الإدمان المعاصر: الجوال

منذ 2021-03-07

بالجوال نستطيع أن نكسب آلاف الحسنات، وندعو إلى الخيرات، فاتقوا الله عباد الله، واشكروا نعمة ربكم بأن سخر لكم هذه الأجهزة، وتعاهدوا أبناءكم وبناتكم بالرعاية والرقابة، والنصح والتوجيه، وبيان مخاطر سوء استخدام هذه الأجهزة

شباب وفتيات، رجال ونساء، بل حتى الصغار وقعوا ضحية للإدمان.. نعم!

 

الإدمان، إدمان عجيب غريب تجد الواحد لا يستغني عما أدمن عليه إلا وقت النوم فقط، ولكن ليس الإدمان المعهود المعروف إدمان المخدرات والمسكرات، لا!!

 

بل إدمان من نوع آخر إنه إدمان استخدام الجوال تدخل كثيرًا من المجالس، فلا تكاد ترى الجالسين إلا وكل واحد منهم بيده جهازه يتفقده، تدخل إلى المستشفى فتجلس في صالة الانتظار، فتجد الجميع طأطأ رأسه وينظر في جواله، تخرج إلى الشارع، فإذا بك تنظر يمنة ويسرة إلى السيارات المتوقفة المنتظرة، فتجد الجميع السائق والراكب كلهم ينظر في جهازه، تجد الواحد بلا شعور يُدخل يده في جيبه، ويُخرج الجهاز ولو لم يكن له حاجة فيه، يستيقظ النائم من نومه، فيفتح عينيه على جهازه يقلبه دقائق، وهلم جرًّا، نعم هذه هي مظاهر الإدمان وبعضًا من صوره، حتى غدا مرضًا من الأمراض يحتاج إلى علاج.

 

عباد الله: هذا الجهاز الصغير الذي بين أيدينا جهاز الجوال، جهاز عجيب، ملكه الكبير والصغير، والفتاة والمرأة، بل حتى بعض الأطفال الصغار، فأصبح جزءًا لا يتجزَّء من حياتنا، لا يمكن لنا الاستغناء عنه، فبه تتم المصالح، والأعمال، والاتصالات، والعمليات المالية، تنوعت أشكاله ومهامه وقيمته، هو نعمة من نعم الله علينا قرَّب البعيد، وسهل العسير، ووفر الجهد والوقت، وأُنجزت به كثير من المعاملات، فيه منافع وحاجات، وفي المقابل فيه مآثم، وآفات، وانحرافات.

 

عباد الله: الجوال كحال كل تقنية جديدة تدخل علينا فيه الخير وفيه الشر، ولكن للأسف أن كثيرًا من الناس اليوم استخدمه فيما لا نفع فيه، بل ربما فيما حرم الله، والحديث عن آفات الجوال الشرعية، والأخلاقية، والاجتماعية، حديثٌ طويل، ولعلنا نشير إلى بعض من ذلك حتى نحذرها ونستشعر خطورتها.

 

فمن آفاته وسيئاته الأخلاقية، ما يحدث بسببه من العلاقات المحرمة بين الشباب والفتيات، من محادثات ومراسلات، ومواعيد ومقابلات، وقد أجريت عدة بحوث في السجون ودور الملاحظة وسجن النساء، كانت بدايتها مكالمةٌ او رسالة جوال، وقصةُ حب وهمية، ونهايتها جريمةٌ أخلاقية، تدمع لها العين، ويندى لها الجبين.

 

ومن آفاته مشاهدة ما فيه من مقاطع، وأفلام، وصور سيئة لنساء ومحرمات، وسهولة الدخول على كل موقع وحساب سيء للصغار والكبار.

 

ومن آفاته ضياع الأوقات فيما لا نفع فيه لا دنيا ولا آخرة، فأصبح الكثير يتنقل فيه ما بين برامجه الكثيرة (واتس، تويتر، سناب، انستقرام) وغيرها الكثير، يتصفح ويقرأ ويشاهد، أضاع وقته في ذلك، فكان سببًا لضياع الواجبات، من صلوات، وبر الوالدين، والواجب الوظيفي الموكل به، وواجبات أهل بيته وأولاده، قرب البعيد، ولكنه بعَّد القريب، فالأسرة في مجلس واحد وكأنهم بعيدون عن بعضهم البعض كل مشغول في جواله وفي حاله.

 

عباد الله: ومن آفاته وسيئاته حدوث الحوادث المرورية بسببه، فكم من سائق ينظر في جواله، ويُقلِّبه ويكتب رسالة ويتصل وهو يقود، وقد يؤدي به ذلك الإهمال إلى حادث مميت قاتل له ولغيره.


ومن آفاته: إيذاء المصلين في المساجد بأصوات الجوال والموسيقى، فإن بعض المصلين يدخل المسجد، ولا يغلق المنبه، فتصدر أصوات الاتصالات فتزعج المصلين.

 

ومن آفاته حب التصوير لكل شيء وخاصة من قبل النساء والفتيات، فأصبحت بعضهن تصور كل شيء من حين أن تستيقظ إلى أن تنام، كلما أكلت وشربت، وخرجت وسافرت، وذهبت إلى سوق، واشترت شيئًا جديدًا صوَّرت، تصور بيتها وبناتها وأبناءها وهم في أجمل صورة وهيئة، تصور الهدايا التي أهديت إليها وأمور كثيرة، ثم تنشر ذلك في حسابها في السناب أو غيره، وقد تتفاجأ بعد ذلك بمرضها المفاجيء أو مرض زوجها أو ولدها وبنتها، ويكون السبب عين حاسدة أو معجبة بسبب ما رأته من صور وجمال ونعم وخيرات، ربما الكثير ممن يراها لا يملك شيئًا منها.

 

أيها المؤمنون: ومن آفاته تصوير البعض نفسه في كل مرة وهو يعمل عملا صالحا يتصدق، يصلي، يعتمر، يدعو، يقرأ قرآن، أين الإخلاص وإخفاء العمل ؟، ولا نقول أن كل من صور نفسه في عبادة أنه مراء، لا ! ولكن قد يكون ذلك مدخلًا من مداخل الرياء عليه، خاصة إذا تعوَّد على ذلك، والعمل الصالح الأصل فيه الإخفاء إلا إذا كانت هناك مصلحة في إظهاره.

 

وللجوال عباد الله، آفاتٌ أخرى اقتصادية: فقد أصبح همًا كبيرًا لكثير من الآباء، بسبب الفواتير بل البعض تجده يستلف ويستدين من أجل شراء جوال بقيمة كذا وكذا وربما كان غالي الثمن، كل ذلك مجاراة لمن حوله من المجتمع.


ومن مفاسد الجوال ما يقع في الرسائل من مخالفات شرعية، فالمتابع لهذه الرسائل يجد أنها أصبحت مكانًا للكلام الساقط والبذيء، أو التافه الذي لا ينفع، وقد يتناقل بعض الناس رسائل قد يكون ظاهرها الخير، لكنها تشتمل على بعض المحظورات الشرعية من بدع ومخالفات، وأحاديث ضعيفة غير صحيحة، وإشاعة أخبار غير صحيحة.


عباد الله: كم من شبابنا وللأسف، ممن أدمنوا النظر إلى المقاطع الخليعة وصور النساء شبه العاريات، ولم يكتفوا بحفظها والنظر إليها فقط، بل راح كثير منهم ينشرونها ويتناقلونها بين أصحابهم وأقرانهم، ويهدونها إلى من يعرفون ومن لا يعرفون ؛ ولا يدركون مغبة ما يفعلون، فكم من السيئات كتبت في صحائفهم، وكم من الأخلاق هدمت بسببهم، يقول تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور: 19].

