أنا لست مهم في الحياة، ما الفائدة من وجودي
أسئلة أخرى تأتيك وتبدأ تنهش عقلك، تشكك في نفسك وفي قدراتك وفي فائدة ما تقوم به، وأنا هنا أتيتك -عزيز القارئ- كي أشارك معك لحظة ضعفي، فربما تمر بها الآن أو مررت بها سابقاً، أتيتك لأقول لك عبارة واحدة:
كتب : عمر عبد الله
بالأمس قُوبِلت بالرفض، فبعد أن أرسلت لهم مقالتي التي تعبت عليها، وانتظرتهم عدة أيام، أتاني جوابهم: نأسف، مقالتك غير مقبولة ..!
هذه المقالة كنت قد أرسلتها إلى جهة أخرى قبل تلك، لكن ردهم كان أيضاً بالرفض، لقد اعتقدت أنها عظيمة الفائدة والنفع، لكن حين أتاني الرفض تلو الرفض، بدأت أتساءل، هل هي حقاً مفيدة، هل تستحق النشر أم أنا واهم ٌمسكين؟
في طريق العودة، وأنا أجلس بين مجموعة محتشدة من البشر فوق الميكروباص، وفي الشارع آلاف الناس، وفي المدينة مئات الآلاف منهم، حينها بدأت أفكر في نفسي وموقعي في هذا العالم المزدحم، هل ما أقوم به مفيد، هل أنا جيد فعلاً في عملي أم أنا واهم؟ هل أمتلك الموهبة أم أنا متطفل؟ هل أكمل أم أتوقف؟ ولماذا أكمل أصلاً؟ ما الفائدة وما الجدوى؟
كانت ثقتي بنفسي قد اهتزت، ورغبتي في فعل أي شيء قد ضمرت.
أسئلة أخرى تأتيك وتبدأ تنهش عقلك، تشكك في نفسك وفي قدراتك وفي فائدة ما تقوم به، وأنا هنا أتيتك -عزيز القارئ- كي أشارك معك لحظة ضعفي، فربما تمر بها الآن أو مررت بها سابقاً، أتيتك لأقول لك عبارة واحدة:
نعم أنت ذو قيمة في الحياة، لديك موهبة، عملك جيد، وحياتك ليست عبثاً.
أكتب لك هذه المقالة في صباح اليوم التالي، لم أكن قادراً على الكتابة بالأمس حين عدت إلى المنزل، كيف أكتب وذلك الإحساس السيء يتملكني، أردت حينها فقط أن أغلق الستار على ذلك اليوم، أن أستسلم للوسادة وأنام في سكون.
ولقد أتت الشمس في يومنا هذا لتشرق من جديد على الأرض، تشرق على مليارات البشر كل يوم بعد أن قبض الموت الأصغر قبضته وأودع أرواحهم في عالمه المجهول، هاهم يُبعثون من جديد بعد أن سطع النور على قلوبهم قبل أوطانهم، إنه النور الذي يبدد كل المخاوف ويزيل كل الأوهام...
ومن تلك الأوهام: وهم أنك لست ذو قمية، وأن عملك ليس له أهمية.
هاءنا أقول لنفسي، وأقول لك، أنه من الطبيعي أن تقابل بالرفض، إن الرفض يدفعك للمحاولة أكثر، وإجادة العمل أكثر، وهذا يؤدي إلى التميز والإبداع، ولو لم يكن هنالك رفض، لو كانت الدنيا قد قابلتك بالحفاوة والقبول من أول ضربة، حين كنت في بداية الطريق وأول المشوار، حين كنت في أسفل السلم بعد أن صعدت أول درجة، لو أن ذلك قد حصل، لكنت توقفت هناك، حينها كنت فعلاً ستعيش في وهم، وهم أنك وصلت في حين أنك لم تصل بعد، وهم أنك في القمة وأنت فعلياً في أسفل السلم، فالرفض يعني أن تستمر في الصعود، الرفض يدفعك لإكمال المشوار.
أقول لنفسي ولك، أنت مهم في الحياة، لك دور، وإلا لما خلقت أصلاً، فكيف يخلقك الله عبثاً، أليس الله قد قال في كتابه المبين (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ)، لاحظ كلمة (وما بينهما) وأنت تعيش (بينهما).
إن لك دوراً ومهمة، ربما فقط لم تكتشفه بعد، وكيف السبيل لاكتشاف مهمتك يا ترى؟ إنه بالمضي في الطريق، في أن تعيش حياتك وتستمر في التعلم أو العمل، المهم أن تحرص أن يكون عملك صالحاً، إن كان عملك غير صالح أو يؤيد إلى ضرر للإنسان أو العمران، فاسعى جاهداً إلى تغييره وابحث عن ما يوفر لك أمرين اثنين (شغفك، ورضى ربك) أن يكون (عمل تحبه وترغب به، وأن يكون عملاً صالحاً) وأيضاً أن يوفر لك دخلاً إن محتاجاً له.
يا صديقي، ليس شرطاً أن تكون مشهوراً، ليس شرطاً أن تكون غنياً، ليس شرطاً أن تؤدي أعمال عظيمة كبيرة، ولا تشغل نفسك بهذه الأمور التافهة، إن كان قدرك أن تؤدي مهمة عظيمة فسوف تصل لقدرك، وإن كان قدرك أن تؤدي مهمة صغيرة تنفع بها نفسك وأسرتك ومن حولك، فليكن ذلك، لا تحاول معاكسة الأقدار، أنا لا أقول أن لا تكون طموحاً وأن لا تعانق بطموحك السماء، لا لا، بل اطمح واسعى في الطريق ثم ارضى بالنتائج أياً كانت، إن طمحت أن يصل صوتك (أو نفعك) لمليون إنسان لكنه وصل لعشرة منهم فقط، فكن سعيداً بذلك، لقد أديت الذي عليك، ولقد كنت ذو أهمية لأولئك العشرة.
حين عدت إلى المنزل، احتضنني ابني الأكبر، أما بنتي الصغيرة فكانت قد نامت، لكنها فتحت عينيها وابتسمت في وجهي، فأتيتها وقبلتها، فزال الحزن كله، وعلمت أن لدي دوراً ومهمة، أن أسعد تلك القلوب البريئة والأرواح النقية.
كل صباح هنالك فرصة لأن ترسم البسمة في وجه أحدهم، فرصة أن تساعد أحدهم بالمال أو الجهد أو الكلمة، كل يوم هنالك فرصة أن تتعلم شيئاً جديداً، فأنت حين تقرأ كتاباً أنت بذلك تزيل جانباً من الظلام الذي تغرق فيه، والذي ربما هو سبب بؤسك وحزنك، فالنور حين يدخل قلبك يطرد الأوهام والخيالات، كل يوم هنالك فرصة أن تصعد خطوة نحو حلمك أو هدفك، قل الحمد لله أن هنالك سلماً أصلاً تصعد عليه، أن هنالك جسداً صحيحاً تسير به، أن هنالك وقتاً متاحاً تعمل من خلاله، إن كانت هنالك فرصة فاستغلها، وإن لم يكن هنالك فرصة فادع الله أن يوفرها لك كي تمضي فيها.
وأخيراً، إن لم يهتم بك أحد، فلا تنسى أن الله يهتم بك، أليس من وهبك الحياة، أليس من أعطاك هذا المركب الذي تسير به (الجسد) كل يوم تقوم وقلبك مستمر في الخفقان، ورئتيك تعملان، والدم يسير دون توقف، والكثير من الأعضاء والأجزاء التي في بدنك تعمل، كل هذا من عطاء الله، كل تلك الأدوات هي من إمدادات الله المستمرة، إذاً أنت مهم عند الله، الله يحبك ويحب أن يسعدك، فقط استجب له، وإن كنت بعيداً فعد إليه، لأنك حين تنساه فأنت بذلك تنسى نفسك وتتخبط في ظلمات الأوهام والأحزان.
حتى وإن لم تصل لأي هدف ذو قيمة في الحياة، أو تحقق نجاحاً باهراً أو إنجازاً معتبراً، يكفي أن تصل إلى الله، أن تعرف الله، فـ(من وجد الله فماذا فقد؟ ومن فقد الله فماذا وجد؟).
- التصنيف: