خطر العصبية القومية
إنّ الأمة الحقة لا تصنعها حدود التراب التي رسمها المحتل بيده الأثيمة، ولا تصنعها الحواجز التي شيدها الاستبداد، ولكن تصنعها العقيدة والرسالة التي تحملها هذه الأمة، وخلقت من أجلها.
الأمّة بمفهوم الإسلام هي التي تحمل العقيدة، وتطبقها، وتدعو البشرية إليها: " {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} ... {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} ."
وفي صحيفة المدينة: "هذا كتاب من محمد النبي رسول الله، بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم ولحق بهم وجاهد معهم، أنهم أمة واحدة من دون الناس..."
أمّا العصبية لعرق أو لون أو جنسية، فقد ذمّها الإسلام، واعتبرها من موروث الجاهلية! فعن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: " «كُنَّا فِي غَزَاةٍ، فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ! وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ !فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ .فَقَالَ: دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ » .
وقد دأب الاحتلال الغربي لبلادنا على الترويج للحضارات القومية، لتكون بديلا عن رابطة العقيدة بين المسلمين، فشجع الثورة المزعومة على الخلافة الإسلامية، كما شجع الحركات القومية في كل بلد، ثمّ قسّم البلاد العربية وفق اتفاقية سايكس بيكو، فأصبح كل قسم قسّمه الاحتلال أمّة ودولة وحده! وأصبح لكل دولة راية تستقل بها، وقد تحارب الدولة الأخرى تحتها، بل قد تحالف المحتل الخارجي ليعينها على حرب دولة مسلمة أخرى، بدعوى العصبية لهذه الراية، وما هي إلا راية جزء من جسد الأمة الذي مزقه سايكس وبيكو، وما هي إلا دفاع عن مصالح فردية ضيقة لفئات المنتفعين الذين يقتاتون على موائد الفساد والاستبداد.
إنّ الأمة الحقة لا تصنعها حدود التراب التي رسمها المحتل بيده الأثيمة، ولا تصنعها الحواجز التي شيدها الاستبداد، ولكن تصنعها العقيدة والرسالة التي تحملها هذه الأمة، وخلقت من أجلها.
هاني مراد
كاتب إسلامي، ومراجع لغة عربية، ومترجم لغة إنجليزية.
- التصنيف: