المخدرات.. رحلة إلى السجون وخطى إلى الجنون

منذ 2021-02-16

أيُّهَا الشابُّ، هل تظنُّ أنَّ ذلك الشاب الَّذِي خسر دراسته ومستقبله ووظيفته وراتبه، أو دخل السجن وظُلمته، أو دخل المصحَّة النفسيَّة يظنُّ أنه سوف يكون في هذا المكان يومًا؟

أيُّهَا المؤمنون، جنون واضطراب واعتلال، أو مرض مُنهِكٌ عضال، أو فقر مُهينٌ ملازم على كل حال، أو موت مفاجئٌ لم يخطر على بال، هذه هي نهاية المآل، بعد تجربة المخدِّرات الَمقيتة، فقاتل اللهُ المخدِّرات، كم أوقعت من بليَّةٍ، وأحدثت من رزيَّةٍ، تسلب الأديانَ، وتُهلك الأبدان، وتُفسد الأوطان، وتُذهب الأذهان!

 

تنقل الإنسان من العقل إلى الجنون، ومن العافية إلى الهلوسة والشُّكوك والظنون، ومن الحريَّة إلى ظُلمةِ السُّجون، ومن الغنى إلى الفاقة والفقر والدُّيون، بل من الإنسانية إلى البهيمية، فكم مِن مُتحرِّشٍ بمحارمِه، وضاربٍ لِوالدَيه، وداعٍ إلى الفاحشة على أهل بيته! ولدٌ يشكو، وأمٌ تبكي، زوجةٌ تَئِنّ.

 

هذه هي نهاية المخدِّرات، جرعة من المخدِّرات تُفقد الإنسانَ عقلَه، فيَنسى ربَّه ويظلم نفسَه، ويهيم على وجهه، يقتل إرادته، ويُمزِّق حياءه، ويُنهي مستقبل حياتِه، بل إنَّ أعظم ما تجنِيه المخدِّرات فقدُ الدِّين وضياع الإيمان، ففي الصحيحين عن النبيِّ -صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَلَا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ».

 

وقال عثمان -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: إِنَّه واللهِ لا يجتمع الإيمان والخمر في قلب رجل إِلَّا ويُوشك أحدُهما أن يذهب بالآخر؛ ولذلك استحقَّ شاربُ الخمر اللعنةَ، فقال -صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَعَنَ اللهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقَيَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَبَائِعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، بل جاء عند أحمدَ عن النبيِّ -صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مُدْمِنُ الْخَمْرِ إِنْ مَاتَ لقيَ اللَّهَ كَعَابِدِ وَثَنٍ».

 

وإنَّ المخدِّرات الَّتِي تنتشر اليوم على كافَّة أشكالها هي داخلةٌ تحت مُسمَّى الخمر في الشريعة؛ وذلك لأنَّهَا أعظم إفسادًا وأكثر تخريبًا وأشدّ فتكًا، أيُّهَا الناسُ، لقد حرص أعداءُ الأمَّة على إفسادها وهدم كيانها وشلِّ حركتها، والقضاء عليها وضربها في أعزِّ ما تملك، وذلك بإفساد شبابها عبر هذه الآفة المهلِكة.

 

فأُحكِمَت الخطط، وتَنوَّعت الوسائل ودُفِعت الأموال الطائلة، {وَيَمْكرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30] {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227] أيُّهَا الناس، المخدِّرات طوفان تصرخُ منه زوايا البيوت، وأروِقةُ المحاكم، وجدران السُّجون.

 

جلساتٌ مليئة بالأشرار، واستراحات مُتوارِيَةٌ عن الأنظار، منها يبدأ الشررُ، وفيها يكمُن الخطر، فراغٌ قاتل وأبٌ غافل، أفلامٌ تُجرِّئُ على المخدِّرات، ومُسلسلات تُرغِّب في المسكِرات، "الصَّاحب ساحبٌ" جملةٌ صادقة وحقيقة واضحةٌ، أيُّهَا الشاب، احذرْ داءَ التجربة، احذر داءَ التجربة، احذر داءَ التجربة.

 

إنَّه داءُ الندامة وجالب الملامة، أيٌّها الشابُّ، لا تُغامر بدينِك، فذهابُه من أعظم الخسران، واهرب بدينِك آخر الأوطان، يا أيُّهَا الشابُّ، لا تخاطر بعقلك، فذهابُه أوَّل الحرمان، واقصد بعقلك روضةَ الإيمان، قد دلَّ الواقعُ بما لا مجال معه للتردُّد أنَّ رفقة السُّوء والصُّحبة الشريرة هي القائدُ الأوَّل الَّذِي يقود الشاب إلى هاوية المخدِّرات.

 

فيا أيُّها الشابُّ، احذر السُّقوط، واحذر المجاملة، فالمخدِّرات نارٌ محرِقة، واعلم أنَّك إن تنازلْتَ في المرَّة الأولى فإنَّك ولا شكَّ سوف تسقط في المرَّة الثانية، ولا ريب أنَّ أوَّل هذا الأمر في يدك، فأنت صاحبُ القرار، ولكن اعلم يقينًا أنَّ آخره لا تملكه أبدًا.

 

أيُّها الشابُّ، هل رأيت مُدمنًا للمُخدِّرات محافظًا على صلواته بارًّا بولديه؟ هل رأيت مُدمنًا للمُخدِّرات قد حصل على الشهادات العالية، وتبوَّأ المناصب السَّامية؟ هل رأيت مُدمنًا للمُخدِّرات صاحبَ تجارات وثروات وأملاك وعقارات؟ لا، أيُّهَا الشابُّ، إنَّ المخدِّرات تُلوِّث كُلَّ جميلٍ، وتسدُّ كُلَّ سبيل، تقود إلى كُلِّ قبيح، وتقضي على كُلِّ مليح، تقتلُ الأمل وتُورث الندم، تجرِّد الإنسانَ من كلِّ شيء؛ فيكون جسدًا بلا روح، عالةً على نفسه وأهله وجيرانه، يهيم على وجهه كالمجانين، لا يعرف معروفًا ولا يُنكر منكرًا، لا يصون عرضًا ولا يبني مجدًا.

 

أيُّهَا الشابُّ، كم من شابٍّ متفوِّقٍ مجتهدٍ مثابر سقط في وحل المخدِّرات؛ فتبدَّل حاله من النشاط إلى الكسل، ومن الذكاء إلى الخبَل، من التفوُّق إلى التعثُّر! كم من موظَّفٍ مُتفانٍ في عمله قد رزقَه الله رزقًا حلالًا، يكفُّ به نفسَه عن الناس، يُطعم نفسه وأهله، فزلَّت به القدمُ إلى وحْل المخدِّرات فتكرَّر غيابُه، وكثر لومه وعتابه، نصحه الزميل والمدير من عاقبة خسارة المصير، فطُرِدَ من وظيفته، وأصبح يسأل القريب والبعيد، فإِن أُعطِيَ، وَإِلَّا سرَق واعتدى وظلم وبغى.

 

أيُّهَا الشابُّ، هل تظنُّ أنَّ ذلك الشاب الَّذِي خسر دراسته ومستقبله ووظيفته وراتبه، أو دخل السجن وظُلمته، أو دخل المصحَّة النفسيَّة يظنُّ أنه سوف يكون في هذا المكان يومًا؟

 

لا والله، لا والله، لم يخطر له على بالٍ أن يكون في هذا المصير يومًا، لكنَّها خطوات الشيطان، ورُفقاء السوء من بني الإنسان، تنقل الشخص إلى أسوء حالاته، أيُّهَا الشابُّ، كيف تسلكُ طريقًا ترى فيه الصرعى والمرضى بل الموتى؟ إنَّه طريقٌ مظلم مخيف موحشٌ، يقود إلى الفقر والمرض والسجون والجنون والمصحَّات والهلوسات.

 

قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنَّ عَلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: «عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ» (رَوَاهُ مُسْلِم).

 

عباد الله، ونحن نتحدَّث عن ظاهرة المخدِّرات القبيحة أُوَجِّهُ رسالة إلى أخوينِ، أجزمُ أنَّ فيهما من الخير والصلاح ما لا يخلو منه قلبُ مسلم موحِّدٍ، فأوَّل هذه الرسائل إلى ذَلِكَ الشابِّ الَّذِي سلك طريق المخدِّرات، وذاق من ويلاتها، وشرب من كأس هوانها ورأى من سوء حالها.

 

أقول له: أبشرْ بربٍّ يقبل التوبةَ، بل وَيفرح بتوبة عبده، واللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- يقول: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} [الشورى: 25] بل يجازيه على توبته، إنَّه يُبدِّل سيئاته السابقة إلى حسناتٍ كالجبال.

 

اسمع إلى قول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 70] ويقول –سُبْحَانَهُ-: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].

 

فأدركْ ما بقِيَ من عمرك، وأنقذ ما بقيَ من أيَّامك، واعلم أنَّ مَنْ ترك شيئًا لله عوَّضه الله خيرًا منه، ومَنْ توَّكل على الله كفاه وأيَّده ونصره، واعلم أنَّ النفس تحتاج إلى وقفةٍ حازمة؛ حتى تستقيم على أمر الله، فلا بُدَّ من معاناةٍ في أوَّل الطريق، ثم بعد ذلك حسنات وخيرات وانشراحٌ وصلاحٌ وفلاح.

 

واعلم أنَّه لا سبيل إلى النجاة من دروب المخدِّرات إِلَّا بمُفارقة أهلها، والابتعاد عنهم، وقطع كلِّ طريق معهم، وَإِلَّا فأنت كمَن يحاول حبسَ الماء بإناء مخرقٍ، فلا هو ظفر بماء، ولا هو سَلِم من العناء، وعليك بالدعاء، فمَن لزم الدعاء يُوشِك أن يُعطَى الإجابة، وعليك بالترداد على المساجد والصَّلاة فيها والمكث فيها والتشاغُل بما هو نافع.

 

ولا بأس من الاستعانة بعلاج نافع أو طبيبٍ صادق، فإنَّ العاقل يسلك كلَّ طريق يُؤدِّيه إلى النجاة.

 

وأمَّا الرسالة الثانية فإليك يا مَنْ تُتاجر في المخدِّرات، ويا مَنْ تُروِّج المخدِّرات، أمَا تعلم أنَّ أيَّمَا جسدٍ نبت من سُحتٍ فالنارُ أولى به؟ أمَا تعلم أنَّك لا تُسمع لك دعوةٌ عند الله، ولا يتيسَّر لك أمرٌ من الله؟

 

فقد جاء عن النَّبِي -صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قوله: «إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ».

 

يا لها من خسارة عظيمة أن تقطع كلَّ حبل بينك وبين الله؛ بسبب هذه التجارة الخبيثة! فلا يرتفع لك دعاءٌ، ولا تُقضى لك حاجةٌ، يا مَنْ تُتاجر في المخدِّرات، يا مَنْ تُروِّج للمُخدِّرات، أمَا تخاف من دعوة أمٍّ أفسدْتَ ولدَها؟ فهي تدعو عليْكَ في ظُلمة الليل، أمَا تخاف من دعوة والدٍ يدعو عليك وهو مظلوم وأنت ظالم؟ فهو قد رَبَّى وأصلح، وأنت أفسدْتَ وخرَّبْتَ، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب.

 

أيُّهَا المروِّجُ، نعم، قد تكسب المال، لكنَّك ستخسر أشياء كبيرة، قد تخسر صحَّتك بطرفة عين عقوبةً من الله، قد تخسر صلاحَ أبنائك في المستقبل، فيكونون عليك جحيمًا ووبالًا، والجزاء من جنس العمل، فكما أفسدْتَ أبناءَ المسلمين، يكون جزاؤك من جنس عملك، نعم، قد تكسب المال، لكنَّك ستخسر السكينةَ والاستقرار وهدوء البال، نعم، قد تكسب المال، لكنَّك ستُنزع البركةُ من كل شيء، فتُب إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ-، واستغفر، وأطبْ مطعمَك، وسوف يُغنيك اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- من فضله.

أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31]، واللهُ أَعْلَمُ.

 

اللهمَّ إنا نسألك الهدى والتُّقى والعفاف والغِنى، اللهمَّ إنَّا نعوذُ بك مِنَ الرِّبَا والزِّنَا والزَّلازل والمحن والفِتَن ما ظهَرَ منها وما بطَن، سبحان ربِّك ربِّ العزَّةِ عمَّا يصفونَ، وسلامٌ علَى الْمرُسلينَ، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.

______________________________

الكاتب: إبراهيم بن فهد الحواس