الغيرة على أعراض المسلمين

منذ 2024-06-08

يا هاتكا حرم الرجال وقاطعا   ***   سبل المودة عشت غير مكـــرم  لو كنت حرا من سلالة ماجد   ***   مـاكنـت هتـاكا لحـرمـة مسـلم

إن الله - عز وجل-  يقول: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء: 18].

 

لقد تعالت هذه الأيام صيحات مناوئة، وصرخات مغرضة، غاظها ما يعرفه بلدنا - ولله الحمد - من صحوة دينية متنامية، وما صار عليه كثير من شبابنا من الالتزام بشرع ربنا، والاستقامة على سنة نبينا - صلى الله عليه وسلم-، وما تعرفه الساحة الوطنية والعربية من تكاثف الجهود بين الغيورين، من أجل القضاء على مظاهر الفساد المادي والأخلاقي، فصاروا يفصحون عن ضيق عطنهم بخرجات مستفزة، وتحليقات طائشة، زرعا للفتنة بين المسلمين، وزعزعة لعقيدة المؤمنين الآمنين، وتحديا فاضحا لشريعة رب العالمين، وردا متهورا غير محسوب العواقب لسنة سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلـم-.

 

إنهم يحاولون هدم ما تبقى من وازع أخلاقي في نفوس المغاربة، المعروفين منذ القدم بغيرتهم الشديدة على أعراضهم، وتحفظهم القوي من كل ما يخدِش حياءهم، ويعكر ماء عفتهم، فصرخوا في وجوههم أنْ هذه أجسادكم ملك لكم، نرفع القيود عنها لتفعلوا بها ما تشاؤون، وتضعوها حيث تشاؤون، لا أحد يملك الحق في عتابكم عليها، فلستم في حاجة إلى موعظة واعظ، ولا نصيحة ناصح، إنما هي حقوق الإنسان الكونية، المجمعة على الحرية الجسدية، التي يجب أن لا تشمئزوا في توظيفها في الزنا، ولو كان المرتكب لها بناتكم، وأمهاتكم، وأخواتكم.

 

أصبحت حقوق الإنسان المصنوعة في معامل الغرب، والمحبوكة بخيوط العداوة للإسلام والمسلمين مصدرا للتشريع من دون الله، أما قوانين الأدب والحياء المعمول بها في محاكمنا فهي جناية علينا، يجب أن تتبدل، وأن يمحى منها كل ما يتنافى مع الحرية الفردية للأشخاص. فلماذا نمنع شابا وشابة بلغا الثامنة عشرة، تراضيا على ممارسة الفاحشة؟ ولماذا نمنع باخرة غربية محملة بألفين ومائة شاذ وشاذة من مختلف أنحاء العالم، من الرسو في موانئنا، والرسو بعد ذلك على شعورنا وأخلاقنا ومبادئنا؟

 

فكيف يسمح لمثل هذه الدعوات الخطيرة على أمتنا وأمننا أن تبسط لها الجرائد والمجلات، وتفسح لها القنوات والإذاعات.

يا هاتكا حرم الرجال وقاطعا   ***   سبل المودة عشت غير مكـرم 

لو كنت حرا من سلالة ماجد   ***   مـاكنـت هتـاكا لحـرمـة مسـلم 

 

إن دستورنا - الذي صوت عليه المغاربة بما يقرب من الإجماع ـ ينص على إسلامية الدولة، ويجعل من مبادئه صيانة تلاحم مقومات هوية الأمة المغربية، ويتناغم مع عموم أحكام القانون الجنائي المغربي في باب الحياء والآداب والأعراض، حيث نجد الفصل 483ينص على أن "من ارتكب إخلالا علنيا بالحياء، وذلك بالعرى المتعمد، أو بالبذاءة في الإشارات أو الأفعال، يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنتين، وبغرامة من مائة وعشرين إلى خمسمائة درهم".

 

أليست تلك الدعوة ـ إذا ـ تشجيعا على الفساد، الذي نصت عليه المادة 490 التي يطالبون بإلغائها، والتي تنص على أن "كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية، تكون جريمة فساد، ويعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة"؟.

 

أليست تلك الدعوة ضربا من ضروب التحريض على الزنا والفساد، الذي تحدث عنه الفصل 502 الذي يقول:"يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنة، وبالغرامة من عشرين ألف إلى مائتي ألف درهم، من قام علنا بجلب أشخاص، ذكورا أو إناثا، لتحريضهم على الدعارة، وذلك بواسطة إشارات، أو أقوال، أو كتابات، أو أية وسيلة أخرى"؟.

 

أليست هذه الدعوة تشجيعا ومساعدة لفتاة استمرأت الزنا لمرات متعددة، حتى تصير متمرسة على البغاء، مع أن الفصل 488يصرح:"يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبالغرامة من خمسة آلاف إلى مليون درهم، ما لم يكون فعله جريمة أشد، كل من أعان، أو ساعد، أو حمى ممارسة البغاء،.. وذلك بأية وسيلة كانت"؟.

 

أليست تلك الدعوة تشجيعا على السياحة الجنسية، وما يستتبعها من تهيئة محلات، أو مؤسسات لممارسة الدعارة والبغاء، التي شدد الفصل عقوبة كل متورط فيها بحيازةٍ، أو تسييرٍ، أو تمويلٍ، بالحبس من أربع سنوات إلى عشر سنوات، وبالغرامة من خمسة آلاف إلى مليوني درهم؟.

 

ألنا بعد هذه الدعوة أن نتحدث عن تجريم التحرش الجنسي، وتحديد عقوبته بالحبس سنة إلى سنتين، وغرامة من خمسة آلاف إلى خمسين ألف درهم، وقد يكون مطية لتحقيق تلك الرغبات، وتفجير تلك النزوات؟.

 

وهل سيبقى ـ بعد هذه الدعوة ـ مجال لتجريم الإجهاض، الذي يصرح القانون في الفصل 454 بالعقوبة والغرامة لكل امرأة أجهضت نفسها عمدا، أو حاولت ذلك، أو قبلت أن يجهضها غيرها، أو رضيت باستعمال ما أرشدت إليه، أو ما أعطي لها لهذا الغرض؟.

 

ألم يكتفوا ب 800 عملية إجهاض، تمارس عندنا ـ يوميا ـ، معظمها سرّي، ومعظمها يهمّ نساء غير متزوّجات؟

 

ألم يهتموا لمصير الحاملات اللاتي يموت 13% منهن بسبب الإجهاض؟.

 

ألم يشفقوا على حال الولادات غير الشرعية، التي يبلغ معدلها 80 ألف مولود ـ تقريبا ـ كل سنة، كثير منهم يموت أو يقتل بعد الولادة خشية العار؟.

 

كيف نرضى لنسائنا هذا الواقع المرير، والمسلمون مجتمع واحد، وجسد واحد. يقول الله تعالى:"وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ". ويقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم-: «المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضا» وشبك بين أصابعه" متفق عليه.

 

إن مما يميز المسلم الصادق، المحافظ على دينه، أنه يغار لعرض المسلمين أن ينتهك، يغار لحياء المسلمين أن يخدش، يغار لحرمة المسلمين أن تهدر، ومن لم يكن كذلك فليراجع نفسه.

 

قال ابن القيم - رحمه الله -:"إذا ارتحلت الغيرة من القلب.. ترحل الدين كله".

 

وقال الإمام الذهبي:"لا خير فيمن لا غيرة له".

 

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ» (متفق عليه).

 

وتعظم غيرة الله - عز وجل - حين تنتهك الأعراض. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: «يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ، أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ» (متفق عليه).

 

وإنما الغَيرة صيانة الأخلاق، وسياج الأنساب. قال الغزالي - رحمه الله -:"وإنما خلقت الغيرة لحفظ الأنساب، ولو تسامح الناس بذلك لاختلطت الأنساب، ولذلك قيل: كل أمة وضعت الغَيرة في رجالها، وضعت الصيانة في نسائها". وهذا سبب تشديد العقوبة على كل يقر الخبث في أهله، ولا تتحرك غيرته لصيانتهم. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: «ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدا: الديوث، والرجلة من النساء، ومدمن الخمر». قالوا: يا رسول الله، أما مدمن الخمر فقد عرفناه، فما الديوث؟. قال: «الذي لا يبالي من دخل على أهله». قلنا: فما الرجلة من النساء؟. قال: «التي تَشَبَّهُ بالرجال» (صحيح الترغيب).

 

وكان سعد بن عبادة شديد الغيرة على أهله، حتى عجب الصحابة من ذلك، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم-: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ، فَوَاللَّهِ لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّى. مِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلاَ شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ» (متفق عليه).

 

عَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم-فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،ائْذَنْ ليِ بِالزِّنَا. فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا: مَهْ مَهْ. فَقَالَ: «ادْنُهْ» ". فَدَنَا مِنْهُ قَرِيباً،َ فَجَلَسَ. قَالَ: «أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ»؟. قَالَ: لاَ وَاللَّهِ جَعَلَنِى اللَّهُ فِدَاكَ. قَالَ: «وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأُمَّهَاتِهِمْ». قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لاِبْنَتِكَ»؟. قَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَعَلَنِى اللَّهُ فِدَاكَ. قَالَ: «وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ». قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ»؟. قَالَ: لاَ وَاللَّهِ جَعَلَنِى اللَّهُ فِدَاكَ. قَالَ: «وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأَخَوَاتِهِمْ». قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ»؟. قَالَ: لاَ وَاللَّهِ جَعَلَنِى اللَّهُ فِدَاكَ. قَالَ: «وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ». قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ»؟. قَالَ لاَ وَاللَّهِ جَعَلَنِى اللَّهُ فِدَاكَ. قَالَ: «وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالاَتِهِمْ». قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ». قَالَ: فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَىْءٍ" أحمد وهو في الصحيحة.

_______________________________________________
الكاتب: د. محمد ويلالي