الذكر جنة الدنيا

منذ 2021-05-07

قال أحد العارفين: مساكين أهل الدنيا خرَجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله تعالى، ومعرفته، وذِكرُه.

قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].

 

يقول صاحب الظلال: "تطمئنُّ بإحساسها بالصلة بالله، والأنس بجواره، والأمن من جانبه وفي حماه، تطمئنُّ من قلق الوحدة وحيرة الطريق، بإدراك الحكمة في الخلق والمبدأ والمصير، وتطمئنُّ بالشعور بالحماية من كل اعتداء، ومن كل ضر ومن كل شر إلا بما يشاء، مع الرضا بالابتلاء، والصبر على البلاء، وتطمئنُّ برحمته في الهداية والرزق والستر في الدنيا والآخرة، ذلك الاطمئنان بذِكر الله في قلوب المؤمنين حقيقة عميقة، يعرفها الذين خالطت بشاشةُ الإيمان قلوبَهم فاتصلت بالله.

 

وليس أشقى على وجه هذه الأرض ممن يُحرَمون طمأنينة الأنس إلى الله.. ليس أشقى ممن ينطلق من هذه الأرض مقطوع الصلة بما حوله.. ليس أشقى ممن يعيش لا يدري لِمَ جاء ولمَ يذهب ولمَ يعاني ما يعاني في الحياة.. وإن هناك للحظات في الحياة لا يصمد لها بشرٌ إلا أن يكون مرتكنًا إلى الله، مطمئنًّا إلى حماه، مهما أوتي من القوة والثبات والصلابة والاعتداد؛ ففي الحياة لحظات تعصف بهذا كلِّه، فلا يصمد إلا المطمئنُّون بالله".

 

♦ فالذِّكر من أفضل القربات وأسمى العبادات؛ بل هو مصدر سكينة القلوب: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]، والذكر لهج باللسان، وخشوع في القلب والجنان، ومناجاة للرحمن؛ ليبقى الإنسان في اتصال دائم بالملأ الأعلى، والقوى العظمى، التي تعينه على الصبر ومواصلة الطريق.

 

♦ واللهِ لو علمت فضل الذِّكر ما ملَّتْ ولا كلَّتْ ألسنتُنا عن ذِكر الملِك، قال تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النساء: 103]، فالصلاة ذكر، وبعد الانتهاء من الذكر يأمرك ربُّك بأن تبدأ في ذكر جديد لا يحتاج إلى هيئة معينة أو وضع معين، قال ابن عباس: "أي اذكر ربَّك بالليل والنهار، في البر والبحر، في السفر والحضر، في الغنى وفي الفقر، في الصحة والمرض، في السر والعلانية"، وذمَّ الله تعالى المنافقين الذين {لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 142].

 

♦ وما أجمل كلامَ ربِّك في الحديث القدسي: «أنا عند ظنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإنْ ذكَرَني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرتُه في ملأ خير منه، وإنْ تقرَّب إليَّ شبرًا تقربتُ إليه ذراعًا، وإن تقرَّب إليَّ ذراعًا تقربتُ إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيتُه هرولة» وفي رواية أخرى: «أنا مع عبدي إذا هو ذكرني وتحرَّكت بي شفتاه».

 

♦ جاء رجل إلى رسول الله فقال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثُرت، فأَخبِرْني بشيء أتشبَّث به، فقال: {لا يزال لسانك رطبًا بذكر الله}[1].

 

♦ وتدبَّرْ حديث أبي الدرداء ومعاذ بن جبل، أن رسول الله قال: (( «ألا أخبركم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخيرٍ من إنفاق الذهب والوَرِقِ، وخيرٍ لكم من أن تَلْقَوْا عدوَّكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم» ؟))، قلنا: بلى! قال: (( «ذكر الله عز وجل» ))[2].

 

فالذكر يُرضي الرحمن، ويطرد الشيطان، ويملأ القلب غنى وانشراحًا، والذكر يجلب الرزق، ويفرِّج الكرب، وينفِّس الهمَّ، والذكر يكسو وجهَ الذاكر مهابة وجلالًا ونضرة.

 

وفي شهر رمضان يحلو الذكر ومجالس الذاكرين؛ حيث المضاعفة في الأجر والثواب، ومجالس تتباهى بها الملائكة، كان عبدالله بن رواحة إذا لقي الرجل من أصحاب النبي قال له: تعالَ نؤمن بربِّنا ساعة، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، قال:  «رحم الله ابن رواحة، إنه يحب المجالس التي تتباهى بها الملائكة».

 

واعلم أخي الحبيب أن  «أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا يضُرُّك بأيهن بدأتَ» [3].

 

وأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن نستكثر من الباقيات الصالحات، قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: «التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد، ولا حول ولا قوة إلا بالله» [4].

 

واعلم أن الذاكر لله حيٌّ وإن ماتت منه الأعضاء، والغافل عن ذكر الله ميت وإن تحرَّك بين الأحياء، كما جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَثَلُ الذي يذكُر ربَّه والذي لا يذكُرُ مَثَلُ الحيِّ والميت» واعلم أنك إذا ذكرتَ الله دخَلتَ أعظم وأشرف معيَّة.

 

قال (ثابت البناني): إني لَأعلَمُ الساعة التي يذكُرُني فيها ربي، فقيل: كيف ذلك؟ قال: ألم تقرأ قوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}  [البقرة: 152]؟

 

فسبحان الله! من أنت أيها العبد الفقير الضعيف حتى يذكُرَك ربُّك؟! من أنت حتى تكون في محبة الله؟! أنت أنت بذِكرك الله، أنت أنت بتقواك لله.

 

أقوال في الذكر:

1- قال ابن رجب الحنبلي: كان لأبي هريرة خيط فيه ألف عقدة، فلا ينام حتى يسبِّح به.

 

2- وقال ذو النون: ما طابت الدنيا إلا بذِكره، ولا طابت الآخرة إلا بعفوِه، ولا طابت الجنة إلا برؤيته.

 

3- قال الربيع بن أنس عن بعض أصحابه: علامة حبِّ الله تعالى كثرةُ ذِكرِه؛ فإنك لن تحب شيئًا إلا أكثَرتَ ذِكرَه.

 

4- قال معاذ بن جبل: "ليس يتحسَّر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرَّتْ بهم لم يذكروا الله سبحانه فيها"، وقال آخر: «ما من ساعة تمر على ابن آدم لم يذكُر الله فيها بخير، إلا تحسَّر عليها يوم القيامة»، وقد ورد عن رسول الله أنه كان دائم الذكر لله، متصلًا به، فكان يقول: «إن عيني تنام، وقلبي لا ينام)» أي: عن ذكر الله.

 

قال أحد العارفين: مساكين أهل الدنيا خرَجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله تعالى، ومعرفته، وذِكرُه.

 

حدِّد لنفسك عددًا من الأذكار، ولا تغفل عن الواحد القهار.

________________________________________________

[1] رواه أحمد، (17368).

[2] رواه أحمد، (21323).

[3] رواه مسلم، (5556).

[4] رواه أحمد، (11470)، والنسائي، (10582).

______________________________________
الكاتب: عصام محمد فهيم جمعة