بيئة العمل في العالم العربي
وأقول لمن لا يرى الحياة إلا غابة يأكل فيها القوي الضعيف، أو بحر سمك يأكل فيه الكبير الصغير: إن سلوكك لا يصدر إلا عن نفس مريضة، وروح حاقدة، وقلب لم يذق حلاوة بذل الخير للغير.
هناك تشوه كبير في بيئة العمل، كما في غيرها من البيئات في عالمنا العربي.
وأكثر أسباب هذا التشوه، هو الإنسان العربي ذاته. هذا فضلا عن ضعف الكفاءة نظرا لضعف التعليم، وضعف المقابل المادي، نتيجة لانخفاض مستوى المعيشة وضعف اقتصاد هذه البلاد.
ومن خلال عملي داخل مصر وخارجها، رأيت أن معظم العاملين في الشركات والمؤسسات يعيشون حياتهم العملية وكأنهم وحوش في غابة! يسعى كل منهم إلى الترقي والظهور والصعود على أكتاف الآخرين، وكأنه وحش غاب يسعى إلى افتراس كل ما هو أصغر منه! فإذا ما ترقى أو عمل في وظيفة إشرافية أو رئاسية، سعى بكل ما أوتي من جهد وقوة إلى عدم إبراز عمل مرؤوسيه، وإذا احتاج الأمر، سعى إلى التعسف معهم، حتى يحيل عملهم إلى جحيم لا يطاق، ويهربوا من العمل.
أذكر أنني كنت أعمل مترجما في إحدى الدول العربية، وكان مشرف الحسابات في هذه الشركة الكبيرة، شابا في مقتبل العمر لم يتزوج بعد، ولكنه نظرا لتفانيه في العمل، وطول فترة عمله في هذه الشركة، أصبح مشرفا. كان هذا الشاب يسعى دائما إلى التقليل من شأن المحاسبين الذين يرأسهم، ومع قلة عدد المحاسبين في القسم، إلا أنه كان دائما يسعى إلى إرهاقهم، فيضطر أحدهم إلى ترك العمل، ويتكرر ذلك كل بضعة أشهر، حتى إنه اضطر محاسبا يكبره سنا وله ثلاثة أولاد، إلى ترك العمل، رغم حاجته إليه!
ويخطئ من يعتقد أن هذا هو الأسلوب الوحيد للتعامل في العالم العربي! فعندما كنت أشرف على عشرات المصريين في عملي، كنت أعاملهم بالحسنى وأحترمهم ولا أشعرهم بأني رئيسهم، ومع ذلك، كانوا ينجزون أعمالهم بتفوق واضح، يفوق غيرهم من الجنسيات الأخرى. نعم كانوا يسألونني دائما: "هل أنت مولود في مصر؟"، "أين كنت تعمل قبل مصر؟" "هل لك أصول غير مصرية؟" لكنهم كانوا يحققون النجاح عن طريق التشجيع والتحفيز والاحترام!
وأقول لمن لا يرى الحياة إلا غابة يأكل فيها القوي الضعيف، أو بحر سمك يأكل فيه الكبير الصغير: إن سلوكك لا يصدر إلا عن نفس مريضة، وروح حاقدة، وقلب لم يذق حلاوة بذل الخير للغير. وأنت حين ترى أن السبيل الوحيد إلى النجاح هو القضاء على الآخرين، فإنك في الحقيقة لا ترى!
ومثل هؤلاء نسوا أن الرزق بيد الله، وأن الله عز وجل قادر على أن يسلب منهم في لحظات ما تعبوا فيه في سنين! ولقد رأيت ذلك المشرف وغيره آخرين ممن على شاكلته، يصابون بالأمراض المزمنة، ويخضعون لعمليات جراحية وهم في مقتبل الشباب! فأعجب لحالهم ثم يزول العجب عندما أتذكر ما اقترفوه، وسنة الله فيهم، لعلهم ينتهون.
هاني مراد
كاتب إسلامي، ومراجع لغة عربية، ومترجم لغة إنجليزية.
- التصنيف: