الحج في زمن الكورونا
أي أن من زار البيت الحرام (مرة) حاجاً أو معتمراً وذاق حلاوته (مرة) حاجاً أو معتمراً لم يشبع منه حتى يثوب ويرجع إليه مرة ومرتين وثلاثة {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ} ..
أيها الإخوة الكرام : قبل أيام ونحن نتحدث عن أبواب الصدقة واتساعها أتينا بالحديث علي أن هذه الأيام التي نعيش فيها أيام عصيبة..
بسبب الوباء الذي آذي الناس في صحتهم وحياتهم وضربهم في أموالهم ومعايشهم حتى جعل الناس في هذه الأيام يخرجون زكاة أموالهم وصدقاتهم إلى أبنائهم وبناتهم وجعل المرأة تتصدق من حُر مالها على زوجها..
واليوم نتحدث عن جانب آخر من الجوانب التي تأثرت وضُربت بسبب وباء كورونا وهو جانب العبادة..
تضرر صيام رمضان عند بعض المسلمين بسبب وباء كورونا, صلاة المسلمين في بيوت الله تعالى, والجمع والجماعات والجنائز تأثرت بسبب وباء كورونا وإن كنا في النهاية نجتمع ونصلي, مجالس الذكر ودروس العلم تأثرت وإن كنا في النهاية نتحصل عليها بصورة أو بأخرى..
لكن يبقي (الحج)هو أكثر عبادة تأثرت بسبب الوباء, وتبقي أمنية المسلم أن يأتي البيت الحرام (حاجاً) أمنية معلقة..
ففي مثل هذه الأيام ونحن في أشهر الحج كانت وفود الزوار والعمار والحجاج تتوافد علي البيت الحرام بالملايين براً وبحراً وجواً على اختلاف الألوان واللهجات {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}
لكن بسبب هذا الوباء الذي قصم ظهور العباد والبلاد وصيانة للنفس المؤمنة من (مظنة الهلكة) حُرم أهل مصر وحُرم أهل اليمن وحُرم أهل الشام وحُرم أهل العراق كما حُرم عموم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها من حج البيت الحرام للعام الثاني علي التوالي..
اللهم إلا من بضعة آلاف من حاضري المسجد الحرام هم (فقط) من يسمح لهم بالمبيت بمنى وبالوقوف على عرفات هم (فقط) من يسمح لهم أن يقضوا تفثهم ويوفوا نذورهم وأن يطوفوا بالبيت العتيق..
قلت: ولولا فضل الله تعالى على بعضنا لعُلق الحج إلي البيت العتيق تماما ولكن الله تعالى قد جعل في قضاءه رحمة..
أسأل الله العظيم أن يقتلع هذا الوباء من بيننا اقتلاعاً وأن يصرفه عنا إلى غير رجعة.. اللهم آمين.
من فضل الله تعالى أنه يلطف بعباده:
من فضل الله تعالى أنه يقضي ويجعل في قضاءه رحمة, فإذا كان باب الحج قد أُغلق في وجوه كثير من المسلمين فإن باب المثوبة لا يغلقه الله في وجه أحد أبداً فما دُمت مؤمناً وما دُمت مخلصاً وما دامت النية صادقة فإن الله تعالي يكرم المؤمن بمثوبة تماثل مثوبة (الحج) ينالها المؤمن وهو في بيته بين زوجه وولده {ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ}
بر الوالدين ما بر الوالدين؟
بر الوالدين والإحسان إليهما وإكرامهما والدعاء لهما وإنفاذ عهدهما وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما ثواب ذلك يعدل عند الله تعالي ثواب الحج والعمرة قال أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: «أَتَى رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي أَشْتَهِي الْجِهَادَ، وَإِنِّي لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَقَالَ النبي: «هَلْ بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ وَالِدَيْكَ؟» قَالَ: أُمِّي قَالَ: «فَأَبْلِ اللَّهَ عُذْرًا فِي بِرَّهَا، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَأَنْتَ حَاجٌّ وَمُعْتَمِرٌ وَمُجَاهِدٌ، إِذَا رَضِيَتْ عَنْكَ أُمُّكَ، فَاتَّقِ اللَّهَ وَبِرَّهَا» »
ذكر الله تعالي ما ذكر الله؟
ذكر الله تعالى أيسر عبادة وله من الأجر ما يماثل أجر الحج إن صدقت نية الذاكر.. الدليل: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «جَاءَ الفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ العُلاَ، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا، وَيَعْتَمِرُونَ، وَيُجَاهِدُونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ، قَالَ: «أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ» »
قضاء حوائج الناس ما قضاؤها؟
قضاء حوائج الناس يعدل ثوابها ثواب حج وعمرة (نسأل الله الكريم من فضله) قضاء حوائج الناس يعدل ثوابها ثواب حج وعمرة..
