تفسير قوله تعالى: { ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون }

منذ 2021-06-02

تفسير قوله تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} [البقرة: 12].

تفسير قوله تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} [البقرة: 12]

 

"ألا" للتنبيه والتوكيد، و"إن" للتوكيد، وضمير الفصل "هم" أيضًا للتوكيد والحصر.

 {الْمُفْسِدُونَ}؛ أي: المفسدون حقًّا غاية الإفساد وأشَدَّه، وليس غيرهم؛ ولهذا قال عز وجل لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون: 4].

 

فكذَّبهم عز وجل بدعواهم الإصلاح، وحصَرَ الإفساد فيهم، وأكَّده بأربع مؤكِّدات، وهي: "ألا" التي تفيد التنبيه والتوكيد، و"إنَّ"، وضمير الفصل "هم"، وتعريف الخبر "المفسدون".

 

فهم أشدُّ الناس فسادًا في الأرض بكفرهم بربِّهم ومعصيتهم له، وشكِّهم في دينه، وزعمهم كذبًا أنهم مؤمنون، وهم أعظم خطرًا على الإسلام والمسلمين من جميع طوائف الكفر والضلال، من أهل الشرك والإلحاد، ومن اليهود والنصارى وغيرهم؛ لأنهم بهذا المسلك - وهو إظهار الإسلام مع إبطان الكفر - يكيدون للإسلام أشدَّ من أعدائه الظاهرين، فهم بين أَظْهُرِ المسلمين يطَّلِعون على أسرارهم ويُفشونها إلى أعدائهم، يزعمون أنهم مع المؤمنين، ويوالون أهل الكفر من اليهود والمشركين وغيرهم، بل يتمالؤون معهم ضد المؤمنين، كما قال تعالى عنهم: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة: 14]، وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الحشر: 11]، وقال تعالى: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة: 52]، وقال تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [التوبة: 67].

 {وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ}؛ أي: ولكن لا يُحِسُّونَ ولا يدركون أنهم هم المفسدون حقًّا، بل يَرَوْنَ الإفساد إصلاحًا، والإساءة إحسانًا، كما قال تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [فاطر: 8]، وقال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 103 - 105]، وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف: 36، 37].

 

وقد أحسن القائل:

يُقضَـى على المرءِ في أيامِ مِحنتِه *** حتى يَرى حسنًا ما ليس بالحَسَنِ

___________________________________________________
الكاتب: الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم