فتطهير النفس من الشح والبخل أحد أهم عوامل السعادة عامة والزوجية خاصة.

   والتصدق ولو بالقليل يترك أكبر الأثر في انسجام العلاقات داخل الأسرة الواحدة، صدقة يومية أو أسبوعية تضعها في صندوق خاص بها، تُسَمِّيه إ-ن شئت- صندوق السعادة، يتعارف عليه أبناؤك وزوجتك وتغرس فيهم هذه القيمة، يرسخ-لا شك- لقيمة البذل والعطاء في نفوسهم وتطيب به نفسك وتطهر، ولقد رأيت بعض البيوت كلما نزلت بهم نازلة تصدقوا ولو بالقليل فحلَّ محلَّ النازلة الخيرُ الكثيرُ، ولقد عرفت بيوتًا كلما جنح أحد الأبناء أو ارتفع صوته على أبويه على غير العادة، أو ساء خلقه، أو مرض أحد الأبناء أو ألمَّ به ما قد يحل بالناس في حياتهم اليومية تصدقوا ولو بالقليل فبرأ مريضهم- بإذن الله- واستقام خلق بنيهم، وانصلح حال بناتهم، وبوركت الحياة وسعدوا بها، بل وفتح الله عليهم من أبواب الرزق، وصنوف الخير ما لا يعلمه إلا الله تعالى.

   ولا عجب في ذلك فقد ورد في السنة النبوية عن أبي هُريرة:  أَنَّ رسولَ اللَّه ﷺ قَالَ «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ»  " [رواه مسلم] . وعن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " «الطُّهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك. كل الناس يغدو؛ فبائع نفسه، فمعتقها، أو موبقها» ". (رواه مسلم).

والجميل في هذا الأمر وهو مجرب، أنه فيه من الفوائد والمنافع ما لا يمكن حصره، ولعلي أذكر منها:

  • رضا الله سبحانه وتعالى لأن في ذلك استجابة لأوامره – جل شأنه – قال تعالى:" {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ۖ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ } " [الحديد:07]
  • تعزيز قيمة العطاء والجود في نفوس الأبناء، فيكبرون على حب العطاء وذم البخل، قال – تعالى:" {وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ} ۚ" [ الحديد: 38] .
  • اقتداءٌ واهتداءٌ بسنة النبي – صلى الله عليه وسلم – في جوده وكرمه وعطائه، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: «كَانَ رَسُولُ الله أجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ الله أجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ» . [متفق عليه] .
  • البركة في الرزق والفسحة في العمل والهداية والصلاح في الأهل والذرية فقد حث الله -تعالى- المسلم على التصدق وربط بين الصدقة والزيادة في الرزق في كثير من الآيات القرآنية الكريمة، حيث يقول -سبحانه وتعالى-: ( {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ) [سورة البقرة: 245]
  • السعادة النفسية والمتعة المعنوية وأنت تجعل من مالك نصيبًا تخرجه لله -تعالى – بمحض اختيارك وبخالص إرادتك ترجو به رضوان الله -تعالى- تجد هذه السعادة في نفسك وأهلك، وترى أثرها باديًا في كل حياتك.
  • تتقي بها مصارع السوء ومصائب الدهر ونوائبه، ولقد جاء في فتوي للشيخ ابن باز في الرد على مثل هذا المعنى بقوله: " يؤخذ من معاني الأحاديث كون الصدقة يدفع الله بها الشر، وقد جاء في حديث الحارث الأشعري أن يحيى بن زكريا عليه الصلاة والسلام أمره الله أن يبلغ بني إسرائيل، ومن ذلك أنه قال: آمركم بالصدقة، فإن مثلها كمثل رجل أسره العدو فقدموه ليضربوا عنقه، فجعل يفتدي منهم نفسه بالقليل والكثير، فهذا دل على أن الصدقة تقي مصارع السوء تقي الشر". انتهى كلامه رحمه الله.

   فاحرص على أن تضع صدقة يومية كانت أو ما يتناسب معك في صندوق السعادة، وستجد السعادة بين أهلك والبركة في رزقك وولدك، والرضا والرضوان من المولى -جل وعلا- طابت نفوسكم وزكت، واطمأنت قلوبكم وسعدت، وصل اللهم على محمد وآله وصحبه.



 

المقال السابق
صُنْ
المقال التالي
لا تفش سراً