جذور العنصرية الأوربية
وقد تعاظم ذلك الشعور بعد هزيمة المسلمين للروم والفرس، إذ كان العقل الغربي يتساءل: كيف تمكّن هؤلاء البدو الذين لا يعرفون الحضارة من هزيمتنا؟
نظرت اليونان القديمة، إلى نفسها وكأنها صاحبة الحضارة الوحيدة، وكأن بدء الحضارة الإنسانية كان من أرضها، وأنها المهد الأوحد لحضارة الإنسان، وأن أي حضارة أخرى ليست إلا مجرد صدى لحضارتها.
ونظرت الحضارة اليونانية إلى غيرها من الحضارات نظرة ازدراء، حيث كانت ترى أن الشعوب الأخرى شعوب بربرية همجية، لا ترقى إلى المستوى الحضاري والمدني الذي كانت تعيش فيه أثينا. وكان معيار هذه النظرة العـنصرية هو معرفة اللغة اليونانية؛ فكل من لا يعرف اللغة اليونانية، ولا يلتزم بالتقاليد والعادات اليونانية، كان يُعتبر من الشعوب البربرية الهمجية. ومنذ ذلك الوقت، ارتكز الغرب الأوربي في عقله، وأدبه، وضميره الواعي وغير الواعي، على هذه الرؤية، حتى أصبحت من المسلّمات لديه. وهكذا كان مفهوم "من ليس معنا، فهو ضدنا" مفهوما غربيا قديما قدم الحضارة الغربية ذاتها.
وقد تعاظم ذلك الشعور بعد هزيمة المسلمين للروم والفرس، إذ كان العقل الغربي يتساءل: كيف تمكّن هؤلاء البدو الذين لا يعرفون الحضارة من هزيمتنا؟ كما تعاظم ذلك الشعور بعد عصور النهضة والتنوير، والكشوف الجغرافية، والحروب الصليبية، والثورة الصناعية، وتبني نظريات دارون، ونظريات تفوق الرجل الأبيض! ومن هنا، ندرك لماذا كان الغرب ينظر إلى احتلال الشرق على أنه أخذ بيد الشرق نحو الحضارة، وأنّ احتلال أراضي الشرق نعمة يجب أن يُحمد الغرب عليها! فالغرب عـنصري بطبعه تجاه الشرق، لا سيما إذا كان ذلك الشرق يدين بالإسلام!
وهكذا، فإن الغرب لا يرى بأسا بأن يدّعي أنه صاحب الحضارة الأوحد، مع أنه يبيد شعوبا بأكملها من أجل احتلال أراضيها وسرقة مقدراتها، ويشيّد المتاحف التي يضع فيها جماجم شهداء المسلمين الذين دافعوا عن أراضيهم، ويعتبرهم إرهابيـين، وهو أول صانع للإرهـاب.
هاني مراد
كاتب إسلامي، ومراجع لغة عربية، ومترجم لغة إنجليزية.
- التصنيف: