تفاءل أيها المسلم

منذ 2021-01-25

المتأمل في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، يجد أن التفاؤل وحسن الظن بالله تعالى واضحًا فيها كل الوضوح، حتى لَيكادَ أن يكون منهجًا ثابتًا له عليه الصلاة والسلام، خصوصًا حين تشتد المحن وتتفاقم الشدائد..

{الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: 59]؛ أما بعد:

فإن المتأمل في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، يجد أن التفاؤل وحسن الظن بالله تعالى واضحًا فيها كل الوضوح، حتى لَيكادَ أن يكون منهجًا ثابتًا له عليه الصلاة والسلام، خصوصًا حين تشتد المحن وتتفاقم الشدائد، فمع كل خوف وشدة، نراه صلى الله عليه وسلم يبثُّ الأمل ويرفع المعنويات، وكلما خيَّم اليأس والقنوط على النفوس، ازداد عليه الصلاة والسلام استبشارًا وتفاؤلًا.

 

فحين اشتكى بعض الصحابة ما يلقَونه من شدة المشركين، أجابهم صلى الله عليه وسلم بقوله: «لقد كان مَن قبلكم ليُمشَط بأمشاط الحديد ما دون عظمه ولحمه، ما يصرفه ذلك عن دينه، وليُتمَّنَّ الله هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله والذئب على غنمه»، وفي رحلة الطائف الأليمة، يجيب صلى الله عليه وسلم مَلَكَ الجبال بقوله: «بل أتأنَّى بهم؛ لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئًا»، وفي أحداث الهجرة المباركة، وقد وصل المطاردون إلى باب الغار، فيقول صلى الله عليه وسلم لصاحبه: «لا تحزن؛ إن الله معنا»، وفي غزوة الأحزاب: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب: 10]، فيقول المتفائل صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر، أُعطيت مفاتيح كذا وكذا»، وغيرها من صور الأمل والتفاؤل وحسن الظن بالله تعالى، وهي كثيرة جدًّا.

 

فتفاءل أيها المسلم، وأحْسِنِ الظن بربك، فهو رحمن رحيم، من تقرب إليه شبرًا تقرب منه ذراعًا، ومن تقرب إليه ذراعًا تقرب منه باعًا، ومن أتاه يمشي، أتاه هرولة، تفاءل؛ {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 39].

 

تفاءل أيها المسلم: فالحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، «وإن الله ليُربي لأحدكم اللُّقْمةَ حتى تكون في ميزانه مثل جبل أحد»؛ [رواه مسلم]، و{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10].

 

تفاءل أيها المسلم: وأحسن الظن بربك، وأمِّلِ الشفاء ولو اشتد المرض، واستبشر بصلاح الأحوال ولو تفاقم السوء، وترقَّب النصر وإن تكالب الأعداء، وتوقَّع فرجًا قريبًا وإن استحكمت حلقات البلاء؛ {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3].

 

تفاءل أيها المسلم: فالشدائد أقوى ما تكون اشتدادًا واسودادًا، أقرب ما تكون انفراجًا وانبلاجًا؛ {وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا} [الإسراء: 51].

 

تفاءل أيها المسلم: فالشمس تغرب في جهة لتُشرق في الجهة الأخرى، والبذرة تسقط في الأرض لتخرج نبتةً أخرى، والماء يتبخر ويصعد في الفضاء، ليُنزلَ غيثًا لأهل الأرض ورَواءً؛ فـ{لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [النور: 11].

 

تفاءل أيها المسلم: فبعد كل شتاء قارس، هناك ربيع مُزهِر، وبعد كل رعد قاصف، هناك غيث مُغدق، وبعد كل مخاضٍ مؤلمٍ، هناك مولود مبهج، و {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7].

 

تفاءل أيها المسلم: فلا حياةَ مع اليأس، ولا يأس مع الحياة، وعلى قدر نية العبد وهمته، يكون توفيق الله له وإعانته؛ {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: 4].

 

تفاءل أيها المسلم: فالفشل يفتح باب الأمل، والعسر يُبشِّر بعده باليسر، والذنوب سببٌ لأن نفرَّ إلى الله ونتوب؛ وفي الحديث الصحيح: «لولا أنكم تذنبون، لَخَلق الله خلقًا يذنبون، فيستغفرون الله، فيغفر لهم».

 

تفاءل أيها المسلم: فكل بلاء دون النار عافية، وكل ضيق دون القبر سَعَةٌ، وكل ذنب دون الشرك، فالله بمشيئته يغفره، ولا يهلك على الله إلا هالك.

 

تفاءل أيها المسلم: وأحسن الظن بربك، فكل ما يأتي من الله جميل؛ {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ} [آل عمران: 198]، {وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}  [آل عمران: 14]، و{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40].

 

تفاءل أيها المسلم: وأحسن الظن بربك، فما منعك إلا ليُعطيَك، ولا ابتلاك إلا ليُعافيَك، ولا امتحنك إلا ليصطفيَك؛ {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28].

 

تفاءل أيها المسلم: فالرَّوض سيُورق، والفجر سيشرق، والحق سيعلو، والباطل سيزهق، وإنَّ بعد الجوع شبعًا، وبعد الظمأ ريًّا، وبعد المرض عافية، وإن مع الدمعة بسمة، ومع القسوة رحمة، ومع الفاقة نعمة، و {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6]، و {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1].

 

تفاءل أيها المسلم: فمن المحال دوام الحال، والأيام دول، والدهر قُلَّبٌ، والليالي حُبالى، ومن ساعة إلى ساعة فرج، وما بين غمضة عين وانتباهتِها، يُغيِّر الله من حال إلى حال.

 

تفاءل أيها المسلم: وكن جميلًا ترى الوجود جميلًا؛ {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [النساء: 81]، والذي نفسه بغير جمال، لا يرى في الوجود شيئًا جميلًا.

 

تفاءل أيها المسلم: فكل مَن سار على الدرب وصل، وكل من جدَّ وجد، وكل من زرع حصد، و {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56].

 

تفاءل أيها المسلم: فالذي يشجع التاجر في تجارته أملُهُ في الأرباح، والذي يحفز الطالب للجد في دراسته أمله في النجاح، والذي يُحبِّب إلى المريض دواءه المرَّ أمله في الشفاء، والذي يدعو المؤمن أن يخالف هواه ويطيع مولاه، أمله في الفوز بجنته ورضاه؛ {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 71].

 

تفاءل أيها المسلم: فالمستقبل لهذا الدين، وفي قرآنك المبين: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 223]، وفيه: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47]، و{إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: 49]، {وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 19]، وفيه أيضًا: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139].

 

تفاءل أيها المسلم: فربك العظيم يقول عن نفسه العلية: {فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]، ويقول عن رحمته: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156]، ويقول عن جنده: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 173]، ويقول عن نصره: {أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]، ويقول عن وعده: {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 6].

{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 180 - 182].

___________________________
الشيخ: عبدالله محمد الطوالة