فوائد من مصنفات العلامة ابن عثيمين: مباحث متفرقة متعلقة بالعبادة
الأمر الثاني: أن الدعاء عبادة, وكلما كررت ازددت لله تعبداً, فيزداد أجرك بازدياد جمل الدعاء
بسم الله الرحمن الرحيم
فتح أبواب الجنة الثمانية يعني تيسير العبادات المؤدية لها:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحدٍ يتوضأ فيسبغُ الوضوء, ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمداً عبد الله ورسوله, إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخُلُ من أيها شاء » [أخرجه مسلم] قال الشيخ رحمه الله: ومعنى فتح أبواب الجنة الثمانية: أنه تيسير له أعمال هذه الأبواب. فتيسر له الصلاة, والصيام, والصدقة, والجهاد, وغير ذلك من الأبواب.
من أسباب لذة العبادة وحلاوتها:
سئل الشيخ: ما أسباب تحصيل لذة العبادة التي كان يجدها أمثالُ ابن تيمية رحمه الله؟ فأجاب: ذلك فضل الله سبحانه وتعالى يُؤتيه من يشاء وله أسباب: منها : كثرة قراءة القرآن فإن كثرة قراءة القرآن تُلين القلب قال ابن عبدالقوي رحمه الله: وواظب على درس القرآن فإنهُ يُلين قلباً قاسـياً مثل جلمـد
ومنها : أن يكون الإنسان قلبه دائماً متعلقاً بالله مٌعرضاً عما سواه, مُتجنباً للقيل والقال, وكثرة السؤال, ومنها : أن يحضر قلبه عند العبادة بحيث لا يفكرُ ولا يوسوسُ, بل يكون قلبه حاضراً يتأمل ما يقول وما يفعل من عبادة الله عز وجل.
وقال الشيخ رحمه الله: تصور يا أخي يناجيك الله عز وجل وأنت في صلاتك, يسمعك من فوق سبع سموات, ويردُّ عليك, إذا قلت : { الحمد لله رب العالمين} قال الله تعالى : حمدني عبدي وإذا قال : {الرحمن الرحيم } قال الله تعالى : أثني علي عبدي, وإذا قال : {مالك يوم الدين} قال : مجدني عبدي, والتمجيد: التعظيم, فهل نشعُرُ ونحن نصلي بهذا ؟ ! الشكوى لله عز وجل, أكثرنا وأكثر أوقاتنا أننا لا نشعُرُ بهذا, نقرأ الفاتحة على أنها ركن لا تصح الصلاة إلا بها, لكننا لا نشعُرُ بهذه المعاني العظيمة أننا نُناجي الله عز وجل من فوق سمواته: {حمدني عبدي} من يشعر بهذا يجد لذَّة عظيمة للصلاة, ويجد أن قلبهُ استنار بها, وأنه خرج منها بقلبٍ غير القلب الذي دخل فيها به.
وقال رحمه الله: أنصحهم أن يتذوقوا طعم هذه الصلاة, يقوموا الليل حتى يذوقوا طعمه, ويذوقوا بذلك طعم الإيمان.
وقال رحمه الله: إذا شعر الإنسان بأنه مفتقر لربه فسيجد حلاوة العبادة
من علامات قبول العبادة:
قال الشيخ رحمه الله: قد تكون هناك علامات لمن تقبل الله منهم من الحُجَّاج والصائمين والمتصدِّقين والمصلِّين, وهي انشراح الصدر, وسرور القلب, ونور الوجه, فإن للطاعات علامات تظهر على بدن صاحبها, بل هي ظاهره وباطنه أيضاً, وذكر بعض السلف أن من علامات قبول الحسنة : أن يُوفَّق الإنسان لحسنة بعدها, فإن توفيق الله إياه لحسنة بعدها يدل على أن الله عز وجل قبل عمله الأول, ومنَّ عليه بعمل آخر يرضي به عنه.
من أتى بالعبادة على الوجه المشروع فليستبشر خيراً:
قال الشيخ رحمه الله: الواجب على المرء إذا أتى بالعبادة على الوجه المشروع إخلاصاً لله ومتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم, أن يستبشر خيراً, وأن يقول : اللهم كما مننت عليَّ بالعمل فامنُن عليَّ بالقبول, ولا ييأس, بل يفرح, وقد جاء في الحديث : «من سرته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن» هذا شهادة من الرسول عليه الصلاة والسلام أن الإنسان إذا فعل الحسنة وسُرَّ بذلك وفرح وانشرح صدره, وإذا عمل سيئة اغتم لذلك, فذلك هو المؤمن بنص كلام الرسول علية الصلاة والسلام
العبادة التي تخفى حكمتها أبلغ في التعبد:
قال الشيخ رحمه الله: جميع أوامر الشرع ونواهيه حكمة, ولا حاجة أن نعرف العلة, لأننا نعلم أن الله حكيم, وأنه ما شرعه إلا لحكمة, وما موقفنا من الأوامر والنواهي إلا أن نقول : ( سمعنا وأطعنا ), فإن تيسير لنا معرفة الحكمة فهذه منة من الله عز وجل, ومساعدة ومعونة من الله, حتى يطمئن القلب ويقوى الإيمان, وإن لم تتبين فالمؤمن يكفيه أن هذا حكم الله عز وجل ولذلك ربما تكون العبادة التي تخفى حكمتها أبلغ في التعبد, لأن الشيء إذا علمت علته قد يكون عقلك يأمرك به لكن إذا كنت لا تعرف العلة فإن تذلُّلك لله به وعبادتك إياه أبلغ في التذلل.
عبادة الله بالهدى لا بالهوى:
قال الشيخ رحمه الله: ينبغي للإنسان أن يكون عنده فقه في دين الله, وأن يتبع ما جاء عن السلف...وألا يعبد الله بالهوى وإنما يعبده بالهُدى, فاعبد الله بالهدى لا بالهوى, ولو أننا قُلنا: إن الإنسان يعبد الله بالهوى, لكان أولئك أصحاب الطرق الذين ابتدعوا في دين الله ما ليس منه لكانوا على صواب, ولاختلف الناس فيما بينهم في دين الله, ولكن إذا قلنا: العبادةُ موقوفة على ما جاء به الشرع فحينئذ نتَّحد ويكون عملنا واحد.
الصبر مع انتظار الفرج من أعظم العبادات:
قال الشيخ رحمه الله: الصبر مع انتظار الفرج يُعتبرُ من أعظم العبادات, لأنك إذا كنت تنتظر الفرج فأنت تنتظرُ الفرج من الله عز وجل, وهذه عبادة, وقد قال النبي علية الصلاة والسلام: «واعلم أن النصر مع الصبر, وأن الفرج مع الكرب» فكلما اكتربت الأمور فإن الفرج أقرب إليك, ( إن مع العسر يُسراً )
من فوائد بسط الدعاء أنه عبادة, وكلما كررت الدعاء ازددت لله تعبداً:
قال الشيخ رحمه الله: مقام الدعاء يقتضى البسط, لأمور:
الأول: -وهو أهمها لمن فتح الله قلبه- التلذُّذ بمناجاة الله عز وجل, لأن كل واحد منَّا لو كان له صديق محبوب إليه فإنه يحب أن يبسط ويُكثر معه القول, وإذا جلس إليه وقاما يتحدثان تمضى الساعات الطويلة وكأنها دقائق.
الأمر الثاني: أن الدعاء عبادة, وكلما كررت ازددت لله تعبداً, فيزداد أجرك بازدياد جمل الدعاء
الأمر الثالث: أن البسط والتفصيل يُوجب تذكُّر الإنسان كل هذه الأنواع التي بسطها وبيَّنها وفصَّلها, واستحضار الإنسان لذنوبه تفصيلاً أكمل في التوبة, لأن التوبة المُجملة لا تستوعب جميع الذنوب استحضاراً وإن كانت تستوعبها لفظاً ومدلولاً, فمثلاً: لو قال الإنسان: اللهم اغفر لي ذنبي كلَّه, وهو قد فعل ذنوباً قد تكون أكبر مما يتصوره الآن, لكن غابت عن باله, فإذا ذكر وفصَّل كان هذا أبلغ في التوبة, لأن الدلالة على تعين الأفراد أقوى من الدلالة على العموم.
وقال رحمه الله: وانظر إلى قول الرسول علية الصلاة والسلام: (اللهم اغفر لي ذنبي كُلَّهُ, دقَّهُ وجلَّهُ, علانيتهُ وسرَّهُ, وأولهُ وآخرهُ, اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرتُ, وما أعلنت وما أسررت, وما أنت أعلمُ به منِّي) يكفى عن هذا كله أن يقول: ( اللهم اغفر ذنبي, لكن البسط له تأثير على القلب.
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
- التصنيف: