من أبجدية السعادة الزوجية - لا تفش سراً

منذ 2021-03-31

وإن من أسباب انهيار البيوت وخرابها، وما يؤدي إلى دمارها وفشلها، ألا يحفظ الرجل سر زوجته أو المرأة سر زوجها

 

مِن أبجَديَّات السَّعادَة الزَّوجِيَّة: لا تُفشِ سِرًا

   الأمانة -على اختلاف أنواعها وشتى صورها- مصونة محفوظة، يتوجب على من أُوكِلت إليه أن يحفظها حفظًا، وأن يشملها عناية ورعاية، إلى أن يردَّها إلى أهلها، قال الله تعالى { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)}

    ولقد لُقِّب نبينا – صلى الله عليه وسلم – بمكة المكرمة قبل أن تتنزل عليه آيات النبوة وأنوار القرآن الكريم بالصَّادق الأمين لما عُرِف عنه – صلى الله عليه وسلم – من حفظٍ للأمانة والوفاء بها.

   ولقد روت كتب السيرة أنه – صلى الله عليه وسلم – قد ترك عليًا – رضي الله عنه – في فراشه ليرد الأمانات إلى أهلها، تلك التي كانت لأهل مكة لديه، حرصًا على الوفاء بها.

   ولقد نهى الشرع الحنيف عن إفشاء السر ما دام سرًا؛ كبيرًا كان أو صغيرًا، وحادثة حاطب بن أبي بلتعة حينما كتب كتابًا يخبر فيه أهل مكة بما يرتب له النبي – صلى الله عليه وسلم – من فتح لمكة المكرمة؛ تلك التي خرج منها منذ سنوات قليلة، حينها أرسل النبي- صلى الله عليه وسلم- عليًّا -رضي الله عنه- ونفرًا من أصحابه فأدركوا المرأة التي حملت كتاب حاطب، وقد جعلت كتابه بين طفيرتين لها، والحديث مشهور معلوم روته كتب السير والمغازي.

    بل إن صحابيًا جليلاً من صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو أبو لبابة نزلت فيه آيات وآيات .... تروي كتب السيرة في غزوة بني قريظة .... «أن يهود بعثوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-":‏ أن ابعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر، أخا بني عمرو بن عوف، وكانوا حلفاء الأوس، لنستشيره في أمرنا، فأرسله رسول الله -صلى الله عليه وسلم إليهم- فلما رأوه قام إليه الرجال، وجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه، فرق لهم، وقالوا له‏:‏ يا أبا لبابة‏!‏ أترى أن ننزل على حكم محمد‏؟‏ قال‏:‏ نعم، وأشار بيده إلى حلقه، إنه الذبح‏.، قال أبو لبابة‏:‏ فوالله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله صلى الله عليه وسلم‏» .‏

   ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده، وقال‏:‏ لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله علي مما صنعت، وعهد الله‏:‏ ألا أطأ بني قريظة أبدًا، ولا أُرى في بلد خنت الله ورسوله فيه أبدًا‏.

   هكذا لام الصحابي الجليل نفسه لومًا شديدًا، بل وعد ذلك خيانة كبيرة، وأخبر رسول الله بما فعل، وربط نفسه في سارية بالمسجد، وعزم ألا يفكه إلا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وفيه نزل قول الله تعالى:"‏{ يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون}

   ولقد نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – من إفشاء أسرار الزوجية على اختلافها، وحذَّر من ذلك تحذيرًا شديدًا، وبالغ في ذلك أشد المبالغة، فقد روي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه - قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الرَّجُلُ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وتُفْضِي إِلَيْهِ، ثم يَنْشُرُ سِرَّهَا» . [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ]

    وإن من أسباب انهيار البيوت وخرابها، وما يؤدي إلى دمارها وفشلها، ألا يحفظ الرجل سر زوجته أو المرأة سر زوجها، فيمسي كل منهما وللآخر سر أسره إليه وأفضى به، فتبوح به إلى قريناتها وأقاربها، ويبوح به إلى أقرانه وأقاربه.

   بل إن من مسببات اطمئنان البيوت وسعادتها ودواعيها أن يشعر الجميع فيها أن أمانته مأمونة مصونة محفوظة، وإن مما لا يأخذه الآباء أو تأخذه الأمهات على محمل الجد أن يسر أحد الأبناء إلى والديه سرًا، وقد أخذ  عليهما العهود والمواثيق ألا يخبروا به أحدًا ... فتراهم يتناقلونه فيما بينهم، يخبرون به إخوانه، ويستشيرون فيه بعضهم البعض...فيصبح السر عندهم علانية، والحديث مشاعًا، وتلك – لعمري – من سوء الأفعال وسيء الأخلاق.

   بل وجب على الجميع أن يحفظ السر في كل حال، وألا يفشي ما طلب كتمانه، ساعتها تطمئن البيوت وتحفظ الأسرار وتصان الأعراض.

 

  • 5
  • 0
  • 1,644
المقال السابق
ضع صدقة
المقال التالي
مَكِّن لهُم

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً