علو الهمة وصلابة الإرادة في مواجهة الأزمات

منذ 2020-12-30

على طلاب العلا أن يوطنوا أنفسهم على اجتياز ألف عقبة، وأن يحسبوا لأنفسهم ألف هزيمة قبل الوصول إلى الظفر الأخير.

الخطبة الأولى

أما بعد: أيها الآباء أيها الإخوة الأعزاء: حديثنا في هذا اليوم الطيب الميمون عن علو الهمة وصلابة الإرادة في مواجهة الأزمات....

 

إن عالي الهمة فولاذي الإرادة عصامي النفس تنصهر أمام همته العالية الأزمات، وتنفلُّ أمام إرادته المعضلات. قال ابن القيم رحمه الله: « إذا طلع نجمُ الهمة في ليل البطالة، وردفه قمر العزيمة -أشرقت أرض القلب بنور ربها »[1].

 

فهيا أيها الآباء أيها الإخوة الأعزاء لنحلق في سماء الهمم السامقة في مدرسة النبوة لنرى أنه مع الإيمان والهمة لا توجد أزمات ولا مشكلات؛ لذا قال الخليفة عمر الفاروق رضي الله عنه: « لا تصغرنَّ همتك فإني لم أر أقعد بالرجل من سقوط همته »[2].

 

وقال ابن القيم: «لا بد للسالك من همة تسيره وترقيه وعلم يبصره ويهديه» [3].

 

صاحب الهمة العالية تحلق به همته دائمًا فتأمره بإنجاز كثير من الأعمال المتداخلة في وقت واحد، فليطعها بقدر ولا يستبعد ما تأمره به وفي الوقت نفسه لا يَقُمْ به كلِّه، بل يأخذ منه بقدر ما يعرف من إسعاف همته له بالقيام به.

 

 

أولا: همة النبي صلى الله عليه وسلم في مواجهة أزمة الأحزاب:

أيها الآباء أيها الإخوة الأعزاء: الرسول صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة، والقدوة الرائعة، في علو الهمة والشَّجَاعَة والإقدام، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا حمي الوطيس في الحرب، كان أكثر الناس شجاعة، وأعظمهم إقدامًا، وأعلاهم همة، وقد قاد صلوات الله عليه بنفسه خلال عشر سنين سبعًا وعشرين غزاة، وكان يتمنى أن يقوم بنفسه كل البعوث التي بعثها والسرايا التي سيرها، ولكن أقعده عن ذلك أنه كان لا يجد ما يزود به جميع أصحابه للخروج معه في كل بعث، وكان أكثرهم لا تطيب نفسه أن يقعد ورسول الله قد خرج إلى الجهاد.

 

 

أيها الآباء أيها الإخوة الأعزاء: لقد رمى العرب الرسول صلى الله عليه وسلم – عن قوس واحد فشنوا عليه حربًا عالمية اجتمع فيها جحافل الكفار والمنافقين واليهود ولكن الحقيقة أننا لا ننتصر على عدونا بكثرتنا ولا بأسلحتنا وإنما ننتصر عليهم بإيماننا وهممنا التي تثبت كالجبال الراسيات أمام الفتن والمدلهمات.

 

عقد النبي صلى الله عليه وسلم مجلسًا عسكريًّا لحل تلك الأزمة الراهنة واستشار أصحابه في كيفية صد ذلك العدوان الغاشم وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق، وقد كان الخندق يمتد من أم الشيخين طرف بني حارثة شرقًا حتى المداد غربًا، وكان طوله خمسة آلاف ذراع، وعرضه تسعة أذرع، وعمقه من سبعة أذرع إلى عشرة، وكان على كل عشرة من المسلمين حفر أربعين ذراعًا[4].

 

وقد تَمَّ الحفر في ظروف شديدة الصعوبة؛ فقد كان الجو شديد البرودة، عاصف الرياح، والمدينة قد أصابتها مجاعة [5]، وكان الجيش يلبث ثلاثة أيام لا يذوقون طعامًا، ورغم كل الظروف الصعبة تَمكَّن المسلمون من إنجاز الخندق في ستة أيام فقط[6].

 

عن سهل بن سعد – رضي الله عنه – قال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخَنْدَقِ وَهُمْ يَحْفِرُونَ، وَنَحْنُ نَنْقُلُ التُّرَابَ عَلَى أَكْتَافنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:«اللَّهُمَّ لا عَيْشَ إلا عَيْشُ الآخرة فَاغْفِرْ لِلْمُهَاجِرِينَ والأنصار» [7].

 

وعن أنس قال: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْخَنْدَقِ، فَإِذَا الْمُهَاجِرُونَ وَالأنْصَارُ يَحْفِرُونَ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنْ النَّصَبِ وَالْجُوعِ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَهْ.. فَاغْفِرْ للأنصار وَالْمُهَاجِرَهْ».

 

فَقَالُوا مُجِيبِينَ لَهُ:

نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا *** عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا

 

فكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْقُلُ التُّرَابَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى أَغْمَرَ بَطْنَهُ أَوْ أغْبَرَّ بَطْنُهُ [8].

 

وعن الْبَرَاءَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الأحْزَابِ يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ وَلَقَدْ وَارَى التُّرَابُ بَيَاضَ بَطْنِهِ وَهُوَ يَقُولُ:

وَاللَّهِ لَوْلا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا   ***   وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَـا 

فَأَنْــزِلَنْ سَكِينَــــةً عَلَــيْنَا   ***   إِنَّ الْأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا 

إِذَا أَرَادُوا فِتْنَـــةً أَبَـيْـنَـــا   ***   وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ: أَبَيْنَا.. أَبَيْنَا [9]

 

 

ثانيًا: علو الهمة وتجهيز جيش العسرة:

أيها الآباء أيها الإخوة الأعزاء: لما كانت هذه الغزوة في زمان عُسْرَةٍ من الناس، وجدْبٍ في البلاد، حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على البذل والإنفاق فيها حث رسول الله-صلى الله عليه وسلم -الصحابة على الإنفاق في هذه الغزوة لبعدها، وكثرة المشركين فيها، ووعد المنفقين بالأجر العظيم من الله.

 

و هنا سارع أصحاب الهمم الأخروية إلى نداء خير البرية صلى الله عليه وسلم لمواجهة تلك الأزمة ولردع ذلك العدو المتربص بالأمة الإسلامية فأنفق كل حسب مقدرته، وكان عثمان رضي الله عنه صاحب القِدْح المُعَلَّى في الإنفاق في هذه الغزوة ، فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: جَاءَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَهُوَ يَتَجَهَّزُ إِلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ ، وَفِي كُمِّهِ أَلْفُ دِينَارٍ ، فَصَبَّهَا فِي حِجْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ وَلَّى ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَلِّبُهَا بِيَدِهِ فِي حِجْرِهِ وَيَقُولُ : «مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذَا أَبَدًا» [10].

 

عَن زَيْدِ بن أَسْلَمَ، عَن أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بن الخَطَّابِ، رَضيَ الله عَنه يَقُولُ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ يَوْمًا أَنْ نَتَصَدَّقَ، فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالًا عِنْدِي، فَقُلْتُ: اليَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: «مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ» فَقُلْتُ: مِثْلَهُ، قَالَ: فَأَتَى أَبو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وَسَلمَ: «مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ» فَقَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَقُلْتُ: لاَ أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا[11].

 

 

ثالثًا: علو همة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الأزمات وصلابته:

أيها الآباء أيها الإخوة الأعزاء: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واجهت الأمة الإسلامية أكبر محنة وأكبر أزمة مرت بها ألا وهي وفاة رسولها وقائدها صلى الله عليه وسلم وأظلمت المدينة وارتدت قبائل العرب ومنع من منع زكاة المال فهيئ الله تعالى لها الصديق –رضي الله عنه-صاحب الهمة الفولاذية والإرادة الحديدية حيث بدا بعد توليه الخلافة بعدة قرارات حاسمة وصرامة وهي:

أولا: إنفاذ جيش أسنة رضي الله عنه:

أيها الآباء أيها الإخوة الأعزاء: كان أول قرار يتخذه أبو بكر الصديق رضي الله عنه في الخلافة، هو قرار إنفاذ بعث أسامة بن زيد، وكان قد أنفذ هذا البعث ليحارب الرومان وقبائل قضاعة الموجودة في شمال الجزيرة العربية، وقد أشار بعض الصحابة على أبي بكر بأن لا ينفذ بعث أسامة ويظل هذا الجيش في المدينة ليحميها من المتربصين بها.

 

أصر أبو بكر بهمة عالية أن يُنفذ هذا الجيش مع كل ما يحيط بالمسلمين من خطورة، واختلف معه بعض الصحابة أشار كثير من الناس على الصديق أن لا ينفذ جيش أسامة؛ لاحتياجه إليه فيما هو أهم؛ لأنَّ ما جهز بسببه، في حال السلامة، وكان من جملة من أشار بذلك عمر بن الخطاب، فامتنع الصديق من ذلك، وأبى أشد الإباء، إلا أن ينفذ جيش أسامة، وقال: والله لا أحلُّ عقدة عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو أنَّ الطير تخطَّفنا، والسباع من حول المدينة، ولو أنَّ الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين لأجهزنَّ جيش أسامة)[12].

 

عاد جيش أسامة ظافرًا غانمًا بعدما أرهب الرُّوم حتى قال لهم هرقل وهو بحمص بعدما جمع بطارقته: هذا الذي حذرتكم، فأبيتم أن تقبلوا منِّي!! قد صارت العرب تأتي مسيرة شهرٍ، فتغير عليكم، ثمَّ تخرج من ساعتها، ولم تكْلَمْ. وقد أصاب القبائل العربيَّة في الشمال الرُّعب، والفزع من سطوة الدَّولة، وعندما بلغ جيش أسامة الظَّافر إلى المدينة تلقّاه أبو بكرٍ، وكان قد خرج في جماعةٍ من كبار المهاجرين، والأنصار للقائه، وكلُّهم خرج، وتهلَّل، وتلقَّاه أهل المدينة بالإعجاب، والسُّرور، والتَّقدير، ودخل أسامة المدينة، وقصد مسجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصلَّى لله شكرًا على ما أنعم به عليه وعلى المسلمين.

 

 

ثانيًا: قتال مانعي الزكاة ومن الأزمة التي كادت أن تعصف بالأمة الإسلامية

فتصدي لها أبو بكر رضي الله عنه حتى قضى عليها....... عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ ، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِأَبِي بَكْرٍ : كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَمَنْ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ ، وَنَفْسَهُ ، إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ ، وَالزَّكَاةِ ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : فَوَاللَّهِ ، مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ[13].

 

 

ثالثًا: تجهيز الجيوش لحرب المرتدين:

أيها الآباء أيها الإخوة الأعزاء: عاد -في هذه الأثناء- أسامة بن زيد وجيشه بعد سبعين يومًا من خروجهم فأبقاه الخليفة في المدينة حتى يستريح هو وجنده، وهاجم بالقوى التي توفَّرت له مضارب بني ذبيان، ودخلها بعد أن انسحب منها هؤلاء بفعل ضغط القتال، ثُمَّ عاد إلى المدينة ليستعدَّ لحرب المرتدِّين[14]، فعبَّأ المسلمين وجهَّز من الجيوش أحد عشر لواءً تتناسب في عديدها وفي إماراتها وفي وجهتها مع قوَّة القبائل التي وجَّهها إليها ومدى إلحاحها في ردَّتها، فخصَّص ثمانية ألوية للجنوب بفعل تركُّز غالبيَّة المرتدِّين والمتنبِّئين في الأماكن الجنوبية، في حين وجَّه ثلاثة ألوية إلى الشمال، واحتفظ بقوَّةٍ عسكريَّةٍ لحماية المدينة.

 

خرجت الألوية الإسلاميَّة في ضوء هذه التوجُّهات في اتجاهاتٍ متعدِّدة، ومعها أوامر مشدَّدة بقمع ثورات القبائل دون تمييزٍ بين دافعٍ وآخر، والقضاء على الأخطار التي واجهت الإسلام ودولته الناشئة. [15].

 

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية

أما بعد أيها الإخوة:

رابعًا: مجاعة ولا ابن الخطاب لها:

في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقعت بالمدينة وما حولها من القرى مجاعة شديدة، وكان ذلك في 18هـ بعد عودة الناس من الحج، فحبس المطر من السماء وأجدبت الأرض، وهلكت الماشية، واستمرت هذه المجاعة تسعة أشهر، حتى صارت الأرض سوداء فشبهت بالرماد[16].

 

وقد واسى عمر رضي الله عنه الناس بنفسه، فحرمها من الطعام الذي لا يجده الناس. قال أنس بن مالك رضي الله عنه: "تقرقر بطن عمر وكان يأكل الزيت عام الرمادة، وكان حرم عليه السمن، فنقر بطنه بأصبعه. وقال: تقرقر تقرقرك إنه ليس لك عندنا غيره حتى يحيا الناس"[17].

 

وأكل عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشعير، فصوت بطنه، فضربه بيده، وقال: "والله ما هو إلا ما ترى حتى يوسع الله على المسلمين"[18].

 

وعمل عمر رضي الله عنه على جلب الطعام من الأرياف لأهل البوادي، وكان يدعو الله عز وجل أن يفرج عن المسلمين كربتهم. قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وهو يصف عام الرمادة: "وكانت سنة شديدة ملمة ... اجتهد عمر فيها بإمداد الأعراب بالإبل والقمح والزيت من الأرياف كلّها، حتى بلحت الأرياف كلّها مما جهدها ذلك، فقام عمر يدعو فقال: "اللهم اجعل رزقهم على رؤوس الجبال". فاستجاب الله له وللمسلمين. فقال حين نزل به الغيث: الحمد لله، فوالله لو أن الله لم يفرجها ما تركت أهل بيت من المسلمين لهم سعة إلا أدخلت معهم أعدادهم من الفقراء فلم يكن اثنان يهلكان من الطعام على ما يقيم واحدًا"[19].

 

 

كتب إلى عماله في الأمصار طالبًا الإغاثة

أيها الآباء أيها الإخوة الأعزاء: وفي رسالته إلى عمرو بنِ العاص والي مصر بعث إليه: "يا غوثاه يا غوثاه، أنت ومن معك ومَن قِبَلك وما أنت فيه، ونحن ما نحن فيه"، فأرسل إليه عمرو بألف بعير تحمل الدقيق، وبعث في البحر بعشرين سفينة تحمل الدهن، وبعث إليه بخمسةِ آلاف كِساء، وأرسل إلى سعد بن أبي وقاص فأرسل له بثلاثةِ آلاف بعير تحمل الدقيق، وبعث إليه بثلاثةِ ألاف عباءة، وأرسل إلى والي الشام فبعث إليه بألفي بعير تحمل الزاد. ونحوُ ذلك مما حصل من مواساة المسلمين لبعضهم.

 

لقد أحسّ عمر رضي الله عنه بمعاناة الناس، حتى قال أسلم رضي الله عنه: "كنا نقول لو لم يرفع الله المَحْل عام الرمادةِ، لظننا أن عمر يموت همًّا لأمر المسلمين".

 

قِفْ أَيُّهَا التَّارِيخُ سَجِّلْ صَفْحَــةً   ***   غَـرَّاءَ تَنْطِـقُ بِالخُلُـودِ الكَامِـلِ 

حَرِّكْ بِسِيرَتِهِ الْقُلُوبَ فَقَدْ قَسَتْ   ***   وَعَدَتْ بِقَسْوَتِهَا كَصُمِّ جَنَـادِلِ

 

على طلاب العلا أن يوطنوا أنفسهم على اجتياز ألف عقبة، وأن يحسبوا لأنفسهم ألف هزيمة قبل الوصول إلى الظفر الأخير.

 


[1] (الفوائد، ص: [79]).

[2] محاضرات الأدباء 1 /445.

[3] الدرر الكامنة 4 /21.

[4] السيرة النبوية الصحيحة (2 / 421).

[5] البخاري (3792).

[6] وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى، علي بن عبدالله السمهودي (4 / 1208)، دار الآداب والمؤيد - مصر.

[7] [البخاري، برقم:(3789)].

[8] البخاري: برقم (3795)].

[9] [البخاري :(3795)، ومسلم: (3365)].

[10] الترمذي في سننه ج 5/ ص 626 حديث رقم: 3701 فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل (1/ 515).

[11] الدارمي في سننه ج1/ص480 ح1660.

[12] ((البداية والنهاية)) لابن كثير (6 /335).

[13] أخرجه أحمد (1 /19) (117) والبخاري (2/،131 147ه مسلم (1/38).

[14] الطبري: ج3 ص246.

[15] أبو بكر الصديق وقتال المرتدين أ.د: محمد سهيل طقوش.

[16] ابن سعد: الطبقات 3/310 من رواية الواقدي.

[17] رواه ابن سعد: الطبقات 3 /313-315، عبد الرّزّاق: المصنف 11 /223. صحيح من طريق ابن سعد. قال: أخبرنا عبد الله بن نمير عن عبيد الله عن ثابت البناني عن أنس بن مالك .

[18] رواه ابن شبه: تاريخ المدينة 2/ 309. وسنده متصل، ورجاله ثقات.

[19] رواه البخاري: الأدب المفرد، ص: 198. وسنده متصل ورجاله ثقات.