الدليل:حديث عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، قَالَ: خَرَجَ الْحَسَنُ بن عليٍّ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، اذْهَبْ مَعِي فِي حَاجَةٍ إِلَى فُلَانٍ، فَتَرَكَ الحسن الطَّوَافَ وَذَهَبَ مَعَهُ، فَلَمَّا رجع الحسن قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ حَاسِدٌ لِلرَّجُلِ الَّذِي ذَهَبَ مَعَهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، تَرَكْتَ الطَّوَافَ وَذَهَبَتَ مَعَهُ؟
فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: وَكَيْفَ لَا أَذْهَبُ مَعَهُ؟ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ ذَهَبَ فِي حَاجَةٍ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ فَقُضِيَتْ حَاجَتُهُ كُتِبَتْ له حَجَّةً وَعُمْرَةً، وَإِنْ لَمْ يُقْضَ كُتِبَتْ لَهُ عُمْرَةٌ فَقَدِ اكْتَسَبْتُ حِجَّةً وَعُمْرَةً وَرَجَعْتُ إِلَى طَوَافِي "
الشاهد:
أن تعلم أخي أن فضل الله واسع وأن باب الحج لم يغلق تماما وإنما لم يزل فيه فرجة ولو لبضعة آلاف من المسلمين (نسأل الله أن يجعلنا منهم يوما من الأيام ) ثم إن أبواب الثواب والأجر العظيم لم تزل مفتوحة ينالها كل من ضرب فيها بسهم فسارعوا إليها وسابقوا فيها تُؤجروا وتُجبروا وتُنصروا..
الخطبة الثانية
بقي لنا في ختام الحديث أن نقول ليس معنى أن الله تعالى بفضله قد منّ علي المؤمن بمثوبة تماثل مثوبة الحج أن يزهد الناس في الحج ليس هذا مقصوداً, وليس معنى أن الله تعالى بفضله قد منّ علي المؤمن بمثوبة تماثل مثوبة الحج أن يصبح الحج من نافلة العبادة هذا لا يقصده مؤمن عاقل أبداً..
فالحج هو عمدة الفرائض (عمود الإسلام) الحج هو أمنية المؤمن وأنفس ما تشتاق إليه نفسه, ذلك أن المؤمن يصلي ويصوم ويتصدق في (عموم الأيام والليالي) لكنه قد لا يحج البيت الحرام في العمر كله إلا (مرة)
الحج في نظر المؤمن يوضع في كفة لا يزاحمه فيها شيء وتوضع العبادات كلها في كفة أخرى قال الله تعالى {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ} قالوا في معنى هذه الآية
أي أن من زار البيت الحرام (مرة) حاجاً أو معتمراً وذاق حلاوته (مرة) حاجاً أو معتمراً لم يشبع منه حتى يثوب ويرجع إليه مرة ومرتين وثلاثة {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ} ..
نسأل الله العظيم أن يعجل برفع البلاء والوباء وأن يرزقنا جميعا حج البيت إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير .
محمد سيد حسين عبد الواحد
إمام وخطيب ومدرس أول.
- التصنيف: