صور من حسن الخاتمة

منذ 2021-01-02

الإمام محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي رحمه الله مات وهو يسبِّح.

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فالموت حتمٌ لازمٌ لكل أحد؛ قال الله عز وجل: ﴿  {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}  ﴾ [آل عمران: 185]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿  {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}  ﴾ [الرحمن: 26، 27].

والموت مصيبة؛ قال الله جل جلاله: ﴿ { فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ } ﴾ [المائدة: 106]، وأعظمُ منه الغفلة عنه؛ قال الإمام القرطبي رحمه الله: قال علماؤنا: وأعظمُ منه الغفلةُ عنه، والإعراضُ عن ذكره، وقلةُ التفكُّر فيه، وتركُ العمل له.

الاستعداد للموت:

عن طارق بن عبدالله المحاربي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا طارق، استعدَّ للموت قبلَ نزول الموت))؛ أخرجه الحاكم، والاستعدادُ له يكون بأمور؛ منها:

التوبة من جميع الذنوب:

قال لقمان لابنه: يا بُني، لا تؤخِّر التوبة، فإن الموت يأتي بغتةً؛ قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: قال بعض السلف: أصبحوا تائبين، وأمسَوْا تائبين، يُشير إلى أن المؤمن لا ينبغي أن يُصبح ويُمسي إلا على توبةٍ، فإنه لا يدري متى يَفْجَؤُه الموتُ صباحًا أو مساءً، فمن أصبَح أو أمسى على غير توبةٍ، فهو على خطرٍ؛ لأنه يخشى أن يَلقى الله غيرَ تائبٍ، فيُحشر في زُمرة الظالمين؛ قال الله تعالى: ﴿  {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } ﴾ [الحجرات: 11]، فإن نزل المرض بالعبد، فتأخيره للتوبة حينئذ أقبحُ من كلِّ قبيح، فإن المرض نذيرُ الموت.

 تذكر الموت دائمًا وعدم نسيانه:

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أكثِروا ذِكرَ هاذم اللذات))؛ يعني: الموت؛ أخرجه الترمذي.

قال الإمام القرطبي رحمه الله: قال السُّدي في قوله تعالى: ﴿ { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} ﴾ [الملك: 2]؛ أي: أكثرُكم للموت ذكرًا، وله أحسنُ استعدادًا، ومنه أشدُّ خوفًا وحذرًا.

والإمام علي بن الحسين بن مبارك رحمه الله ما كان لسانه يَفتُر عن ذكر الموت، ومن كان يستشعر الموت في كل وقت رغِب في الآخرة؛ قال الخليفة عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: إنك إن استشعرتَ الموت في ليلك ونهارك، بُغِّض إليك كلُّ فانٍ، وحُبِّب إليك كلُّ باقٍ.

تركُ كلِّ عملٍ يُكرَهُ من أجله الموتُ:

قال الإمام سلمة بن دينار رحمه الله: كل عمل تَكْرَهُ من أجله الموتَ، فاترُكه ثم لا يَضُرَّك متى تموت.

كثرة الأعمال الصالحة، وخصوصًا مع تقدم العمر وظهور الشيب:

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: من نزَل به الشيب، فهو بمنزلة الحامل التي تَمَّت شهور حملها، فما تنتظر إلا الولادة، كذلك صاحب الشيب لا ينتظر إلا الموت.

ومن الأعمال الصالحة التي تكون سببًا في حسن الخاتمة: الصدقة؛ قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: الصدقة من فوائدها أنها تدفَع مِيتةَ السوء، فتكون سببًا لحسن الخاتمة.

سؤالُ الله حُسنَ الخاتمة:

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في ترجمة أحمد بن مظفر بن أبي محمد بن مظفر بن بدر بن حسن بن مفرج بن بكار النابلسي رحمه الله: كان يقول أشتهي أن أموت وأنا ساجد فرزَقه الله ذلك.

وجاء في ترجمة محمد منصور الراجحي رحمه الله أنه كان كثيرًا ما يدعو الله أن يموت تحت حوافر الخيل؛ أي: في الجهاد، فمات بمكة في الزحام أثناء السعي تحت أقدام الحجاج.

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: كان السلف يرون أن مَن مات عقيب عملٍ صالح؛ كصيام رمضان، أو عقيب حج أو عمرة - أنه يُرجى له أن يدخل الجنة".

وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «يُبعثُ كُلُّ عبدٍ على ما مات عليه» ))؛ أخرجه مسلم، فهنيئًا لمن مات أثناء قيامه بعمل صالح.

من مات بعد أن تشهَّد:

عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن كان آخر كلامه لا إله إلا الله، دخل الجنة))؛ أخرجه أبو داود، وممَّن مات بعد أن تشهَّد:

الشيخ إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم بن عبدالله بن باديس بن القائد الحمزي، المعروف بابن قرقول، رحمه الله، حضرتْه الوفاة، فتلا سورة الإخلاص، وجعل يكرِّرها، ثم تشهَّد، وسقط على وجهه ساجدًا ميتًا.