تخيل معي هذا المشهد المتكرر!! أحدهم يرسل لصاحبه صورة واحدة فقط أو مقطعًا محرمًا، بل أقل الأمر صورة لامرأة متبرجة، فيقوم الثاني بإرسالها لغيره، والثالث إلى الرابع، وقد تصل كما تعلمون الرسالة في يوم أو يومين إلى مئة أو مئات، أو ربما آلاف الأشخاص، وقد ترسل إلى مشرق الأرض ومغربها، في دقائق أو ساعات، كل هؤلاء الذين وصلتهم الرسالة التي تحوي على أمر محرم، يحمل وزرهم جميعًا مرسل الرسالة الأولى ومن شارك في إرسالها، وكثير من الناس يتساهلون في مثل ذلك، ولا يستشعرون خطورة هذا الأمر، هذا لمن أرسل رسالة واحدة فقط ومقطع واحد، فكيف بمن يرسلون المقاطع والصور الكثيرة المحرمة، قال الله تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [النحل: 25]، وفي حديث أبي هريرة عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثلُ آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا».

 

عبد الله: تذكر قول الله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36]، فكل نظرة نظرتها عيناك، وكل استماع سمعته أذناك، وكل حرف وكلمة كتبتها يداك، وكل نية سيئة نواها قلبك، أنت مسؤول ومحاسب عنها يوم القيامة، لنتق الله جميعا في هذا الجهاز وليكن حجة لنا لا علينا، شاهد لنا لا علينا، طريق إلى دخولنا الجنات وزيادة الحسنات، ولنحذر أن يكون طريق لا قدر الله إلى دخول النيران وزيادة السيئات، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور: 24].

 

عباد الله: لنضع حدًا وعلاجًا لهذا الإدمان، ومن علاج ذلك محاولة التقليل من استخدام الجوال إلا في أوقات مختلفة، وألَّا يكون في كل وقت وحين، وأن نعوِّد أنفسنا في بعض الأوقات سواء كنا بمفردنا أو مع الناس أن نجلس بدونه ولا نخرجه إلا وقت الحاجة فقط، ومن العلاج أن نجعله في غرفة أخرى بعيدًا عن مكان جلوسنا خاصة في وقت النوم، كذلك أن يترك أفراد الأسرة الأجهزة عند جلوسهم مع بعضهم البعض.

 

أيها المؤمنون: كما أن للجوال مفاسد وآفات، فله كذلك فوائد ومنافع وخيرات، فالعاقل من استخدمه في ما ينفعه ويقربه إلى ربه، فبالجوال نقرأ آيات من القرآن من تلك التطبيقات الكثيرة للقرآن، وبه يصل المرء والديه، ويقضي حوائجهما، وبه يصل رحمه، وأقرباءه، وأصدقاءه، وبالجوال يسمع ما يرضي الله من مقاطع توعوية وتوجيهية، وقرآن، وبرسائل الجوال يستطيع المرء أن ينصح، ويوجه، ويرشد الناس، ويذكرهم بالأعمال الصالحات، كالصيام، والاستغفار، وذكر الله، والصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبرسائل الجوال يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، كثير منا أيها الكرام ربما لا يستطيع أن يواجه الأخرين بالنصيحة خجلًا منهم، ولكن عن طريق الرسالة يسهل فعل ذلك بدون إحراج.

 

نعم أيها الكرام!! فبالجوال نستطيع أن نكسب آلاف الحسنات، وندعو إلى الخيرات، فاتقوا الله عباد الله، واشكروا نعمة ربكم بأن سخر لكم هذه الأجهزة، وتعاهدوا أبناءكم وبناتكم بالرعاية والرقابة، والنصح والتوجيه، وبيان مخاطر سوء استخدام هذه الأجهزة، جعلنا الله وإياكم من عباده الشاكرين، وحمانا وذرياتنا من سبل المفسدين، وجعلنا وإياهم هداة مهتدين.

 

وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرية...

________________________________________
التصنيف: د. سامي بشير حافظ