من أسباب العذاب - 1

منذ 2021-06-14

قال العلامة السعدي رحمه الله: الحال أن المسجد الحرام, من حرمته واحترامه وعظمته, أن من يرد فيه بإلحاد بظلم, نذقه من عذاب أليم, فمجرد الإرادة للظلم والإلحاد في الحرم موجب للعذاب.

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فالذنوب من أسباب العذاب في الدنيا والآخرة, ومن الذنوب الموجبة للعذاب التي جاءت في نصوص الكتاب والسنة:

الكفر والشرك بالله:

وقال الله عز وجل:  {إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما}  [النساء:56] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: وقوله: (آياتنا) يشمل الآيات الكونية والآيات الشرعية, فمن الكفر بالآيات الشرعية: تكذيب الرسل, وعدم الالتزام بما جاءوا به من الشرائع, ومن الكفر بالآيات الكونية: أن ينسب هذا الكون إلى غير الله أو يقال: إن أحداً أعان الله فيه, أو يقال: إن أحداً له فيه شرك, فكل هذا من التكذيب بالآيات. ومن ذلك إنكار أن يكون الكسوف وقع إنذاراً من الله وتخويفاً, لأن بعض الناس يقولون: إن الكسوف أمر عادي, وليس من أجل أن يخوف الله به العباد, وهذا يعتبر نوعاً من الكفر, وليس كفراً مخرجاً من الملة, لكنه نوع من الكفر

وقال الله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ ۗ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} [البقرة:165-166]

وقال الله عز وجل: { بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد}  [سبأ:8] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: أي: لا يصدقون بها ويعترفون, أي: لا يؤمنون بوجودها ولا يؤمنون بما يحصل فيها, واليوم الآخر يدخل فيه كل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت, فكل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت كفتنة القبر ونعيمه وعذابه فإنها داخلة في الآخرة.

الصد عن سبيل الله, والدعوة إلى الكفر والضلال:

قال الله عز وجل: {ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق}  [الحج:9] قال العلامة السعدي رحمه الله: ( ليضل ) الناس, أي: ليكون من دعاة الضلال, ويدخل تحت هذا جميع أئمة الكفر والضلال, ثم ذكر عقوبتهم الدنيوية والأخروية, فقال: (له في الدنيا خزي) أي: يفتضح هذا في الدنيا قبل الآخرة, فإنك لا تجد داعياً من دعاة الكفر والضلال, إلا وله من المقت بين العالمين واللعنة والبغض والذم ما هو حقيق به, وكلّ بحسب حاله.

قال الله عز وجل: {والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم}  [سبأ:5] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: هؤلاء يسعون في إبطال آيات الله تعالى أحياناً بالصراع المُسلح, يعني يهاجمون الديار ويقاتلونهم حتى يردوهم عن دينهم, وأحياناً بالسلاح الفكري, فيبثون فيهم الشبهات في دينهم, في نبيهم, في ربهم, ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً, وأحياناً يسعون في ذلك بالشهوات, فيبثون في الناس حُبَّ اللهو والشهوة. ومن هذا ما تبثه وسائل الإعلام الخبيثة في الدول الكافرة ومن تشبهت بها, فتجدهم يعون إلى أسافل الأخلاق, يدعون بالقلم وبالصورة, فيُصورن النساء الفاتنات وعلى صفة مُزرية _ والعياذ بالله تعالى _ ويكتبون بالدعوة إلى ذلك.

وقال سبحانه وتعالى: ( {إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب} ) [ص:26] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: من فوائد الآية: أن الضالين عن سبيل الله متوعدين بهذا الوعيد ( {لهم عذاب شديد} ) أي: قوي, ويتفرع من هذه الفائدة الحذر من الضلال عن سبيل الله.

أذيّة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم:

قال الله عز وجل: ( { إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا}) [الأحزاب: 57] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: قوله تعالى: (إن الذين يؤذون الله) يؤذون الله بوصفه بالعيوب التي لا تليق به, مثل قول بعضهم عن الله تعالى: فقير, ومثل: سبِّ الدهر, والله تعالى يقول: ( يُؤذيني ابن آدم يسُب الدهر ) ومثل أن يقولوا: إن الله تعالى اتخذ صاحبه أو ولداً, أو إن الله تعالى لما خلق السموات والأرض تعب واستراح وما أشبه ذلك,...ومنه إنكار أسمائه وصفاته, لأن هذا – لا شك – سلب للكمال عنه فيتضمن النقص...وإما إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم فيكون بالقول وبالفعل, فبالقول: أن يوصف الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر أو شاعر أو كاهن أو مجنون...وكذلك إيذاء الرسول بالفعل ما صنعت قريش به صلى الله عليه وسلم حين أتوا بسلى الناقة وهو ساجد في المسجد الحرام أما بيت الله عز وجل فوضعوا سلى الناقة على ظهره وهو ساجد, وأي أذية أبلغ من هذا ؟...وكذلك من الأذية ما ذكروا أنهم كانوا يُلقون الأنتان والقاذورات على عتبه بابه صلى الله عليه وسلم في مكة حتى إنه كان يقول: ( أيُّ جوار هذا ؟ ) يعني: لو كنت جاراً لكم ولست منكم لم تفعلوا بي هذا الفعل ! فهؤلاء الذين يؤذون الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لعنهم الله تعالى في الدنيا والآخرة _والعياذُ بالله – يعني: أبعدهم الله عن رحمته في الدنيا وفي الآخرة, لأن اللعن بمعنى: الطرد والإبعاد عن رحمة الله...العذاب المهين كُلُّنا يعرف أنه في النار, لأنها هي التي عذابها مهين

التصوير: عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من أشدِّ الناس عذاباً يوم القيامة, الذين يصورن هذه الصورة) [أخرجه البخاري]

الإعراض والاستكبار عن آيات الله عز وجل:

قال الله عز وجل: ( {وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ*  يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} ) [الجاثية:7-8]

وقال الله عز وجل: {وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم}  [لقمان:7] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: من فوائد الآية الكريمة: الوعيد الشديد على من إذا تُليت عليه آيات الله سبحانه وتعالى ولى مُستكبراً.

الاستهزاء والاستهانة بالقرآن الكريم:

قال الله عز وجل: {وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين}  [الجاثية:9] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أي حفظ شيئاً من القرآن كفر به واتخذه سخرياً وهزواً (أولئك لهم عذاب مهين) أي في مقابلة ما استهان بالقرآن واستهزأ به.

إرادة الظلم والإلحاد في الحرم:

قال الله عز وجل: ( {إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} {} ) [الحج:25] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: (ومن يرد فيه بإلحاد) أي: يهم فيه بأمر فظيع من المعاصي الكبار, وقوله (بظلم) أي: عامداً قاصداً أنه ظلم ليس بمتأول.

قال العلامة السعدي رحمه الله: الحال أن المسجد الحرام, من حرمته واحترامه وعظمته, أن من يرد فيه بإلحاد بظلم, نذقه من عذاب أليم, فمجرد الإرادة للظلم والإلحاد في الحرم موجب للعذاب.

الرياء:

قال الله عز وجل: ( {والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد} {}  ) [فاطر:10] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: قال مجتهد وسعيد بن جبير وشهر بن حوشب: هم المراؤون بأعمالهم, يعني يمكرون بالناس يوهمون أنهم في طاعة الله تعالى, وهو بغضاء إلى الله عز وجل يراؤون بأعمالهم, ( ولا يذكرون الله إلا قليلاً ) وقال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم: هم المشركون, والصحيح أنها عامة, والمشركون داخلون بطريق الأولى.

ظلم الناس, والبغي في الأرض:

قال الله عز وجل: ( {إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم} ) [الشورى: 42] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: (على الذين يظلمون الناس) سواء بأموالهم أو دمائهم أو أعراضهم,...وقوله: (ويبغون في الأرض بغير الحق) أي: يعتدون فيها, ويتجاوزن الحد,...ومن فوائد الآية: تهديد أولئك الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق بالعذاب الأليم

معصية الله عز وجل وتعدي حدوده:

قال الله عز وجل: {ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين}  [النساء:14]

قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: من فوائد الآية الكريمة أن من جمع بين الأمرين: المعصية, وتعدي الحدود, فإنه يُدخل النار, ولكن هل هو دخول أبدي أو دخول مؤقت؟ الجواب: أن يقال: حسب المعصية....فالعاصي معصية مطلقة, والمتعدي للحدود تعدياً مطلقاً, يدخل النار ولا يدخل الجنة, والذي جمع بين المعصية والطاعة: إن غلبت الطاعة لم يدخل النار وإن غلبت المعصية دخل النار بقدر ذنبه وخرج منها

قتل المؤمن عمداً:

قال الله عز وجل: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}[النساء:93] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: في هذه الآية الكريمة دليل على أن قتل المؤمن عمداً من كبائر الذنوب, لورود الوعيد عليه,...ولكن من قتل مؤمناً متعمداً وتاب تاب الله عليه.  

كتم العلم, وعدم بيانه إلا لغرض دنيوي:

قال الله عز وجل:   {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۙ أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ} [البقرة:174] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: هذا الوعيد على من جمع بين الأمرين: (يكْتُمُونَ), و(يشْتَرُونَ) فأما من كتم بدون اشتراء, أو اشترى بدون كتم, فإن الحكم فيه يختلف.

 قال الله: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون} [آل عمران:187] قال ابن كثير: هذا توبيخ من الله وتهديد لأهل الكتاب الذين أخذ الله عليهم العهد على ألسنة الأنبياء أن يؤمنوا بحمد صلى الله عليه وسلم وأن ينوهوا بذكره في الناس, فيكونوا على أهبة من أمره, فإذا أرسله الله تابعوه, فكتموا ذلك وتعوضوا عما وعدوا عليه من الخير في الدنيا والآخرة بالطفيف, والحظ الدنيوي السخيف, فبسئت الصفقة صفقتهم وبئست البيعة بيعتهم, وفي هذا تحذير للعلماء أن يسلكوا مسلكهم فيصيبهم ما أصابهم ويسلك بهم مسلكهم, فعلى العلماء أن يبذلوا ما بأيديهم من العلم النافع الدال على العمل الصالح ولا يكتموا منه شيئاً, فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من سئل عن علم فكتمه ألحم يوم القيامة بلجام من نار.

وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: من فوائد الآية الكريمة: وجوب بيان العلم على أهل العلم, فيبنوا العلم الذي آتلهم الله, ولم يذكر الله عز وجل الوسيلة التي يحصل بها البيان, فتكون على هذا مطلقة راجعة إلى ما تقتضيه الحال, قد يكون البيان بالقول, وقد يكون البيان بالكتابة, وقد يكون في المجالس العامة, وقد يكون في المجالس الخاصة, على حسب الحال....والواجب البيان حتى عند الأمراء والوزراء والكبراء والرؤساء, بل إن بيان الحق عندهم يكون أوجب, وكلمة الحق عند السلطان الجائر من أفضل الجهاد.