هل نتعلم بحجم أخطائنا؟!
لمَ لا نَستسلم للتغيير نحو تعلُّمٍ أفضل، عوضًا عن الغوص في مستنقعٍ من وحل الإنكار والاستكبار؟
مثلما قُدِّر للإنسان أن تكون أعمق جراحاته تلك التي يَصنعها بيده، فإن الله ألهمه القدرة لتعلُّم أفضل ما يُمكن تعلُّمه بعد أي جرْح تسبَّبت فيه خطوته العاثرة تلك، شريطة أن يقوم بفعل ما يَنبغي عليه فعله دونما تخاذُل متسلِّحًا بالصبر.
إنك أنْ تَعترف لنفسك أولاً بوقوع الخطأ - حيث لا يُمكن لذاكرتك نسيان ما تُحاول أن تتجاهَله - أبلَغُ في إيقاف الضلالات المتدفِّقة على وجدانك وفِكرك، وبعدها حاوِلْ جاهدًا تقصِّي كيفية تحويلها لنجاحات جديدة.
في كتاب جيرارد ج. نيرين برج "Do It Right The First Time" (افعل ما ينبغي أن تفعله أول مرة) يُطلعنا الكاتب على كيفية تعلم أفضل ما يُمكِننا فعله من أخطائنا التي لا تُنسى، ومِن عثراتنا وسقطاتنا المؤلمة.
هو أيضًا صاحب كتاب "فن التفاوض" و"كيف تقرأ شخصًا كما تقرأ الكتاب؟" How to" "Read a Person Like a Book.
وهي من الكتب التي يُفضفض لها بوحك بصمتٍ وبثقة؛ لأنَّ الكاتب يعلمنا كيف نُصارح النفس التي تناهض الاعتراف بالخطأ، حينها سنتعلم ما ينبغي علينا فعله.
انشغل البعض بقراءة أفكار الآخرين، ونَقدِها، وتحليلها، وهذا ليس بالأمر السهل، ربما، لكن ذلك ليس المهم؛ الأجدى أولاً أن نقرأ أفكارنا بوعي، وسنعترف عند تلاحق الأسئلة التي ستطرق رأسنا كما لو لم نسمعها من قبل، حينها ستعترف بأنك أخطأت، وحينها فقط ستتعلم.
هل شاهدت حجَّارًا وهو يكسر الأحجار؟
إنه يطرقها مائة مرة دون أن يتبيَّن له أثر كسر، ويهمُّ بطرقها كل حين كما لو أنه يفعل ذلك للمرة الأولى، وما تلبَث أن تنكسر أمام عينيه تلك الصخرة القاسية، إنَّ ما كسَرَها ليست الضربة الأخيرة؛ وإنما المائة ضربة التي سبقتْها.
وكذا المشكلة قد لا يُصلحها السؤال الأول الذي تطرحه على نفسك، ولكن قد تهتدي لما ينبغي عليك تداركه عند السؤال الخمسين مثلاً.
هكذا لا نتعلَّم بقدر حجم أخطائنا ومشكلاتنا فقط، بل بحجم تأمُّلنا لما ينبغي علينا فعله، ويُقال: "إنَّ أي شخص يَفشل في إدراك مشاكله، يَترك بابًا مفتوحًا تندفع المآسي من خلاله"؛ باولو كويلو.
وهكذا ينبغي أن نعلِّم أنفسنا ألا نرهنها حبيسة منطقة الظلِّ والاستجداء بالماضي أو الانكسار عند نقطة ما.
إنَّ لحظة إيقاف الأفكار المتدفِّقة والتأمُّل ومعرفة النفس والاعتراف لها في لحظات العزلة التي ينبغي أن نقتطعها لأنفسنا - ستصنَع لنا عالَمًا جميلاً مِن التصالُح مع الرُّوح دونَما إذلال لكرامتِنا أو سجنِها في حدود عثراتنا السابقة.
هكذا يَجب أن نتخيَّل أنفسنا عندما نجدها في مأزق: الوعي بحدوث المشكلة، والاعتراف بحدودها، وطرح التساؤلات، والإجابة عنها بصدق، واختيار البدائل الأكثر أمنًا، والأقل إيلامًا وضررًا، مع الابتعاد عن الشعور بالندم الذي يُغلِّف المزاج بالصدأ، ويَخبو معه كل لمعان للإبداع والتعلم، ثم الاستعانة بالله أولاً وآخرًا على التوفيق للعمل الجادِّ دون يأسٍ.
لنتعلم ترميم الأخطاء، وطبطبة الجراح، واندمال القروح، بدلاً من أن ننكأها بجَلدِنا لذواتِنا إيهامًا مِنا بأن هذا هو سبيل التصحيح، ونُعيد اجترارها من غياهب الإنكار.
منَحَنا الله القدرة والرغبة معًا على التعلُّم من أخطائنا دونما ندمٍ أو ألم، ليس لأننا ملائكة، بل لنُحقِّق حكمته في قوله عزَّ وجلَّ: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 10]، وهذا هو البلسَم الرقراق الذي يَمشي على أفكارك فيَغسلها دونما ألم.
لمَ لا نَستسلم للتغيير نحو تعلُّمٍ أفضل، عوضًا عن الغوص في مستنقعٍ من وحل الإنكار والاستكبار؟
___________________________________
د. نسرين الحميد
- التصنيف:
- المصدر: