العقيدة الإسلامية وأثرها التربوي

منذ 2021-05-25

العقيدة هي القوة الدافعة والمحركة لسلوك الإنسان ونشاطه في شتى المجالات، وتعتبر أركان الإيمان في الإسلام، التي تتمثل في الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقد

العقيدة هي القوة الدافعة والمحركة لسلوك الإنسان ونشاطه في شتى المجالات، وتعتبر أركان الإيمان في الإسلام، التي تتمثل في الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر: الركيزة الأساسية التي تبنى عليها العقيدة الإسلامية، والمحور والأساس الذي يرتكز عليه تربية المسلم، في كافة جوانب تربيته.

 

فالعقيدة أهم ركن من أركان التربية، لأن التربية في الواقع ‹‹لا تعني الثقافة بمعناها المحدود القائم على العلوم والمعارف وعلى الحركة الفكرية في المجالات المختلفة، ولكنها تضم إلى الثقافة سلوكا وممارسة عملية على ضوء هذه العلوم والمعارف، فهي منهج متكامل يعتمد على هاتين الركيزتين، العلم والعمل أو المعرفة والسلوك أو الثقافة والأخلاق››[1].

 

ولما كانت العقيدة أهم ركن من أركان التربية، فإن العقيدة ‹‹هي أهم ما تنبغي ملاحظته في التربية الإسلامية، بل وفي أي تربية يراد لها النجاح، وذلك أنها هي السلوك والمنطلق الذي يمارس منه الإنسان نشاطه في جميع المجالات››[2].

 

وتتلخص العقيدة التي يدعو إليها الإسلام في كلمة واحدة هي (الإيمان). ‹‹ولما كان الإيمان هو الهدف الأول في التربية الإسلامية، فيجدر بنا أن نتعرف على حقيقته لنستطيع توجيه التربية لتصبح في خدمته››[3]؛ لأن الدين الإسلامي، عقيدة ومعرفة وسلوك.

 

إن ‹‹الإيمان في الإسلام ليس قولا يقال ولا دعوى تدعى، إنما هو حقيقة يمتد شعاعها إلى العقل فيقتنع، وإلى العاطفة فتجيش، وإلى الإرادة فتتحرك وتحرك››[4].

 

ومعني هذا أن ‹‹في الإيمان عنصر (معرفة)؛ فالمؤمن بالشيء لابد أن يعرف ذلك الشيء إلى درجة التصديق واليقين، بقطع النظر عن كون المعرفة صحيحة وكاملة أو خاطئة وناقصة. وفي الإيمان عنصر (عاطفة)، تتمثل في خوف أو حب أو رجاء، وهي التي تزود المؤمن بالحرارة وبالقوة الدافعة. وفي الإيمان عنصر (إرادة)، يتطلب عملا وإنجازا؛ فالمؤمن قوي الإرادة يقوم بالعمل الذي يدفعه إيمانه إليه بلا تعب أو تردد.

 

إذن فالإيمان موهبة تجمع بين الفكر والعاطفة والإرادة، وتوحدها وتوجهها في سبيل الكيان الذي تعلقت به النفس››[5].

 

والإيمان في الإسلام ‹‹ليس مجرد إعلان التصديق باللسان، أو مجرد القيام بأعمال اعتاد المؤمنون أن يقوموا بها. وليس هو مجرد معرفة ذهنية بحقائق الإيمان. لأن كل هذه المظاهر قد توجد ولا يبرز الإيمان الحقيقي. بل هو عمل نفسي تنكشف به حقائق الوجود على ما هي عليه في الواقع، انكشافا يصل إلى حد الجزم الموقن››[6].

 

وبعبارة أخري ‹‹ليس الإيمان في الإسلام مجرد معرفة ذهنية محضة كمعرفة المتكلمين والفلاسفة، ولا مجرد تذوق روحي مجنح كتذوق المتصوفة، ولا مجرد سلوك تعبدي، كسلوك النساك والمتزهدين. إنه مجموع هذا كله سالما من الشطط والإفراط والتفريط، مضافا إليه إيجابية تعمر الأرض بالحق، وتملأ الحياة بالخير وتقود الإنسان إلى الرشد››[7].

 

يقول تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:14]. ويقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} [المائدة: 41]. ويقول تعالي: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [الحجرات:15].

 

ومن ثم، فإن ‹‹الإيمان الصادق ليس مجرد إدراك ذهني أو تصديق قلبي- غير متبوع بأثر عملي في الحياة -.. كلا!، إنه اعتقاد وعمل وإخلاص››[8].

 

ومهما كان الاختلاف حول مفهوم الإيمان، وصلة العمل به، فإن ‹‹العمل جزء لا يتجزأ من الإيمان الكامل››[9]. ومما يجدر ذكره أن ‹‹المقصود بالعمل هنا هو التطبيق الصادق، أو التنفيذ الكلي للمبادئ التي نعتقدها في ضمائرنا، إلى نتائجها النهائية. فالعمل هو إذن استعمال العلم أو إخراج الفكرة من حيز التنفيذ المجرد إلى الواقع الملموس››[10].

 

وعلي هذا ‹‹فالإيمان ليس بالتمني، بل هو ممارسة حياتية. وله مظاهر في الواقع الإنساني، والقرآن لا يجد تعبيرا أكثر تركيزا ودقة من هذه الممارسة من كلمة العمل الصالح››[11]، ‹‹وهي كلمة جامعة من جوامع القرآن تشمل كل ما تصلح به الدنيا والدين، وما يصلح به الفرد والمجتمع، وما تصلح به الحياة الروحية والمادية معا››[12].

 

يقول تعالى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الحج:50]. ويقول تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} [الرعد: 29]. ويقول تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِّمَّن دَعَآ إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33].

 

ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» [13].

 

ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أربع من كن فيه منافقا خالصا، ومن كانت فيه خلة من نفاق. حتى يدعها: إذا حدث كذب. وإذا عاهد غدر. وإذا وعد أخلف. وإذا خاصم فجر» [14].

 

وهكذا نجد ‹‹أن الإسلام ربط بين العقيدة والسلوك ربطا لا انفصام له، حتى جعل العمل دليلا على وجود العقيدة، وعلى ذلك بنى المسئولية والجزاء. ويجب تبصير المتربين بهذه الحقيقة، وتلك العلاقة بين العقيدة والسلوك في نظر الإسلام، لأن ذلك سيكون من عوامل دفعهم إلى الالتزام بالسلوك بموجب العقيدة››[15].

 

وبذلك يتربى المسلمون علما وعملا، وترسخ العقيدة الإسلامية في قلوبهم، ويظهر أثرها في أخلاقهم وأعمالهم. ‹‹والتربية تعني بالدرجة الأولى بتغيير السلوك الإنساني، لأنه لا فائدة من التغيير لو اقتصر على مجرد الحصول على معارف ومعلومات جديدة. صحيح أن تغيير السلوك لا يتم بصورة سليمة، إلا إذا سبقته القاعدة المعرفية، لكن من الصحيح أيضا أن هذه القاعدة ليست إلا وسيلة لغاية وأداة لتحقيق هدف هو الممارسة الفعلية لقيمة ما أو لاتجاه ما››[16].

 

والإيمان الصحيح متى استقر في القلب ظهرت آثاره في السلوك، ويعنى هذا وجود ‹‹تلازم وثيق بين العقيدة الإسلامية، وبين التربية والعمل، لأن التربية هي تلك العملية الموجهة توجيها قائما على (تبصير) للعمل، لتحويل الأفكار والمبادئ، على المستوى النظري إلى سلوك على المستوى الفعلي. وهو التلازم والتلاحم بين العقيدة والعمل؛ لأن التربية سوف تعجز بالتأكيد عن القيام بمهمة التشخيص الواقعي والتجسيد الفعلي إذا توسلت إلى ذلك بالأساليب النظرية وحدها، وإنما يتم لها ذلك بإجراءات وأفعال وأعمال تنحت في أرض الواقع، فتشكل الإنسان بالفعل››[17].