الإمام إبراهيم بن عبدالواحد المقدسي رحمه الله - أخو الحافظ عبدالغني - لَمَّا جاءه الموت، جعل يقول: يا حي يا قيُّوم، برحمتك أستغيثُ، واستقبَل القبلة وتشهَّد ومات

الإمام أحمد بن أبي بكر بن منصور بن عطية الإسكندري رحمه الله، لَمَّا احتُضِر كرَّر الشهادة، ومات.

والإمام محمد بن أحمد بن عبدالهادي المقدسي رحمه الله، كان آخر كلامه: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، اللهم اجعَلني مِن التوابين، واجعلني من المتطهرين.

والشيخ أحمد بن عبدالعزيز بن صالح المرشد المرشدي رحمه الله، توفِّي وهو محرِمٌ للحج يوم التروية، لم يسمعوا منه سوى نُطقه بالشهادتين.

 والشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ رحمه الله، أُغمِي عليه في آخر حياته، ثم أفاق، وسلَّم على من حوله من أولاده وأقاربه، وعرفهم، ثم تشهَّد ومات.

والشيخ عبدالعزيز بن محمد السلمان رحمه الله، استقبل القبلة، وتشهَّد الشهادة كلمة التوحيد، وفاضت رُوحُه.

والشيخ محمد بن سعيد رحمه الله، عندما جاءت ساعات موته، أخذ يَستغفر ويكرِّر: لا إله إلا الله، حتى فارَق الحياة وله مِن العمر مائة سنة وزيادة سنتين.

من مات وهو يقرأ القرآن الكريم:

الإمام الجُنيد بن محمد بن الجنيد الخزاز القواريري رحمه الله، كان عند موته قد ختم القرآن الكريم، ثم ابتدأ بقراءة سورة البقرة، فقرأ سبعين آية ثم مات.

والشيخ أحمد بن محمد الديبلي رحمه الله، أخذ يقرأ قدر خمسين آية ثم مات.

الإمام ابن طاهر المقرئ رحمه الله، بينما هو جالس في مسجده يقرأُ وقع ميتًا.

والشيخ خلف عبدالله الخلف رحمه الله، قرأ سورة الكهف، فلما ختَمها توفِّي.

والشيخ ناصر حمد ناصر الدرسوني رحمه الله، توفِّي وهو يقرأ سورة يس.

والإمام الكاساني رحمه الله شرَع في قراءة سورة إبراهيم، حتى إذا انتهى إلى قوله تعالى: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ [إبراهيم: 27]، خرَجت رُوحُه. 

والشيخ عبدالعزيز الشثري أبو حبيب رحمه الله مات وهو يتلو قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30]، وكرَّرها حتى فاضت روحُه رحمه الله.

مَن مات وهو صائم:

عن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن خُتم له بصيام يومٍ، دخل الجنة))؛ أخرجه البزار، وممن خُتِم له فمات وهو صائم:

الشيخ عروة بن الزبير رحمه الله ت 94.

الشيخ خالد بن معدان بن أبي يكرب رحمه الله ت 103.

الشيخ قيس بن إسحاق بن محمد الميرفيناني رحمه الله ت 526.

الشيخ ابن أبي المعالي بن قايد رحمه الله ت 584.

الشيخ سليمان بن طلق بن علي بن طلق النجدي رحمه الله ت 1385.

الشيخ أحمد ياسين رحمه الله ت 1425.

 من مات وهو ساجد:

قال الله عز وجل: ﴿  {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ * كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ}  ﴾ [العلق: 17 - 19]، فالعبد أقربُ ما يكون من ربه وهو ساجد، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أقربُ ما يكون العبد من ربه وهو ساجدٌ))؛ أخرجه مسلم، فهنيئًا لمن تكرَّم الله عليه، فقبَضه إليه وهو ساجدٌ.

وممن مات من أهل العلم وهو ساجد:

الإمام المبارك بن سعيد الثوري رحمه الله ت 180، أخو الإمام سفيان.

الشيخ عبدالعزيز بن أبي حازم رحمه الله ت 185.

الشيخ نصر بن علي بن نصر بن علي بن صبهان رحمه الله ت 250.

الشيخ بن أبي شجاع يعرف بابن الثلجي رحمه الله ت 266.

الشيخ أبي عقال علوان بن الحسن رحمه الله ت 296.

الشيخ يعقوب بن إبراهيم بن أحمد بن عيسي البختري رحمه الله ت 322.

الشيخ أحمد بن علي بن الحسن بن محمد الدقاق رحمه الله ت 474.

الشيخ محمد بن الحسين المزرقي رحمه الله ت527.

الشيخ عفر بن الحسن الأذربيجاني رحمه الله ت 506.

الشيخ محمد بن الحسين بن علي الشيباني الحاجي رحمه الله ت 526.

الشيخ علي بن المسلم بن محمد بن علي بن الفتح السلمي رحمه الله ت 533.

الشيخ يحيى بن محمد بن هبيرة رحمه الله ت 560.

الشيخ عبدالرحيم بن نصر بن يوسف بن مبارك البعلبكي رحمه الله ت 656.

الشيخ سعد بن عثمان بن مرزوق بن حميد سلامة القرشي رحمه الله ت 592.

الشيخ أحمد بن مظفر بن أبي محمد بن مظفر بن بدر بن مفرج رحمه الله ت 758.

الشيخ محمد بن أحمد بن محمد يُعرف بابن الخلال رحمه الله ت 867.

الشيخ محمد بن عبداللطيف بن محمد بن علي الباهلي رحمه الله ت 1278.

الشيخ عبدالله بن إبراهيم بن محمد بن سالم الضويان رحمه الله ت 1358.

الشيخ عبدالحميد كشك رحمه الله ت 1417.

من مات وهو يقرأ القرآن في الصلاة:

الشيخ زارة بن أوفي رحمه الله ت 93.

الشيخ حميد الطويل رحمه الله ت 143.

الشيخ أبو بكر محمد بن عبدالله بن جعفر الزهيري رحمه الله ت 265.

الشيخ إسماعيل الإسماعيلي رحمه الله ت 396.

الشيخ علي بن الحسين بن أحمد بن إبراهيم بن جدا العبكري رحمه الله ت 468.

الشيخ محمد بن الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن تيمية رحمه الله ت 622.

الشيخ محمد بن عوض بن سلطان بن عبدالمنعم البكري رحمه الله ت 744.

الشيخ علي الجراعي رحمه الله ت 859.

الشيخ عبدالرحمن بن إبراهيم بن سلمان البداح رحمه الله ت 1297.

الشيخ عوض محمد عوض الحجي رحمه الله ت بعد 1309.

الشيخ عبدالله بن عودة بن عبدالله صوفان لقدومي رحمه الله ت 1331.

الشيخ عبدالملك بن إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ رحمه الله ت 1404.

الشيخ عبدالعزيز بن علي بن عبدالله بن محمد الشبل رحمه الله ت 1418.

من مات وهو محرم:

«عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلًا كان مع النبي صلى الله عليه وسلم مُحرَّمًا، فوقَصتْه ناقتُه، فمات، فقال عليه الصلاة والسلام: اغسِلوه بماء وسدرٍ، وكفِّنوه في ثوبيه، ولا تُحنطوه، ولا تُخمروا رأسه، فإنه يُبعث يوم القيامة مُلبيًا))» ؛ متفق عليه.

وممن منَّ الله الكريم عليه فمات وهو محرم من أهل العلم:

الشيخ القاسم بن محمد بن يوسف البرزالي رحمه الله ت 739.

الشيخ إبراهيم بن محمد بن عثمان بن علي بن عثمان بن سعد بن أبي المعالي البرهان رحمه الله ت 884، أدركه أجلُه وهو محرم يوم عرفة.

الشيخ أحمد عبدالعزيز المرشدي رحمه الله ت1359، مات بمكة يوم التروية محرمًا.

من مات بعد أن صلَّى:

الشيخ علي بن محمد الجرجاني رحمه الله ت 368، توفِّي بعد صلاة الجمعة.

الشيخ أحمد بن محمد الأصبهاني رحمه الله ت 576، لَمَّا صلى صلاة الصبح من يوم الجمعة في أول وقتها مات.

الشيخ عبداللطيف عبدالله آل مبارك رحمه الله ت 1372، توفِّي بعد أن صلَّى الظهر.

من مات بعد أن صلَّى النافلة وجلس ينتظر إقامة الفريضة:

الشيخ الحسين بن محمد بن عبدالله الطيبي رحمه الله ت 743، دخل المسجد وصلى النافلة، وجلس ينتظر الإقامة للفريضة، فقضى نَحبَه متوجهًا إلى القبلة.

من مات وهو يدعو:

الإمام أحمد بن محمد بن السُّني رحمه الله ت 364، رفَع يديه يدعو الله عز وجل فمات.

من مات وهو يخطب يوم الجمعة:

الشيخ يحيى بن مالك عائذ الأندلسي رحمه الله ت 376، مات وهو يخطب يوم الجمعة.

من مات وهو يذكر الله:

الإمام محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي رحمه الله مات وهو يسبِّح.

والشيخ إبراهيم بن خضر عثمان العثماني القصوري رحمه الله مات وهو يستغفر الله.

أسأل الله الرحمن الرحيم أن يَمُنَّ عليَّ، وجميع إخواني المسلمين بحُسن الخاتمة، إنه سميع قريب مجيبٌ. 

                                  كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