فَهَذِهِ بِهَذِهِ

منذ 2021-02-01

** عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنها سألت أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: أني امرأة أطيل ذيلي [طرف الثوب] وأمشي في القذر فقالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (يطهره ما بعده)

{بسم الله الرحمن الرحيم }

روى الإمام أحمد وأبو داود عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لَنَا طَرِيقًا إِلَى الْمَسْجِدِ مُنْتِنَةً فَكَيْفَ نَصْنَعُ إِذَا مُطِرْنَا؟ قَالَ: (أَلَيْسَ بَعْدَهَا طَرِيقٌ هِيَ أَطْيَبُ مِنْهَا؟" قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: (فَهَذِهِ بِهَذِهِ) إسناده صحيح

 

** عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنها سألت أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: أني امرأة أطيل ذيلي [طرف الثوب] وأمشي في القذر فقالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (يطهره ما بعده)

** وجر المرأة ذيلها معروف مشهور .. قال مالك: في هذا الحديث أن من سنة المرأة في لبستها أن تطيل ذيلها فلا تنكشف قدماها لأنهن كن لا يلبسن الخفين والله أعلم لأن المرأة أخبرت بأنها تطيل ذيلها فلم ينكر ذلك عليها، وفي حديث مالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه عن صفية عن أم سلمة أن المقدار الذي لا تزيد عليه في ذلك ذراع.

** اختلف الفقهاء في طهارة الذيل على المعنى المذكور في هذا الحديث، فقال مالك: معناه في القشب اليابس [الصدأ] والقذر الجاف الذي لا يتعلق منه بالثوب شيء فإذا كان هكذا كان ما بعده من المواضع الطاهرة حينئذ تطهيرا له، وهذا عنده ليس تطهيرا من نجاسة لأن النجاسة عنده لا يطهرها إلا الماء، وإنما هو تنظيف لأن القشب اليابس ليس ينجس ما مسه ألا ترى أن المسلمين مجمعون على أن ما سفت الريح من يابس القشب والعذرات التي قد صارت غبارا على ثياب الناس ووجوههم لا يراعون ذلك ولا يأمرون بغسله ولا يغسلونه لأنه يابس وإنما النجاسة الواجب غسلها ما لصق منها وتعلق بالثوب وبالبدن.

فعلى هذا المحمل حمل مالك وأصحابه حديث طهارة ذيل المرأة وأصلهم أن «النجاسة لا يزيلها إلا الماء» وهو قول زفر بن الهذيل والشافعي وأصحابه وأحمد وغيره أن النجاسة لا يطهرها إلا الماء لأن الله تعالى سماه {طهورا} ولم يقل ذلك في غيره.

قال الخطابي: كان الشافعي يقول إنما هو فيما جر على ما كان يابسا لا يعلق بالثوب منه شيء، فأما إذا جر على رطب فلا يطهره إلا بالغسل

وقال أحمد ليس معناه إذا أصابه بول ثم مر بعده على الأرض أنها تطهره ولكنه يمر بالمكان فيقذره ثم يمر بمكان أطيب منه فيكون هذا بذاك لا على أنه يصيبه منه شيء

وقال مالك فيما روي عنه إن الأرض يطهر بعضها بعضا وإنما هو أن يطأ الأرض القذرة ثم يطأ الأرض اليابسة النظيفة فإن بعضها يطهر بعضا فأما النجاسة مثل البول ونحوه يصيب الثوب أو بعض الجسد فإن ذلك لا يطهره إلا الغسل.

** لكن في تحفة الأحوذي: قَالَ الشَّيْخُ الْأَجَلُّ وَلِيُّ اللَّهِ الْمُحَدِّثُ الدَّهْلَوِيُّ فِي «الْمُسَوَّى شَرْحُ الْمُوَطَّأِ» تَحْتَ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ: إِنْ أَصَابَ الذَّيْلَ نَجَاسَةُ الطَّرِيقِ ثُمَّ مَرَّ بِمَكَانٍ آخَرَ وَاخْتَلَطَ بِهِ بِمَكَانٍ آخَرَ وَاخْتَلَطَ بِهِ طِينُ الطَّرِيقِ وَغُبَارُ الْأَرْضِ وَتُرَابُ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَيَبِسَتِ النَّجَاسَةُ الْمُعَلَّقَةُ فَيَطْهُرَ الذَّيْلُ الْمُنَجَّسُ بِالتَّنَاثُرِ أَوِ الْفَرْكِ وَذَلِكَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ مِنَ الشَّارِعِ بِسَبَبِ الْحَرَجِ وَالضِّيقِ، كَمَا أَنَّ غَسْلَ الْعُضْوِ وَالثَّوْبِ مِنْ دَمِ الْجِرَاحَةِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ بِسَبَبِ الْحَرَجِ، وَكَمَا أَنَّ النَّجَاسَةَ الرَّطْبَةَ الَّتِي أَصَابَتِ الْخُفَّ تَزِيلُ بِالدَّلْكِ وَيَطْهُرُ الْخُفُّ بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ بِسَبَبِ الْحَرَجِ، وَكَمَا أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَنْقَعَ الْوَاقِعَ فِي الطَّرِيقِ وَإِنْ وَقَعَ فِيهِ نَجَاسَةٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ بِسَبَبِ الْحَرَجِ

وَإِنِّي لَا أَجِدُ الْفَرْقَ بَيْنَ الثَّوْبِ الَّذِي أَصَابَهُ دَمُ الْجِرَاحَةِ وَالثَّوْبُ الَّذِي أَصَابَهُ الْمُسْتَنْقَعُ النَّجَسُ وَبَيْنَ الذَّيْلِ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ نَجَاسَةٌ رَطْبَةٌ ثُمَّ اخْتَلَطَ بِهِ تُرَابُ الْأَرْضِ وَغُبَارُهَا وَطِينُ الطَّرِيقِ فَتَنَاثَرَتْ بِهِ النَّجَاسَةُ أَوْ زَالَتْ بِالْفَرْكِ فَإِنَّ حُكْمَهَا وَاحِدٌ

وَمَا قَالَه الْبَغَوِيُّ إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّجَاسَةِ الْيَابِسَةِ الَّتِي أَصَابَتِ الثَّوْبَ ثُمَّ تَنَاثَرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالذَّيْلِ فِي الْمَشْيِ فِي الْمَكَانِ الْقَذِرِ تَكُونُ رَطْبَةٌ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ مَعْلُومٌ بِالْقَطْعِ فِي عَادَةِ النَّاسِ فَإِخْرَاجُ الشَّيْءِ الَّذِي تَحَقَّقَ وُجُودُهُ قَطْعًا أَوْ غَالِبًا عَنْ حَالَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ بَعِيدٌ

وَأَمَّا طِينُ الشَّارِعِ يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ فَفِيهِ نَوْعٌ مِنَ التَّوَسُّعِ فِي الْكَلَامِ لِأَنَّ الْمَقَامَ يَقْتَضِي أَنْ يُقَالَ هُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ أَوْ لَا بَأْسَ بِهِ لَكِنْ عَدَلَ مِنْهُ بِإِسْنَادِ التَّطْهِيرِ إِلَى شَيْءٍ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُطَهِّرًا لِلنَّجَاسَةِ فَعُلِمَ أَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَهَذَا أَبْلَغُ مِنَ الأول (انتهى كلامه)

** قال المباركفوري: قلت أقرب هذه الأقوال عندي قول الشيخ الأجل الشاه ولي الله والله أعلم

** قال في مرقاة المفاتيح: (فهذه بهذه) أي: ما حصل التنجس بتلك يطهره انسحابه على تراب هذه الطيبة. وهذا الحديث موافق لما تقدم من حديث أم سلمة، وهما يدلان صريحاً على أن الذيل المنجس بنجاسة الطريق الرطبة يطهر إذا انسحب على الطريق الطاهرة، واختلط بالتراب الطاهر من الطريق وقت المرور، ولا يصح حمل القذر على اليابس لأنه يأبى عنه قولها «فكيف نفعل إذا مطرنا؟» وكذا لا يصح تخصيص الحديث بالنعل والخف لأنه يبطله حديث أم سلمة، ففي الحديثين رد صريح على الأئمة الأربعة وأتباعهم (انتهى)

** بل إن حديث أم سلمة وحديث الباب بينهما عموم وخصوص فإن الأول مطلق قابل أن يقيد باليابس، وأما الثاني فصريح في الرطب

** في الحديث: دلالة ارتباط الصحابيات بالمسجد وحرصهم على حضور الجماعات فكيف بالرجال. 

** فيه بيان لبعض ما كان يفكر فيه النساء في المجتمع النبوي سمائية في التفكير وحرصا في مزيد تحصيل.

** فيه دلالة السؤال عن كل ما يشغل البال ويعكر الصفو ويغير الحال مخافة من بوار العمل وخسرانه، أو طمعا في تجويده وتحسينه.

** فيه دلالة الاهتمام من الصحابيات الأعلام بطهارة الثوب والبدن والنعال مخافة الظاهر فكيف بالبواطن.

** فيه السؤال عن المستجدات كل يلحظ بعينه وينشغل بما يصلح أمره وأمر غيره ويحتاج إجابة يترتب عليها عمل ولا تجبر قعود أو كسل.

** إجابة النبي الشافية بمحو أثر كل خبث بطيب يتعبه وتطهير يخلفه

** تبسيط المعضلات بفقه الإزالات والبدائل

** كل سيء في حياتك اتبعه بطيب وألحقه بخير يمحو أثره ويختم بخيره ولا تحرم جماعة المسلمين بسببه.

جمع وترتيب

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com

 

خالد سعد النجار

كاتب وباحث مصري متميز