بين المرونة والثبات

منذ 2021-01-16

وبذلك يستطيع المجتمع المسلم أن يتطور، دون التخلي عن أصوله وقيمه وعقيدته. فالثبات يمنحه القوة والغلبة على عناصر الانهيار والخضوع للثقافات والعقائد والأفكار والمجتمعات المخالفة.

كتب الأستاذ هاني مراد 

تمتاز رسالة الإسلام بالجمع بين المرونة والثبات. فالثابت، يموت المؤمن دونه، ويخاصم ويصالح عليه. والمرن، يحتمل الاختلاف وتنوع الآراء ووجهات النظر، حسب تنوع الأفهام وطبائع العصور وتغير الظروف. ولو كان الإسلام يمتاز بالمرونة المطلقة، لما كان له ثوابت ينطلق منها أو يقوم عليها. ولو كان يمتاز بالثبات المطلق، لما تواءم مع تطور الحياة وتغيرها.

 

فالإسلام رسالة الثبات على المبادئ والغايات التي لا تتغير، مع المرونة في الوسائل والأساليب التي قد تتغير. وهو رسالة الثبات على الأصول والأركان، والمرونة في الفروع والجزئيات. وهو رسالة الثبات على القيم والأخلاق، والمرونة في شؤون العلم والعمل.

 

وتتجلى جوانب الثبات في القرآن الكريم، والسنة النبوية، وأركان الإسلام الخمسة، وما أجمعت عليه أمة الإسلام. أما جوانب المرونة، فتشمل الاجتهاد في الفروع، والخلاف الذي لا يخرج عن أسس الإسلام، والمعلوم منه بالضرورة.

 

والإسلام بذلك يتوافق مع الكون الذي يجمع بين المرونة والثبات، ويتوافق مع سنن الحياة التي تجمع بين الثابت والمتغير، ويتوافق مع فطرة الإنسان التي تأبى الثبات وحده أو التغير وحده.

 

وبهذا يحلّ الإسلام النزاع الفلسفي المعروف: هل الأصل في الكون: الثبات أم التغير؟ فقد انقسم الفلاسفة إلى قسمين: قسم يرى أن الأصل في الكون هو الثبات، والقسم الآخر يرى أن التغير هو الأصل. لكنّ الإسلام جمع بين الرأيين.

 

وبذلك يستطيع المجتمع المسلم أن يتطور، دون التخلي عن أصوله وقيمه وعقيدته. فالثبات يمنحه القوة والغلبة على عناصر الانهيار والخضوع للثقافات والعقائد والأفكار والمجتمعات المخالفة.

وبالثبات تتضح معالم الرسالة في ذلك المجتمع، فتكون له شخصيته الفريدة وأسسه الراسخة، فلا يذوب ولا يخضع، حتى لو هُزم. والمرونة تمنحه القدرة على التكيف مع متغيرات العصر، ومستجدات الحياة، دون فقدان هويته وخصيصته.