تزكية النفس.. السبيل لإصلاحها

منذ 2021-03-30

وسبل التزكية كثيرة متعددة، منها إخراج الزكاة، قال تعالى {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ}  وإخراجها دليل على انتفاء صفة البخل وعلامة على الإيثار والحرص على الآخرين، وذات الشيء ينطبق على الصدقات التي تُعطى للبؤساء والمعدمين وأصحاب الحاجات.

كتب : عمر القباطي 

النفس تحب الذهب والفضة والقصور والنساء والبنين وهي مستعدة لتلبيتها ولو بطرق غير شرعية، وتحب كذلك الدعة والراحة وأن تحصل على ما تريد بسرعة وسهولة، والنفس غالبا لا تنسجم مع بعض العبادات وتراها ثقيلة وصعبة، وقد يعتريها الملل والكسل فلا تطيق القيام بأي عمل، وقد تكون جبانة لا تتمكن من المواجهة ومنازلة الآخرين وتدعوا صاحبها للاختباء عند أول اختبار، وهناك نفوس تتصف بالبخل، ولا تريد إخراج فلس واحد وإذا خرج تتأسف عليه كثيرا، تحث صاحبها على جمع ملايين وتدعوه لتكديسها والحفاظ عليها من الغبار والتراب وتحذره من إعطاء المساكين إذ ذلك مقدمة لنهاية ثروته التي ظل يجمعها طوال سنين عمره، ونفوس أخرى تصاب بالهم والغم والحزن، إذا فكرت بأمر ما في المستقبل القريب أو البعيد، أكان شخصيا كالتفكير في الدراسة والعمل، أو للغير كالتفكير بالأهل والأولاد وإنجاز الأعمال الموكلة، أو التفكير في الدين وكيف السبيل لسداده, وبالغم إذا فشلت في مهمة أو عمل ما أو أصابها مكروه، وبالحزن على ما فات ك الحزن على موت الابن والأب، والحزن من قول أحدهم إذا اتهم أو سخر أو خادع، والحزن على عدم القدرة على فعل شيء ما وتضييع الفرص، ناهيك عن بعض النفوس المريضة التي بنت تفكيرها ونظرتها للناس على الحقد والحسد، وللحياة بالقنوط والتشاؤم، هذا غير ما تصاب به من هلع وجزع وخوف وقت الشدائد، وفرح وفخر وغطرسة وقت النعم، وهكذا يظل المرء طوال عمره أسير نفسه وقابع في دوامة واحدة يحوم حولها وفيها حتى يأتيه أجله.

ولا مخرج من ذلك إلا بمجاهدة النفس وعدم إعطاها كل ما تريد وكسرها وإبعادها عن مواطن الشهوات، وإرغامها على اتباع رضوان الله {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ} وجهاد النفس لا يقل ضراوة عن جهاد العدو.
 
وأسهل الطرق لمجاهدة النفس وتقويمها وإصلاح إعوجاجها هو تزكيتها أي تعميق الإيمان فيها وتعليمها وتثبيتها على الأخلاق الحسنة.

وسبل التزكية كثيرة متعددة، منها إخراج الزكاة، قال تعالى {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ}  وإخراجها دليل على انتفاء صفة البخل وعلامة على الإيثار والحرص على الآخرين، وذات الشيء ينطبق على الصدقات التي تُعطى للبؤساء والمعدمين وأصحاب الحاجات.
ومنها أيضا فعل عكس ما تريده وتشتهيه، ومن أكثر الأشياء التي تموت النفس شغفا لها النظر إلى النساء، تتلذذ وتزهوا وتفرح إذا رأت شابة في الشارع أو السوق أو وسائل المواصلات وهي متبذلة ومترنحة، تمعن في النظر والتفكير، والخيالات تتوالى، والذي وفقه الله وكف عن النظر من أول الأمر، فانه سيرى مع مرور الوقت أنه تعود على عدم النظر، ناهيك عن التفكير فيه وفي توابعه، والناظر للواقع سيرى أن أغلب الناس لا يغضون أبصارهم بل إن بعضهم يعد ذلك تشددا، أما الذين يغضون فهم وحدهم يعرفون انعكاس ذلك على نفوسهم وواقع حياتهم {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ

وفي بعض الأحيان تتعرض النفس لمواقف تؤثر عليها سلبا أو إيجابا، وتعمل إما على رفع مقامها مع الصالحين أو تهوي بها مع الغاوين بناء على موقف المرء وعمله.

من ذلك مسألة العضل وهي منع ورفض الولي تزويج البنت أو إرجاعها إذا كانت مطلقة، يقول تعالى واصفا نتيجة عدم العضل {ذَٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ}  وينبغي للولي عدم التزمت في استخدام حقه، وبدلا من إبقاء البنت عانسا أو مطلقة طوال عمرها ينبغي عليه الستر عليها ومساعدتها في تكوين أسرة وإرجاعها إلى زوجها ما دام اتفقا على ذلك، والعواقب وخيمة إذا استمر العضل حيث أن البنت تشعر بالضياع والحيرة بعد أن حرمت من أحد أهم حقوقها، وهذا ما يجرها إلى تصرفات لا يحمد عقباها تفقد المجتمع طهارته والنفوس استقامتها.

ومن المواقف التي ترفع النفس ما هو مبين في قول الله جل وعلا  {وَإِنْ  قِيلَ  لَكُمُ ارْجِعُوا  فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَىٰ لَكُم}  آية تتحدث عن آداب دخول البيوت التي منها طرق الباب والتنحي جانبا وليس الوقوف أمامه، وعدم الدخول إلا بإذن وموافقة من قاطن البيت، وإلقاء السلام والتحية بعد الدخول، أما إذا رفض صاحب البيت دخول شخص ما، فهنا ينبغي عليه الترفع وعدم الالحاح بالدخول، والبعض يرى في الرفض إهانة وانتقاص من قدره وكرامته، مع أن المحافظة على كرامة النفس وعزتها ورفعتها لا يأت إلا بالتولي والذهاب من أمام الباب الذي رفض أصاحبه إعطاء الأذن بالدخول. وهذا مثل على دور الأخلاق وحسن التصرف في تزكية النفس.

وتزكية النفس لا تقتصر على فئة دون أخرى أو على شهر دون آخر، بل ينبغي أن تكون في كل وقت وحين، من بداية الحياة إلى لحظة الممات، وفي الحضر والسفر، وفي الصحة والمرض، وفي القوة والضعف، وفي الشدة والرخاء, في البيت والمسجد والسوق، ومع جماعة أو فرادى.. وذلك كفيل بتثبيتها على الصالحات وإبعادها عن الشيطان والهوى، بل إنه سبحانه ربط في كتابة بين تزكية النفس والفلاح، يقول الله جل وعلا  {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا}  وفي المقابل من أرخى الحبل على نفسه ولم يقاوم شهواتها الكثيرة وراغبتها العديدة، وذهب بعيدا بتخديرها بالتمني والتحلي والمعازف ، وممارسة الأعمال الدنيئة فليعم قول الله {وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}.