 

ومما يجدر ملاحظته أن ‹‹الإسلام قوة متحركة لا تطيق السلبية، فهي بمجرد تحققها في عالم الشعور تتحرك لتحقيق مدلولها في الخارج، ولتترجم نفسها إلى حركة وإلى عمل في عالم الواقع. وهدف الإسلام الواضح في التربية يقوم على أساس تحويل الشعور الباطني بالعقيدة وآدابها إلى حركة سلوكية واقعية، وتحويل هذه الحركة إلى عادات ثابتة أو قانون، مع استحياء الدافع الشعوري الأول في كل حركة، لتبقى حية متصلة بينبوعها الأصيل››[18].

♦♦ ♦♦ ♦♦

 

وفي هذا الإطار، دار الهدف الديني في التربية الإسلامية - عبر ما تركته لنا الحضارة الإسلامية من فكر تربوي - حول تعليم آداب الشريعة والفهم الصحيح للقواعد والمبادئ الأساسية، والممارسة الفعلية لشعائر الدين وللفضائل المنشودة. ومن آراء علماء التربية المسلمين في وجوب التزام هذا المبدأ، وبيان حكمه وحكمته:

ما يراه ابن مسكويه (421 هـ)، من ضرورة تأديب الصبيان على آداب الشريعة، لأن ‹‹الشريعة هي التي تقوم الأحداث، وتعودهم الأفعال المرضية، وتعد نفوسهم لقبول الحكمة، وطلب الفضائل، والبلوغ إلى السعادة الإنسية، بالفكر الصحيح والقياس المستقيم››[19].

 

والشريعة تتركز في القرآن الكريم والحديث الشريف؛ ومن ثم كان رأى ابن سينا (428 هـ) في أنه إذا ‹‹اشتدت مفاصل الصبي، واستوى لسانه وتهيأ للتلقين، ووعى سمعه، أخذ في تعلم القرآن... ولقن معالم الدين››[20].

 

وإلى جانب القرآن والحديث، اهتم علماء التربية المسلمين بتدريس عقائد الإيمان والممارسة العملية للشعائر الدينية، حتى تثبت في نفوس الناشئين وتصبح لديهم عادة وخلقا. ولذا يقول القابسي (403 هـ): ‹‹وقد أمر المسلمون أن يعلموا أولادهم الصلاة، والوضوء لها، ويدربوهم عليها، ويؤدبوهم بها، ليسكنوا إليها ويألفوها››[21].

 

ويقول المغراوي (920 هـ): ‹‹يأمرهم بالصلاة لسبع السنين، ويضربهم عليها لعشر، ويعلمهم مبادئ عقائد الإيمان، وفروع الشريعة، ويستخبرهم كيف وضوؤهم وصلاتهم. فمن وفي بذلك أقره عليه وإلا علمه ما بقي عليه››[22].

 

ومنطلق المربين المسلمين في ذلك، قوله (صلى الله عليه وسلم): «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع» [23].

 

وكانت التربية الدينية الإسلامية هدفا أساسيا ينبغي أن يسعى إليه المؤدب[24]؛ ‹‹فإذا بلغ الصبي سن السابعة، بدأ المؤدب في تعليمه الصلاة، وما يقرأ فيها من القرآن والتسابيح، وغير ذلك من القيام والقعود والركوع والسجود، مع تعليمهم أحكام الاستبراء والوضوء، ويحبب إليهم الصلاة، ويحثهم على إقامتها في جماعة، مستخدما معهم اللين والترغيب، ولا يعاقب من قصر أو أهمل في تأديتها. فإذا بلغ الصبي سن العاشرة، فعلى المؤدب أن يضربه، ويقومه إذا ترك الصلاة، ولكن يجب أن يأخذهم بالرفق أولا إن أمكنه ذلك، فإذا اضطر إلى استخدام العقاب مع من ترك الصلاة فيهم، فليضربه أولا ضربا هينا غير مبرح، على ألا يزيد عن ثلاثة أسواط، ثم يزيد في ذلك، إذا لم يستجب له الصبي››[25].

 

ولم تقف هذه التوجيهات عند مستوى النظرية، بل كانت تترجم إلى واقع سلوكي عملي؛ ‹‹فإذا أذن للصلاة أثناء وجودهم بالمكتب، أمرهم المؤدب بترك ما هم فيه من قراءة وكتابة، ويشرح لهم الأذان، والسنة في ذلك، ثم يأمرهم بالتوجه إلى المسجد الذي يصلي هو فيه، لتأدية صلاتهم. أما إذا خاف عليهم من اللعب والعبث فيصلون في المكتب جميعا، ويقدمون أكبرهم فيه، فيصلي بهم جماعة في المكتب››[26].. إلى غير ذلك من التوجيهات والتطبيقات العملية، التي تعود الصبيان السلوك الديني الحميد، وهو ما تفتقر إليه مدارسنا ومعاهدنا، في عصرنا الراهن.

♦♦ ♦♦ ♦♦

 

وحيث إن الدين الإسلامي، عقيدة ومعرفة وسلوك، فلابد من الاهتمام بهذه الجوانب جميعا، في كل المواقف التعليمية وفي سائر المواد الدراسية؛ ‹‹لأن الإسلام ومفاهيمه التي يستبطنها، ومبادئه التي يؤسس عليها، وقيمه التي تشكل أخلاقياته وسلوك معتنقيه، ليست مقصورة على مادة بعينها يمكن أن نطلق عليها (مادة الدين)... وإنما الإسلام أكثر من هذا شمولا؛ حيث يفرض على التخصصات العلمية والأدبية المختلفة مطالب تتحقق بها مبادئه وأخلاقياته، وتشريعاته، وكل ما يحتويه››[27].

 

وعلى هذا، فإن التربية الدينية ليست مادة تعليمية مستقلة بذاتها، وليست مقصورة على دروس الدين وحفظ آيات من القرآن الكريم ونصوص من الحديث الشريف، بل تتعدى كل ذلك إلى الجو المدرسي عامة، وإلى المواقف التعليمية في سائر المواد الدراسية، أي أن التربية الدينية ‹‹ليست مادة دراسية، يجرى عليها ما يجري على سائر المواد الدراسية››، بل هي ‹‹تبدأ بالمعرفة التي تدرس، ولكنها لا يجوز أن تنتهي بهذه المعرفة كما تنتهي كثير من المواد الدراسية، بل يجب أن تنتقل المعرفة الدينية بعد اقتناع العقل بها إلى العاطفة لتنفعل بها، وتثور لها، فيكون العزم والتصميم الإرادي القوي على ترجمة المعرفة إلى سلوك مطبق في الحياة على النحو الذي نراه في القدوات الطيبة... وهذا هو الذي يعبر عنه المربون بترجمة المعارف الدينية إلى سلوك، وهو بعض ما نسميه في الميدان المدرسي بالنشاط.

 

فإذا وقفت المعرفة الدينية عند حد العلم، ولم تنتقل إلى التأثر العاطفي بها والانفعال لها، أو كانت هنالك عاطفة لم تصل إلى حد الإخراج الفعلي للمثل الدينية في صورة إنسانية، لم تكن مؤدية إلى الغاية المرتجاة منها. ومن هنا يظهر الفرق بين التربية الدينية وغيرها من المواد الدراسية. التربية الدينية تبدأ بمعرفة تتحول إلى عاطفة، والعاطفة تهيء إلى سلوك››[28]. وهذا يعني أن المعلومات والمعارف الدينية وحدها، لا قيمة لها في ذاتها، إن لم ينعكس أثرها في حياة المتعلم؛ لأن الدين الإسلامي لا يقوم بالوعظ وحده، ولا بحفظ نصوص من القرآن والحديث فقط، بل هو روح وتأثر.

♦♦ ♦♦ ♦♦

 

وبالرغم من أهمية العقيدة الإسلامية وأثرها التربوي - على هذا النحو - فإن نظرة بسيطة إلى واقعنا التربوي في عالمنا الإسلامي المعاصر، تدل على أن التربية الدينية، لا تجد الاهتمام الكافي، في سائر المؤسسات التربوية والثقافية في المجتمع، ويكفى للدلالة على ذلك أن ‹‹الأصول الدينية الإسلامية - شأنها في ذلك شأن الأصول الدينية المسيحية واليهودية - في التربية العربية، محدودة الأثر، لا تتعدى آيات من الكتب المقدسة الثلاثة تحفظ وتستظهر، وقد يفهم معناها وقد لا يفهم، وهى تردد بشكل أو بآخر في دور العبادة، وفى برامج الإذاعة والتليفزيون، ولكنها لا يتاح لها أن تتحول إلى سلوك عملي، لا في المدرسة، ولا في المنزل، ولا في الشارع، إلا فيما ندر››[29].

 

ويزيد من انعدام فاعليتها ‹‹أن أجهزة الإعلام... تهدم ما تبنيه المدرسة؛ بما تقدمه في الصحف وفي الإذاعة وفي السينما وفي التلفزيون، من مواد هدامة للدين والخلق››[30]. ولا شك أن ‹‹إهمال التربية الدينية في البيت والمدرسة والمجتمع، قد أدى إلى كثير من تدهور الأخلاق، وسوء السلوك، والانحراف عن الطريق المستقيم››[31].

 

ومن ثم ينبغي العناية التامة بالتربية الدينية، وتحقيق الانسجام والتعاون بين سائر المؤسسات التربوية والثقافية في المجتمع، للوصول إلى الغاية المنشودة منها، لأن مهمة التربية الدينية بالذات لا ينهض بها فرد واحد أو مؤسسة تربوية واحدة، بل هي مسئولية كل هذه المؤسسات، وفي مقدمتها الأسرة والمدرسة. ‹‹وإن أول واجب على المدرسة في كل مراحلها أن تعمل على بث الميل الديني في نفوس (المتعلمين)، وتساعد في تربيتهم تربية دينية قويمة، كي ترسخ العقيدة الدينية في قلوبهم، ويظهر أثرها في أخلاقهم وأعمالهم››[32]. ولن تتحقق كل تلك الأهداف المنشودة من التربية الدينية، ما لم تصحبها القدوة الصالحة والنموذج الطيب، الذي يحتذيه المتعلم؛ في الأسرة والمدرسة وسائر المؤسسات التربوية والثقافية في المجتمع.

 

يضاف إلى ذلك، أنه ‹‹لكي تثمر التربية الدينية ثمرتها المرجوة، يجب أن تربط الدراسة بالحياة، وأن تعمل على توثيق الصلة بين الدين الإسلامي والحياة. فليس الدين جزءا من الحياة، وليس منفصلا عن الحياة، ولكنه متصل بالحياة كل الاتصال، غير أنه في حاجة إلى من يفهمه، ويدرك روحه››[33]، وهذا من أهم الواجبات التي تقع على عاتق معلم التربية الدينية؛ إذ يمكنه أن يربط موضوعات الدين بالحياة الواقعية، عند شرح الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأحكام الإسلامية، مع ضرب الأمثلة التوضيحية لها من واقع الحياة الاجتماعية، ‹‹وكل ذلك وصل للتربية الدينية بالحياة، التي تفوقها هذه التربية الدينية. وفي الحياة مشكلات كثيرة يمكن أن تكون التربية الدينية حالة لعقدها. فعلى المعلم أن يستعرض مشكلات الحياة، وأن يختار منها ما يناسب درسه، وسيجد في الصحف اليومية والمجلات، وفيما تقع عليه عينيه وعين تلاميذه، مددا كثيرا منها››[34].

 

كما يمكن اغتنام المناسبات الدينية والوطنية والاجتماعية، لتنمية الاتجاهات الدينية السليمة وتدريب المتعلمين على السلوك الديني الحميد، في المواقف التعليمية المختلفة، واغتنام مجالات النشاط المختلفة التي توفرها المدرسة، لتدريب المتعلمين على ممارسة السلوك الديني، ممارسة عملية. وهذا يعني ضرورة ‹‹تثبيت العقيدة الدينية لدى الطلاب وتربية الضمير الخلقي والوازع الديني فيهم، في دروس التربية الدينية، وفيما يتصل بها من نشاط روحي وتهذيب خلقي، وممارسة فعلية لشعائر الدين وللفضائل المنشودة... وأن الدين لا يكون بالإيمان وحده، ولا يقتصر على أداء الفروض وإقامة الشعائر، إنما يتم بالعمل الصالح والإخلاص في أداء الواجب والإنتاج المثمر››[35].

 

وبهذا يتربى المسلم علما وعملا، فيصفو قلبه ويتهذب سلوكه، ويفكر بعقله ويمارس عمله ويحسن فيه، فتنمو شخصيته من كافة جوانبها، ويتكامل في حياته الجانبان الفكري والتطبيقي العملي، وبالتالي يستطيع أن يمارس دوره كإنسان منتج، في المجتمع الإسلامي.

 


[1] عطيه صقر: نظرات في التربية الإسلامية ومقوماتها في المجتمع المعاصر، مؤسسة الصباح للنشر والتوزيع، الكويت، ب. ت، ص3.

[2] المرجع السابق، ص4.

[3] محمد فاضل الجمالي: نحو تربية مؤمنة، فلسفة تربوية متكاملة لتحقيق مجتمع إسلامي ناهض، الشركة التونسية للتوزيع، تونس، 1977م، ص 85.

[4] يوسف القرضاوي: التربية الإسلامية ومدرسة حسن البنا، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1399هـ = 1979م، ص9.

[5] محمد فاضل الجمالي: نحو تربية مؤمنة، ص 85، 86.

[6] كمال التارزي: ‹‹الإيمان والالتزام››، العلم والإيمان في الإسلام، الشركة التونسية لفنون الرسم، تونس، 1395 هـ = 1975 م، ص 143، 144.

[7] يوسف القرضاوي: التربية الإسلامية ومدرسة حسن البنا، ص9.

[8] يوسف القرضاوي: الإيمان والحياة، مكتبة وهبة، القاهرة، ط6، 1398هـ = 1978م، ص 285.

[9] المرجع السابق، نفس الصفحة.

[10] سعد غراب: ‹‹مفهوم الإيمان والعمل في الفرق الإسلامية››، العلم والإيمان في الإسلام، الشركة التونسية لفنون الرسم، تونس، 1395هـ = 1975م، ص226.

[11] عباس مهاجراني: ‹‹الإيمان في القرآن››، العلم والإيمان في الإسلام، الشركة التونسية لفنون الرسم، تونس، 1395هـ = 1975 م، ص 215.

[12] يوسف القرضاوي: الإيمان والحياة، ص286.

[13] مسلم (مسلم بن الحجاج القشيرى، ت 261 هـ): صحيح مسلم، حققه وعلق عليه ملخص شرح النووى: محمد فؤاد عبد الباقى، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، ط1، 1375هـ / 1956 م، ج1، ص68. كتاب الإيمان.

[14] المرجع السابق، نفس الجزء، ص 78. كتاب الإيمان.

[15] مقداد يالجن: التربية الأخلاقية الإسلامية، مكتبة الخانجي بمصر، ط1، 1397هـ = 1977م، ص221.

[16] سعيد إسماعيل على: نشأة التربية الإسلامية، عالم الكتب، القاهرة، 1978 م، ص154.

[17] سعيد إسماعيل على: دراسات في التربية الإسلامية، عالم الكتب، القاهرة، 1982م، ص4.

[18] على القاضي: أضواء على التربية في الإسلام، دار الأنصار، القاهرة، ط1، 1400 هـ = 1979م، ص44.

[19] ابن مسكويه (أحمد بن محمد بن يعقوب، ت421هـ): تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق، حققه وشرح غريبه: ابن الخطيب، المطبعة المصرية ومكتبتها، ط1، ب. ت، ص 45.

[20] ابن سينا (أبو على الحسين بن عبد الله، ت428 هـ): كتاب السياسة، نشره لويس معلوف، مجلة الشروق البيروتية، 1906م، ص1074.

[21] القابسي (على بن محمد، ت 403 هـ): ‹‹الرسالة المفصلة لأحوال المتعلمين،وأحكام المعلمين والمتعلمين››، نشرها: أحمد فؤاد الأهواني، ملحقة بكتاب: التربية في الإسلام، (دراسات في التربية)، دار المعارف بمصر، ب. ت، ص25.

[22] المغراوي (أحمد بن أبي جمعة، ت 920هـ): جامع جوامع الاختصار والتبيان، فيما يعرض للمعلمين وآباء الصبيان، تحقيق وتعليق: أحمد جلولي البدوي، ورابح بونار، من سلسلة (ذخائر المغرب العربي)، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1975م، ص 47.

[23] أبو داود (سليمان بن الأَشعث السجستاني، ت: 275 هـ): السنن، تحقيق: عادل محمد، وعماد عباس، دار التأصيل، القاهرة، ط1، 1436هـ /2015م، مجلد1، ص382، رقم (492)، كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة. وقال الألبانى: حديث حسن صحيح، أنظر: محمد ناصر الألبانى: صحيح سنن أبى داود، مكتبة المعارف، الرياض، ط1، 1419هـ- /1998م، مجلد1، ص 145، رقم (495).

[24] المؤدب: معلم ينتدبه الأغنياء والخاصة، لتعليم أطفالهم في بيوتهم، بدلا من إرسالهم إلى الكتاتيب.

[25] راجع: العبدرى (ابن الحاج محمد العبدرى، ت 737 هـ): مدخل الشرع الشريف على المذاهب، المطبعة المصرية، 1929م، ج2، ص315، 316.

[26] المرجع السابق، نفس الجزء، ص316.

[27] محمود السيد سلطان: بحوث في التربية الإسلامية، دار المعارف بمصر، 1979م، ص61.

[28] أحمد يوسف الشيخ: ‹‹الطريقة المثلى، لتدريس التربية الدينية››، الدين والمجتمع، عدد خاص من مجلة الرائد، الجمهورية العربية المتحدة، نقابة المهن التعليمية، مارس ـ ابريل، 1965م، بدون ترقيم للصفحة.

[29] عبد الغني عبود: في التربية الإسلامية، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1، 1977 م، ص 221.

[30] عبد الفتاح جميل: ‹‹هل حققت التربية الدينية أهدافها في المدرسة الابتدائية ؟››، الرائد، مجلة المعلمين، السنة الثانية والعشرون، العدد الأول، مارس ـ مايو، 1977 م، ص46.

[31] محمد عطية الأبراشي: التربية الإسلامية وفلاسفتها، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه بمصر، ط3، 1395 هـ = 1975 م، ص49.

[32] المرجع السابق، ص48.

[33] المرجع السابق، ص50.

[34] أحمد يوسف الشيخ: ‹‹الطريقة المثلى لتدريس التربية الدينية››، بدون ترقيم للصفحة.

[35] إبراهيم عصمت مطاوع: المدرسة الشاملة، العدد (19) من: الاتجاهات التربوية المعاصرة، ج.م.ع، المركز القومي للبحوث التربوية، جهاز التوثيق والمعلومات التربوية (مركز التوثيق التربوي)، ديسمبر 1973م، ص17.

_____________________________________________
الكاتب: د. محمد كمال الحسيني